وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لماذا يصر البنك الفيدرالي على سياسة المال السهل على الرغم من ارتفاع التضخم؟

نشر بتاريخ: 10/06/2021 ( آخر تحديث: 10/06/2021 الساعة: 16:37 )
لماذا يصر البنك الفيدرالي على سياسة المال السهل على الرغم من ارتفاع التضخم؟

معا- التضخم هو الشبح الذي يطارد الأسواق والمستثمرين، فهم يتوخوا الحذر أكثر تجاه ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، في حين أن التسارع الأخير في النمو الاقتصادي الأمريكي قد يبدو خبرًا جيدًا للأصول ذات المخاطر العالية، إلا أن الوضع معقد بسبب ارتفاع توقعات التضخم وعدم اليقين بشأن توقيت تقليص البنك الاحتياطي الفيدرالي لسياسته النقدية، فمنذ بداية هذا العام حتى الآن حققت الأسهم الأمريكية مكاسب قوية، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 12% تقريبًا، لكنه شهد بعض التقلبات من جديد خلال شهر مايو.

بغض النظر عن كيفية تحليل الخبراء لتقرير تضخم مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أبريل، فإنه لا يمكنك الهروب من حقيقة أن الأسعار ارتفعت في جميع المجالات كثيرًا، فالتضخم قادم.

الأسعار ترتفع لمستويات تاريخية

بشكل عام، ارتفعت الأسعار خلال شهر أبريل بنسبة 4.2% على أساس سنوي وهي أكبر زيادة في بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسية منذ سبتمبر 2008 مما يدل على تراجع قيمة الدولار في سوق تداول العملات ، وحتى عندما تتخلص من أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة فيما ما يسمى بتضخم مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي ارتفعت الأسعار بنسبة 3%، ليرتفع معدل التضخم الأساسي في مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.9% في أبريل مسجلًا أكبر قفزة في شهر واحد منذ عام 1982.

شهدت بعض مكونات تقرير مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أبريل مكاسب تاريخية، فالسلع مثل السيارات والشاحنات المستعملة كانت أغلى بنسبة 10% في أبريل مما كانت عليه في مارس ، مسجلة أكبر زيادة في الأسعار على أساس شهري منذ أن بدأ مكتب إحصاءات العمل في الاحتفاظ بالأرقام في عام 1953، ارتفعت أسعار السيارات المستعملة بنسبة 21% عن أبريل الماضي، وفي غضون ذلك، ارتفعت أسعار الغاز في أبريل بنسبة 50% على أساس سنوي.

وخلال الفترة الماضية كان البنك الاحتياطي الفيدرالي الذي تتمثل وظيفته في الحفاظ على استقرار نمو الأسعار يتحدث دائمًا على أن زيادات التضخم على المدى القريب يجب أن تفسح المجال لنمو أكثر صحة في الأسعار على المدى الطويل.

ومع ذلك، جاءت أرقام مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أبريل أعلى مما توقعه العديد من المحللين وتسببت في بعض التوتر في وول ستريت فانخفضت المؤشرات الرئيسية بعمق في المنطقة الحمراء بعد التقرير، وبرغم ذلك أشار البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن هذه القراءات ستكون مؤقتة، لكن الأسواق قد لا تفسرها على أنها إشارات متفائلة للتعافي السريع.

العوامل التي ساهمت في ارتفاع معدلات التضخم

بمجرد أن بدأت جائحة كوفيد 19 في مارس من العام الماضي انخفض الطلب على السفر، عقب اغلاق الدول حدودها وفرض الحظر الجوي وأجبرت مواطنيها على البقاء في المنزل، مما أدى إلى تدهور قطاع الطيران بشكل حاد.

في أبريل 2020 على سبيل المثال: انخفضت أسعار تذاكر الطيران بنسبة 24% على أساس سنوي وظلت معظم عام 2020 عند هذه المستويات المنخفضة، عندما تم مقارنة أسعار تذاكر الطيران في وقتكوفيد 19 مع الأسعار في الأوقات السابقة كانت عادةً أقل تكلفة بنسبة 25%.

ولكن بمجرد مرور عام، يقارن تقرير مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أبريل أسعار شركات الطيران اليوم بما كانت عليه وقتجائحة فيروس كورونا، فنجد أنه ليس من المفاجئ أن تكون أسعار شركات الطيران في أبريل 2021 أعلى بنسبة 10% تقريبًا من العام السابق، حيث أصبحت اللقاحات متوفرة على نطاق واسع وانخفضت حالات كوفيد 16، الأمر الذي شجع الكثيرين على التنقل والسفر، وعلى الرغم من أن أسعار شركات الطيران أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عام، إلا إنهاستظل أرخص بكثير مما كانت عليه قبل انتشار الوباء.

كانت الأسعار هذا العام أعلى من تلك الفترة من العام الماضي، عندما انتشر الوباء بالكامل، مما أجبر معظم الناس على البقاء في منازلهم وجفف النشاط الاقتصادي.

علاوة على ذلك، كان على بعض الشركات (مثل صانعي السيارات) العمل من خلال مشكلات سلسلة التوريد، وحتى تتمكن هذه الشركات من جلب المزيد من السلع إلى السوق، فإن الأسعار سترتفع حتمًا، وقد حذر البنك الاحتياطي الفيدرالي الناس بشأن تلك الإشكالاتقائلاً إن الأمر سيستغرق وقتًا حتى تعود قطاعات الاقتصاد إلى طبيعتها، بمجرد أن يتم حل هذه الخلل كما يؤكد الاحتياطي الفيدرالي، سيتوقف التضخم عن النمو بسرعة.

البنك الاحتياطي الفيدرالي والتضخم

لقد تغير الكثير منذ آخر اجتماع للبنك الاحتياطي الفيدرالي في 27 و 28 أبريل، حيث تسبب تقرير الوظائف المخيب للآمال لشهر أبريل (الصادر في أوائل مايو) في إثارة الذعر بين الاقتصاديين والمستثمرين على حد سواء الذين كانوا قلقين من أنه على الرغم من تحسن الاقتصاد الأمريكي، فإن قلة من العمال عادوا إلى جداول رواتب أصحاب العمل.

أشار البعض بإصبع الاتهام إلى التأمين ضد البطالة السخي، والذي يعتقد الكثيرون أنه يجعل من الصعب على الشركات العثور على موظفين راغبين في العمل على الرغم من العلاوات.

على الرغم من نمو التوظيف الضعيف، فقد نمت الأسعار بأعلى مستوياتها في أبريل منذ خريف عام 2008، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 4.2% خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، حتى ما يسمى بالتضخم الأساسي الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة حقق مكاسب هائلة مسجلاً أكبر زيادة شهرية له منذ ما يقرب من 40 عامًا.

يعتقد الكثير من الخبراء أن هذا ارتفاع مؤقت للتضخم ولا يروا أن هذا يمثل مصدر قلق طويل الأمد، يحذر البعض مثل وزير الخزانة السابق "لاري سمرز" من التضخم القادم لبعض الوقت، ويؤكد تقرير أبريل هذا على هذه المخاوف.

يعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي أن هذه اللحظة التضخمية سوف تنحسر مع عودة الاقتصاد الأمريكي بقوة والوقوف علىقدميه كما كان من قبل، لكنه يؤيد السماح للتضخم بالبقاء أعلى من هدفه البالغ 2% لفترة متواضعة من الوقت.

مع ذلك، انتظرت الأسواق بعض الإشارات من البنك الاحتياطي الفيدرالي على تشديد سياسته النقدية المتساهلة، وبرغم هذا لم يبدئ البنك أية دلائل عن متى سيتباطأ في شرائه للسندات بقيمة 120 مليار دولار شهريًا، ناهيك عن رفع أسعار الفائدة.

على الرغم من مخاوف التضخم وسط التحسن السريع في التوظيف، أضاف قطاع التوظيف أكثر من 915000 وظيفة في مارس وانخفض معدل البطالة إلى 6.0%، إلى جانب تريليونات من الإنفاق التحفيزي،يكرر رئيس البنك الاحتياطي"جيروم بأول" أن هناك حاجة إلى مزيد من التعافي قبل أن يفعل البنكأي شيء قد يثبط نشاط الاقتصاد.

وقال باول في مؤتمر صحفي عقب اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأخير أنه لم يحن الوقت بعد لإجراء محادثة حول التناقص التدريجي للسياسة النقدية فلدينا 8.5 مليون وظيفة أقل مما كنا عليه في فبراير 2020، برغم فتح الاقتصاد التدريجيوارتفاع عدد الركاب على متن الطائرات وعودة الناس إلى المطاعم، أضاف باول أننا ندخل فترة من النمو الأسرع وخلق فرص عمل أعلى.

ولكن لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به، بينما يعود المزيد إلى القوى العاملة يظل الملايين عاطلين عن العمل وقد لا يعودون إلى العمل حتى يتم تحييد كوفيد 19 بشكل فعال، وتابع قائلًا أن تبعات كوفيد 19 لا تزال موجودةفحالات الإصابة في ارتفاع مع زيادة التطعيمات، وهذا يشير إلى استمرار المخاطر.

هذا هو السبب في أنه من غير المرجح أن يرفع البنك الاحتياطي أسعار الفائدة أو يخفض المليارات من مشتريات أصول التيسير الكمي في أي وقت قريبًا، في حين أن الصورة الاقتصادية أكثر إشراقًا مما كانت عليه عندما تبنى البنك الاحتياطي سياسة الأموال السهلة لأول مرة في مارس 2020، إلا أنها ليست مشرقة بدرجة كافية بعد.

وضع باول ثلاثة معايير يجب الوفاء بها قبل أن تنظر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح في تغيير موقفها بشأن الأسعار هم: اكتمال الانتعاش في سوق العمل بشكل فعال وصول التضخم إلى نسبة 2%، واستمرار التضخم في طريقه إلى تجاوز 2% لفترة مستدامة.

وقالعندما نحدد الثلاثة معايير فحينئذٍ سنرفع أسعار الفائدة، وهذا يعني أن البنك الاحتياطي سوف يتحمل تضخمًا أعلى مما كان عليه في السنوات الماضية، لا ينبغي أن يكون هذا بمثابة صدمة كبيرة جدًا للمستثمرين منذ أن طرح باول التفكير الجديد للاحتياطي الفيدرالي في خطاب ألقاه في أغسطس الماضي، ولكنه قد يتطلب بعض التعود على ذلك.