وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

القضية الفلسطينية والجولة الأخيرة من الإنتخابات الأمريكية

نشر بتاريخ: 23/11/2020 ( آخر تحديث: 23/11/2020 الساعة: 11:26 )
القضية الفلسطينية والجولة الأخيرة من الإنتخابات الأمريكية

تتابع دول العالم، العظمى منها والصغرى، القوية والضعيفة، لا سيما مواطني هذه الدول، الإنتخابات الأمريكية بشغف وإهتمام، فهوية ساكن البيت الأبيض، وماذا سيفعل تؤثر على حياة غير الأمريكيين أكثر من تأثير قرارات حكوماتهم، وذلك يعود ببساطة لكون الرئيس الأمريكي هو القائد السياسي الأهم في العالم، فهو يحكم دولة تؤثر سياساتها الإقتصادية والعسكرية على حياة معظم الناس في كل دولة وفي كل قارة.

وربما يفسر ذلك ترحيب الشعوب قبل الحكومات في دول مثل: روسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وكندا، واليابان والمكسيك، وكذلك دول الإتحاد الأوروبي، بالرئيس بايدن الذي وصل للبيت الأبيض محمولاً على خطاب يعكس رؤية للنظام الدولي والعلاقات الدولية مناقضة لرؤية الرئيس ترامب التي صنفت الدول الأربعة الأولى كتهديد لزعامة أمريكا للنظام الدولي وفقاً لإستراتيجيته المعلنة للأمن القومي العام 2017.

ومن جهته الشعب الفلسطيني تنفس الصعداء برحيل الرئيس ترامب عن البيت الأبيض الذي أعلن خلال فترة رئاسته الحرب على القضية الفلسطينية من خلال تبنيه الكامل للرؤية اليمينية الإسرائيلية للصراع في فلسطين، لا سيما وأن الرئيس الجديد قد أعلن أكثر من مرة وفي أكثر من مكان إلتزامه بالقانون الدولي والمؤسسات الدولية (الشرعية الدولية)، التي تعتبر من الركائز التي تقوم عليها الإستراتيجية السياسية الفلسطينية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه فيما جاء ترحيب الآخرين بفوز الرئيس بايدن ضمن إستراتيجية طويلة الأمد لا تقوم في تعامل هذه الدول مع السياسة الأمريكية نحو بلادهم بناء على هوية سيد البيت الأبيض، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن الفلسطينيين يمتلكون مثل هكذا إستراتيجية، الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه من خلال تبني خطاب يرى أن الرئيس الجديد يزيد من فرص نجاح حل الدولتين، على الرغم أن هذا الحل لم يعد ممكناً في المدى المنظور نتيجة لسياسة إسرائيل المتواصلة بالإستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية (اراضي الدولة الفلسطينية الموعودة) ووفقاً لرأي الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني.

في الواقع كان الرئيس بايدن قد تعهد قبل إنتخابه بتصويب مسار أمريكا السياسي والإقتصادي والأخلاقي الذي دمره الرئيس ترامب، فضلاً عن اعلانه العمل على إزالة الضرر الذي أصاب أمريكا قبل حلفائها وخصومها على السواء نتيجة لإستراتيجية الرئيس ترامب الداخلية والخارجية، وذلك من خلال مقالة له نُشرت في مجلة فورين أفريز عدد مارس/أبريل من العام الجاري، حملت عنوان (لماذا على أمريكا أن تقود من جديد؟)، حيث كتب في هذه المقالة "إذا أصبحت أنا الرئيس القادم فسأتخذ خطوات فورية لإحياء ديموقراطية الولايات المتحدة وتجديد تحالفاتها، وحماية المستقبل الإقتصادي للبلاد، وسأجعل أمريكا تقود العالم من جديد [...]".

وحول الشرق الأوسط قال بايدن أن أولوياته هي: اعادة الغالبية العظمى من القوات الأمريكية في أفغانستان والشرق الأوسط للوطن، ومواصلة محاربة الإرهاب في المنطقة (القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية - داعش) من خلال التعاون بين عدد محدود من القوات الأمريكية الخاصة والشركاء المحليين، والعودة للإتفاق النووي مع إيران إذا ما إلتزمت الأخيرة ببنود الإتفاق، وكذلك وقف الدعم الأمريكي لحرب السعودية على اليمن، وأخيراً إلتزام أمريكا الصارم بأمن إسرائيل.

ويبدو هنا أن أولويات الرئيس بايدن في الشرق الأوسط لا تنطوي على أي جديد مختلف عن الإستراتيجية الأمريكية المعروفة في المنطقة، لا سيما في ما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي يشير الى أن الإدارة الديموقراطية لن تجبر إسرائيل على وقف الإستيطان أو (الضم الصامت) للأراضي الفلسطينية، ولن تعيد السفارة الأمريكية لتل أبيب، والأهم أنها لن تقرب الفلسطينيين من الدولة وفق الرؤية الفلسطينية للدولة، إلا أن القراءة المتعمقة لهذه الجولة من الإنتخابات، وكذلك قراءة تحضير الحزبين لها قد كشفت عن تحولات جذرية تدور منذ فترة ليست قصيرة داخل الحزب الديمقراطي، خاصة في أوساط الجالية اليهودية الأمريكية سواء المؤيدة للحزب الديموقراطي، أم الجمهوري في ما يخص العلاقة الأمريكية بإسرائيل، الأمر الذي من جهة دفع البعض من المراقبين للشأن الأمريكي بالإستنتاج أن أمريكا ستشهد ميلاد حزب ديمقراطي جديد في العقد القادم أو ما يزيد، ويستدعي من الفلسطينيين من جهة أخرى تعقب هذه التحولات والبناء عليها عند صياغة إستراتيجيتهم طويلة المدى لتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم الوطنية.

ويمكن الإستدلال على هذه التحولات من خلال النقاشات الصاخبة التي شهدتها لجنة الحزب في شهر نيسان/ابريل الماضي عند صياغة برنامج الحزب، حيث تضمنت مسودة البرنامج كلمة الإحتلال عند تطرقها لإسرائيل، مما دفع بايدن شخصياً للتدخل وشطب الكلمة، كما شهدت المناقشات إصراراً من قبل التيار اليساري في الحزب على ربط المساعدات الأمريكية لإسرائيل بشروط تضمن عدم إنتهاك إسرائيل لحقوق الفلسطينيين خاصة حقوق الإنسان.

وفي شأن المساعدات أكدت السيدة كامالا هاريس نائب الرئيس خلال مخاطبتها لمجموعة تتكون من 1800 متبرع يهودي للحزب الديمقراطي يوم الأربعاء الموافق 26/8/2020، أن الرئيس لن يربط أبداً المساعدات الأمريكية لإسرائيل بأي نوع من الشروط، مما دفع البعض للتعقيب بالقول "أن رأس الهرم القيادي في الحزب الديمقراطي قد نجح ببراعة في المحافظة على دعم الحزب لإسرائيل في برنامجه هذه المرة، إلا أن هذا البعض يؤكد بالمقابل انه لن يكون بمقدور قيادة الحزب في المدى المنظور النجاح في المرواغة، وذلك لأن مبدأ دعم الحزب لإسرائيل دون شروط قد إنهار تماماً على مستوى قاعدة الحزب ووسطه، الأمر الذي يشير إلى أنه لن يكون بمقدور إسرائيل مواصلة إعتداءاتها على حقوق الفلسطينيين وتلقي مساعدات أمريكية في نفس الوقت.

أما من حيث التحولات الجارية في أوساط الجالية اليهودية الأمريكية والتي كشفتها الجولة الأخيرة من الإنتخابات، فتظهر نتائج المسح الميداني الذي نفذته شركة GBAOبتكليف من جي ستريت (J Street) أي مجموعة الصهيونية الليبرالية في أمريكا، من خلال أسلوب المقابلة الشخصية مع عينة من اليهود الأمريكيين بلغ عددها 800 شخص في الفترة من (28/10-3/11) من العام الجاري، أن اكثر من 70% من اليهود صوتوا لصالح الرئيس بايدن، وأن 60% من الجالية تنتمي سياسياً للحزب الديمقراطي، 14% تنتمي للحزب الجمهوري، 26% يرون أنفسهم مستقلين، وفيما يصنف 32% منهم أنفسهم كتقدميين، يرى 30% انهم ليبراليين، ويصنف 30% أنفسهم كمعتدلين، فيما يرى 17% أنهم محافظين.

وحول مدى إهتمام الجالية بإسرائيل أشار ما نسبته 28% من المحافظين أنهم يعتبرون إسرائيل أولويتهم الأولى، فيما اعرب ما نسبته من 1-4% انهم مهتمين بإسرائيل، وكان من اللافت أن نسبة المهتمين بإسرائيل من اليهود المنتمين للحزب الديموقراطي فقد بلغت صفر%.

وفيما يتعلق بدرجة التأييد لرئيس الوزراء نتنياهو فقد أظهرت النتائج أن نسبة التأييد قد إنخفضت في أوساط المؤيدين له خلال العامين الماضيان، إذ فيما بلغت في العام 2018 ما نسبته 35%، فقد هبطت في العام الجاري إلى 31%، وذلك مقابل إرتفاع نسبة المعارضين أو الكارهين لنتنياهو، حيث تظهر النتائج أن نسبة المعارضين بلغت في العام 2018, 32% وارتفعت في العام الجاري الى 61%.

وحول الإستيطان أظهرت نتائج المسح أن المطالبين بوقف الإستيطان كلياً في الضفة الغربية قد ارتفعت من 27% في العام 2018، الى 42% في العام 2020، وذلك مقابل إنخفاض نسبة المؤيدين للإستيطان في كل أرجاء الضفة الغربية من 23% العام 2018 الى 17% خلال العام الجاري.

وفيما يتعلق بالدولة الفلسطينية فقد أظهرت النتائج أن ما نسبته 72% تؤيد حل الدولتين، وما نسبته 15% تؤيد فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية كاملة حتى لو نتج عن ذلك دولة عنصرية، فيما يؤيد ما نسبته 13% حل الدولة الديموقراطية الواحدة.

ماذا تقول نتائج المسح؟

يرى السيد فيليب ويس في تحليل إعلامي نشره موقع موندوويس الإلكتروني يوم الخميس الموافق 5/11/2020، أن مشاركة الجالية اليهودية الأمريكية في الإنتخابات الأخيرة تنطوي على جملة من الحقائق مثل:

ترى الغالبية العظمى من الجالية اليهودية الأمريكية أنها ليبرالية.

22% من الجالية ما دون سن الأربعين من العمر يؤيدون حركة BDS.

الليبرالية الصهيونية المعروفة بإسم J Street ستصبح في المدى القريب هي مركز الثقل لللوبي اليهودي في أمريكا، وسيكون لها داعمين كثر من أعضاء الكونجرس من الحزب الديموقراطي، الأمر الذي يعني أن منظمة الإيباك ربما تصبح على هامش التأثير السياسي.

مؤيدي حركة BDS من الجالية اليهودية الأمريكية هم مستقبل الليبرالية الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما بعد فشل حل الدولتين.

ستشهد الليبرالية الصهيونية المؤيدة لحركة BDS ضغوطاً ضخمة في عهد الرئيس بايدن ونائبته كاملا هاريس.