وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في تعديل الدستور الأمريكي والمستقبل السياسي

نشر بتاريخ: 25/10/2020 ( آخر تحديث: 25/10/2020 الساعة: 20:25 )
في تعديل الدستور الأمريكي والمستقبل السياسي

المتابع للسياسة الأمريكية يقف على بعض مظاهر التغيير التي قد تطال بنية النظام السياسي، وتضع النموذج الأمريكي محل تساؤل ونقاش. ولعل من أبرز هذه التغييرات ما يتعلق بالمحكمة العليا ومسألة التعيين. واليوم تبرز قضية تتعلق بالدستور وإمكانية التعديل. والتعديل في حد ذاته ليس مشكلة، فقد تم منذ كتابة الدستور سبعة وعشرين تعديلاً دستورياً.

ولكن المقصود بتحدي التعديل، هو الرغبة التي أبداها الرئيس ترامب في حشد انتخابي له في ولاية نيفادا بقوله: «بعد 52 يوماً سنفوز بولاية نيفادا، وسنفوز بأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض، وبعد ذلك سنتفاوض». والقصد هنا التلويح بتعديل الدستور لفترة رئاسية ثالثة. وهنا يذكر بالرئيس روزفلت الذي حكم لأربع فترات رئاسية. وقد سبق للرئيس أوباما أن رفض تعديل الدستور بتمديد الفترة الرئاسية، قائلاً: «التعديل لا يصب في صالح الشعب الأمريكي؛ بل في صالح الرؤساء وتشبثهم بالحكم».

وأضاف: «على كل من يجلسون على سدة الحكم والسلطة أن يُعدوا أنفسهم لتركها في موعد محدد». هذا هو التحدي الذي يمكن أن يواجه مستقبل السياسة الأمريكية ويحولها لرئاسة ديكتاتورية؛ ذلك أن أهم سمة من سمات الدستور هو الثبات، أضف إلى ذلك أن تعديله يحتاج لإجراءات معقدة، والسمة الأخرى أنه دستور فيدرالي، تتوزع السلطة فيه بين السلطة الاتحادية وهي السلطة العليا وسلطة الولايات وهذا يعني إقرار مبدأ السمو الدستوري، فلا شيء يخالف الدستور الاتحادي، لا القوانين الاتحادية ولا دساتير الولايات، وهذا ما يعطي للمحكمة العليا وزناً ومكانة كبيرة في النظام السياسي الأمريكي، حيث هي المسؤولة عن وظيفة الالتزام وتنفيذ مبدأ السمو الدستوري.

لقد استلهمت مبادئ الدستور الأمريكي من نظريات وأفكار فلاسفة التنوير والعقد الاجتماعي أمثال جون لوك، وهوبز، وروسو. وقام الكونجرس بكتابته في عام 1774، وجرى اختيار جورج واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة بموجب هذا الدستور الذي تقول مقدمته: «نحن شعب الولايات المتحدة، رغبة منا في إنشاء اتحاد أكثر كمالاً وفي إقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة».

وضماناً لاستمرارية الدستور تم إجراء 27 تعديلاً أهمها التعديلات العشرون المسماة بوثيقة الحقوق والتي تم إقرارها في 15-12-1791. وجاءت هذه الوثيقة للتوافق بين الفيدراليين أمثال هاملتون وجورج واشنطن والذين يعظمون قوة الدولة الفيدرالية، وبين اللافيدراليين وأشهرهم توماس جيفرسون، والمعارضين لزيادة السلطة الاتحادية. وهذا ما يوضح لنا الحرص على إنشاء الجهورية والنظام الرئاسي. ويؤكد الباحث آرشي براون في كتابه: «خرافة الزعيم القومي: القيادة السياسية في العصر الحديث»، أن أخطر تحطيم للملكية في تاريخ الحكومات هو الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية، ولذا وافق المؤسسون وأصروا على أن تكون حكومة الولايات المتحدة جمهورية وليست ملكية أو أرستقراطية.

إن عملية تعديل الدستور تحتاج إلى خطوات معقدة وليست متاحة كما في تعديل القوانين، والملاحظة اللافتة للنظر، هي أنه إذا كان الدستور قد منح الرئيس الأمريكي حق الاعتراض على القوانين التي يصدرها الكونجرس، فإنه لم يمنحه سلطة أو حتى حق الطلب بتعديل الدستور، فلا يمتلك مثلاً أن يخاطب الشعب الأمريكي مباشرة أو يطلب إجراء استفتاء، سلطة تعديل الدستور كفلها الدستور للكونجرس والولايات الأمريكية، وحتى يتم التعديل يحتاج أولاً إلى ثلثي أصوات الكونجرس بمجلسيه؛ أي ثلثي الخمسمئة وأربعة وثلاثين صوتاً، وموافقة ثلاثة أرباع سلطة الولايات، وهذا ما يفسر لنا صعوبة التعديلات الدستورية، وخصوصاً صعوبة تعديل المادة الخاصة بحكم الرئيس التي تم تحديدها بفترتين رئاسيتين فقط.

الدستور لم يترك منصب الرئاسة من دون معالجة في حالة فراغ المنصب الرئاسي، فيخلفه نائب الرئيس إلى أن تجرى الانتخابات. يبقى احتمال التعديل قائماً ومفتوحاً، وهذا قد يتم من قبل أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، وهذا هو التحدي الأكبر في حال فوز ترامب.

[email protected]