وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فلسطين أولا

نشر بتاريخ: 10/07/2021 ( آخر تحديث: 10/07/2021 الساعة: 16:33 )
فلسطين أولا

بين شدٍّ وشد، ووسط حالة من الغضب والرفض الشعبي، تغيب الحقيقة، وتظهر منافع البعض، ويظهر الغلاة متشدقون ومهووسون، وكثيرًا منهم أخذتهم العاطفة، بعيدًا عما وراء القصد، ولأنها فلسطين بكل استثناءاتها السماوية والأرضية، الحاضرة في قلوبنا جميعًا، فإن الضرورة تقتضي إحكام العقل والمنطق والتعقل السليم والرشيد.

ليس الأمر كذلك تمامًا، ثمة أشياء أخرى تقف صامتة خلف الظلال، تسكنها الحقيقة التي يخبئها البعض الراغب في طمسها، ويتجاهلها البعض المعتد بضرورة إبقاء الصورة على حالها، فلا هي كذبة كاملة، ولا هي حقيقة مجردة من زكرشات الكلام، وفي المنتصف يرقص البعض ويتشدق بمواقف في ادعاء البطولة، والبطل مغيب تمامًا، والبطولة كذلك في وقت لا جدوى فيه من الكلمة، وسط تراشق اللعنات والاتهامات وسجالات الأفكار، والصراخ الهافت والهتاف المزيف. هكذا تجد الفلسطيني يقف في مواجهة نفسه، وهكذا تصبح الصورة عدمية وكأنها مستوحاة من بلد في الجوار. وعلى عكس ما يجب أن يكون عليه الحال، في الواقع الفلسطيني الممتلىء باستثناءات الاحتلال والاستيطان والتهويد والتطرف الأعمى، يكون لزامًا على الكل الفلسطيني التعقل، لإدراك ما نحن فيه، إدراكه في الحقيقة الراشدة، لا في صور المجاز.

وليس الاستثناء هنا حتمية طمس الحقيقة وحرف بوصلتها، بل هو إحكام للعقل، وهنا يكون لزامًا أن نفهم ما خلف الصورة وما خلفها، فهناك تكمن منازل الحقيقة.

إن ضرورات الواقع تقتضي تقصي الحقيقة الكامنة في العمق، بعيدًا عن مجازفة الرهان حول دوائرها الغارقة في الظلال، وتوهان الاعتقاد المبني على سوء الظن، فعدمية الشيء وهم، وصلاح الواقع لا يكون دفعة واحدة في مساحة الوطن الواحد والأرض الواحدة المشتبك عليها أهل البلاد مع الغزاة الطامعين، وحتى لا نسقط في وحل ما سقط فيه الآخرون، حين وجدوا أنفسهم في قاع القاع، ووحل الاقتتال والهلاك، ولأن الاستثناء هنا مصيري غير قابل للتودد والتحايل يقتضي الواجب أن نكون على قدر التحدي المفروض، ويكون من غير الصواب اتساع الفجوة التي تعني السقوط لنا كلنا، ولهذا ووسط هذا الخلاف والاختلاف ودوائر التحريض، يكون لزامًا علينا استنهاض صورة الفلسطيني الأولى، تلك الصورة التي تعيد التوازن حتى وسط الاختلاف، وليس الأمر بعيد المنال أو صورة شاهقة في التمني، بل قريبة إن احتكمنا لصوت الضمير، واهتدينا لطريق الحقيقة بعيدًا عن سراب الظلال والشعارات الخادعة.