وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حرب بلا بارود!

نشر بتاريخ: 24/03/2021 ( آخر تحديث: 24/03/2021 الساعة: 17:43 )
حرب بلا بارود!

بقلم: د. صبري صيدم

تذكرنا معارك شركات الأدوية التي أنتجت لقاح كورونا مؤخراً، والتي تدور في الخفاء والعلن، بصراع شركات إنتاج السجائر والتبغ مطلع القرن الماضي، ليس فقط من حيث ضراوتها ومكرها فحسب،

بل أيضاً بتوظيفها لرؤساء دول وحكومات وماكنات إعلامية وقرارات سياسية ومؤسسات صحية رسمية، بغرض إذكاء تلك المعارك، بل إن الأمر ذهب إلى أبعد من ذلك ليطال اتحادات لدول ومؤسسات طبية وجمعيات صحية وخلافها، بل مع ظهور متحور هنا ومتحور هناك كل عدة أيام، تسارع تلك الشركات ومن كل حدب وصوب، لتؤكد للجميع على أن لقاحها ما زال قادراً على مواجهة المتحورات الجديدة، ولتعيد إحياء جذوة حروبها في وجه معارضيها من شركات ومؤسسات وأشخاص.

فهل لديها وفي إطار مواجهة منافسيها، ذباباً إلكترونياً يمارس التشكيك في منتجات الخصوم؟ وهل لديها دوائر مخصصة للإساءة والإعلام القذر، الذي يتولى إطلاق الإشاعات وحملات الكذب والتشهير؟ وهل تدفع رشى للساسة والزعماء؟

كلها أمور متوقعة لا محالة، لكننا لا نملك دليلاً قاطعاً على ذلك، ما نملكه جميعا هو مراقبة تلك الأرجحة الإسبوعية في إشهار هذا اللقاح على حساب ذلك اللقاح والحط من لقاح ما على حساب الآخر، بل وصل الحد إلى إشغال منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي في المساعي الهادفة إلى تطمين الدول بمصداقية هذا اللقاح أو ذاك.

ورغم قناعتي الشخصية بلقاح معين، أعتقد أنه الأفضل في مقابل اللقاحات الأخرى، وأنا الذي قرأت معظم الأوراق العلمية الخاصة بكورونا وتوابعها، إلا أنني سأمتنع عن ذكر ذلك اللقاح في هذا المقال تجنباً للوقوع تلقائياً في خضم السجال القائم. ولكن ما أقوله، إن ما طال الحرب على لقاحات استرازينيكا وفايزر، وحتى موديرنا خلال الفترة الماضية، أثار حفيظة الشركات المستهدفة لا محالة، لكنه فعلياً أثار الرعب في صدور الناس، الذين تلقوا أحد تلك اللقاحات، خشية أن يكونوا قد اساؤوا اختيار اللقاح.

وبينما تتنافس الشركات والدول في حروبها المريبة من أجل تعظيم عائدات لقاحها، يقع الناس ضحية هذا الصراع المخجل، الذي يقامر بمشاعر الناس وخشيتها من رعب كورونا، بل ربما يساهم هذا الترهيب في حال تصاعده، في التأثير في نفسية المتلقي للقاح، وهو ما قد يؤثر على مناعته وقدرته على مواجهة آثار اللقاح. ورغم عدم وجود أبحاث تشير إلى هذا الأمر إلا أنني لا أستغرب أن أرى ظهور دراسة تخص هذا الأمر.

ما من شك بأن مصائب قوم عند قوم فوائد، إلا أن الاتجار بمعاناة الناس بفعل شركات متنافسة يعد إمعاناً في دحض الرسالة الإنسانية لتلك الشركات.

ولعل ما جرى مع شركة استرازينيكا مؤخراً من اتهام واضح لها بعدم فعالية لقاحها، وآثاره الجانبية، وتعثر تدفقه، وتعليق الاتحاد الأوروبي لعملية استيراده لصالح الدول الأعضاء، دليل واضح على حجم النار الخفية التي تشتعل بين الشركات وأجرائها المغرضين.

ولعل تدخل منظمة الصحة العالمية لتبرئة الشركة يمثل نموذجاً صارخاً لحجم الإشغال الحي لهذه المنظمة، وتأخيراً مقصوداً لتدفق توريد الكميات المطلوبة منها. طبعاً هذا لا يبرئ الشركات من احتمال وجود سلبيات في ما تنتجه.

تلك الشركات التي تتسابق على توقيع اتفاقيات مع دول مختلفة، من دون أن تمتلك قدراً كافياً من اللقاح الذي تنتجه في مخازنها، والهدف هو الاستحواذ على السوق وضمان هيمنتها التسويقية، وما تدره من عائدات، بصورة أثرت في انتظام تدفق اللقاحات، جراء حجم الاتفاقيات والوعود التي تلتزم بها تلك الشركات، من دون توفر كميات كافية من لقاحها للالتزام بما توقع عليه.

المال، المال، المال، أهم من حياة البشر، أمام كثير من التجار وأمراء الحرب، لكن تفشيه وسط شركات الأدوية، يجعل من الأمر مهزلة آدمية تعزز مفهوم تسييد المال على حساب الأخلاق، والمنفعة المادية على حياة البشر. فهل تنضم بعض شركات الأدوية إلى مربع تجار الحرب؟

[email protected]