وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ماذا بعد كل هذا العنف؟ ماذا بعد!

نشر بتاريخ: 03/05/2021 ( آخر تحديث: 03/05/2021 الساعة: 21:37 )
ماذا بعد كل هذا العنف؟ ماذا بعد!

لم يعد شيئا مستهجنا ولا غريبا أن نسمع عن مشكلة ما بين شابين، أسفرت عن مقتل أحدهم. ولم يعد مستغربا أن نسمع عن شجار بين طفلين على لعبة أو مشادة كلامية، أدت لتدخل اسرتيهما فأردت أحدهم قتيلا على قارعة الطريق، والاخر في مؤسسة للأحداث ينتظره مستقبل مظلم.

لم يعد مجتمعنا الفلسطيني في كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشريف وادعا، تسوده حالة من التأخي والتعاضد، لم يعد كما عهدناه قبل ثلاثين أو اربعين عاما أو يزيد، فالاحتلال وجرائمه والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وانعدام الأمن والامان، وفقدان الامل، كلها عوامل ساعدت على التوتر والضغط والعنف تجاه القريب والبعيد.

قد نكون نحن الأباء والأمهات أخفقنا في تربية جيل تربى في الشارع، أو عبر الانترنت دون رقابة أو متابعة، وتعلم أن القوة هي الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل، أو لحل اختلاف وجهات النظر، أو لعل أحدهم أقنع أحدهم أن ما أخذ بالقوة لا يرد الا بالقوة، وهو مثل تعلمناه من واقعنا الفلسطيني تحت الاحتلال .

غريبة هي أحداث شهر رمضان لهذا العام، فقد تعلمنا منذ نعومة أطفارنا أن شهر رمضان هو شهر الصيام والطاعات والعبادات، شهر التسامح والتعاضد والتكافل الاجتماعي، ولم نسمع مطلقا أنه شهر القتل وسفك الدماء والمشاجرات التي تنتهي بمأساة أو فاجعة، وغالبا ما يدفع ثمنها شخص ثالث لا حول له ولا قوة.

الشجار الأخير الذي حدث قبل أيام قليلة في حي واد الجوز في القدس الشرقية بين الجيران، على موقف السيارة، تطور ليتبعه قتال، فاستخدام للأسلحة النارية، فرصاصة اخترقت صدر فتاة ترقب عن بعد من شباك نافذتها كل ما يجري حولها.

والدة الشابة المغدورة مريم التكروري تقول" كانت مريم تقف قرب النافذه وأنا أقف قربها، وفجأة صرخت وقالت هناك شيء دخل في صدري وبعدها مباشرة وقعت على الارض، وبدأت أصرخ وأنادي على الشباب، رحلت مريم."

وهنا بدأت مأساة فتاة واسرتها، دفعت ثمن الاستهتار واستخدام السلاح غير الشرعي، فارتقت روحها لبارئها. وبدأ رجال الاصلاح بالتحرك، وحقن الدماء، ووقف الثأر، وتعويض اسرة المجني عليها، وهذا ما يجري عادة، فالتحرك دوما يحصل بعد وقوع الكارثة وليس قبلها.

لو كان بيننا عقلاء أو حكماء، لو كان بيننا قادة أو شرفاء، لتفادوا هذا الأمر قبل وقوعه، فكم من مشكلة واطلاق نار وحرق منازل والاعتداء على الناس الامنين حصلت في مدينة القدس بالتحديد، دون أن يتحرك أحد من المرجعيات المختلفة، وهل يعقل أن نحارب الاحتلال وندافع عن وطننا وأرضنا، ونتقاتل ونقتل بعضنا البعض؟ وهل يعقل أن نقتضي بأهلنا في الداخل المحتل، ونتسابق معهم في عدد القتلى وارتفاع أعداد المصابين، ونصمت وندفن أمواتنا واحدا تلو الاخر .

وأنا أسمع قصة الطفل عبد الرحمن الذي قتل على يد زميل له قبل يومين وهو عائد من مدرسته على مدخل مخيم شعفاط قرب جدار الفصل العنصري، أشعر بحجم المأساة، فأين نحن من أبنائنا أطفالنا وهم يحملون سكاكين الموت بين كتبهم وأقلامهم، كيف نسمح لطفل أن يقتل طفلا بريئا لمجرد خلاف أو نقاش حاد بينهم، كيف بهذا الطفل القاتل أن يتحمل ما فعلته يداه عندما يصحو من غضبه ويفكر؟ كيف به أن يعود لطفولته التي سرقت منه ؟ كيف به أن يتخيل أنه قتل زميله الاعزل وهو الشاعر الصغير الذي كتب الشعر في حب فلسطين وأجاد القاءه.

حان الان وقت التحرك، وقت العمل الجاد، وقت الحساب والعتاب، وقت وضع الخطط للتحرك وحماية الاجيال، يكفينا ما مر علينا من مأسي وأحزان، يكفينا ما خسرناه من عمرنا، فلتتحرك المرجعيات المختلفة فورا أو فلتتنحى فورا، لا مجال لترك الامور تسير باتجاه الهاوية، ولا مجال لترك العنف والقتل يسيطر على حياتنا، لا مجال لنخسر أكثر ونبكي أكثر، لا مجال أن نكتفي بشرب فنجان القهوة بعد دفن الضحية، فأبناؤنا فلذات أكبادنا تمشي على الارض، وهم الأمل الباقي لنا.

دعواتنا لكل المرجعيات والشخصيات الاعتبارية ورجال الدين من مسلمين ومسيحين، دعواتنا للمؤسسات التي ما زالت تعمل، وما زالت صامدة في المدينة المقدسة، دعواتنا لكل من خسر عزيز عليه أو قريب له و صديق شاطره لقمة عيش، فلنتحرك لنعيد بناء الانسان من جديد، ونعيد بناء المنظومة الاخلاقية التي خسرناها ودفناها قبل سنوات.

دعونا نحارب العنف والانتقام واستخدام السلاح، ودعونا نركز على العمل مع الطلبة في المدارس، ونركز على الاخلاق ونزرعها في نفوس وعقول وحياة أطفالنا، شباب اليوم وأمل المستقبل وسراجه المضيء .

دعونا نشغل أوقاتهم بما هو مفيد، بالتطوع لخدمة المجتمع، والمشاركة في بناء المؤسسات، دعونا نقضي معهم بعض الوقت، لنشاركهم في همومهم وأحزانهم ونكون عونا لهم، ونفرح لفرحهم ونشد على أياديهم وندعمهم، ودعونا نرسم واياهم طريق الغد، فلا غد بدونهم، ولا دوله الا بسواعدهم وعقولهم.

الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .