وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

التطبيع من جديد

نشر بتاريخ: 12/07/2021 ( آخر تحديث: 12/07/2021 الساعة: 10:45 )
التطبيع من جديد

قيل في فترة ما ان التطبيع هو الايمان برواية المحتل او قبولها او ترويجها، وربما كان ذلك نوعاً من التفريق بين الفعل السياسي والرؤية الثقافية، او محاولة لتبرير ما يفعله السياسي نتيجة الضغوط والاشتراطات التاريخية، ومحاولة لإنقاذ المثقف او عدم انجراره وراء هذه الواقعية. بمعنى ان التعريف السابق يعكس مشكلة داخلية لدينا، او ازمة وعي او صدمة على مستوى الوجدان والايدولوجيا، ولهذا، قد يكون مثل التعريف السابق نوعاً من انقاذ ماء الوجه او اراحة الضمير وتنظيف الفكر، فما دام ان المثقف لا يقبل رؤية المحتل او روايته، فإن من الممكن التعامل مع الواقع الجديد، وما دام اننا لا نقبل رؤية المحتل وروايته فإن الثقافة بمعناها الوطني والنضالي بخير. ولأنني لا اريد ان احاكم او اقيم ذلك، الا انني ادعي هنا في هذه العجالة ان الوقائع تجاوزت كل ذلك تماماً.

فالمحتل لا يعنيه على الاطلاق ان تصدق رؤيته وروايته، فهو لا يعمل على ذلك، فما يقوم به يتمثل في تحقيق اهدافه ومصالحه، من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والامنية والسياسية، ومن خلال تحوله الى كيان يتراكض كثيرون باتجاهه طلباً للحماية او القبول او تجنب الحصار او المقاطعة او نيل الرضى ليس الا.

بهذا المفهوم، فأن المحتل لا يعنيه على الاطلاق ان تقبل روايته اورؤيته بل يفرضها عليك من خلال رفع مطالب "السلام" معك، ومن خلال العمل على تفكيك المجتمعات او اضعافها او تقديم الرشاوي الاقتصادية والامنية والسياسية ايضاً. المحتل الان يطلب منك ان تعترف ان دولته يهودية بما يحمل هذا الموقف من نسف لكل المرجعيات والعقائد والوجدان والتاريخ. ان رفع شعار يهودية الدولة وقانون القومية الذي أصبح قانون اساس يعني ان المحتل وصل الى المستوى الذي يلغي فيه كل شريك للتسوية المحتملة او التي تقوم على "تنازل" يمس وحدة الارض كما يدعي.

المحتل الان أصبح خياراً واختياراً يمنح الاذونات والاجازات وتأشيرات المرور.

بهذا المعنى فأن التطبيع هو الخضوع وهو الهزيمة وهو قلة الحيلة وهو التبعية، صدقت رواية المحتل ام لم تصدقها، والتطبيع بهذا المفهوم يعني قلة العمل من اجل المستقبل ودخول علني ذليل في ذات الاهداف والمصالح لدولة الاحتلال، آمنت ام لم تؤمن برؤية المحتل او روايته. والتطبيع بهذا المعنى المجاني هو تخلٍ عن القضية الفلسطينية وعن حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة غير القابلة للتصرف او الارتهان.

وبهذا فإن الوقوف ضد التطبيع لا يتوقف على ادانة اشكال التطبيع كاللقاءات او الترجمة او حتى محاولات خجولة ومرتبكة مثل ما يدعى بأنسنة العدو او التفريق بين الصهيونية واليهودية ورفض ما يسمى بمعاداة السامية، كل ذلك لم يعد الاساس – رغم إشكاليته- فالواقع تجاوز كل ذلك الى تغيير العلاقة مع المحتل من جذورها، فقد أصبح شريكاً ومهيمناً وقائداً بشكل او بأخر.

ولان التطبيع علاقة خضوع، وعلاقة تذيّل وفقدان للقرار والمصير، فإن دور المثقف الان هو ان يكون جزءاً من الرؤية الشعبية العارمة التي ترى في التطبيع مظهراً من مظاهر الهزيمة ليس الا. المثقف غير مدعو الى تقديم حلول لأزمة المحتل لإيجاد مخارج له للقبول او الأنسنةاو تقديم حلول سياسية كالدولة الواحدة او الثنائية او الثلاثية، فالمثقف مدعو اولاً الى اعلاء الصوت لتصحيح إطار الصورة الكبير وليس الاختلاف علىتفاصيلها.