وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في وداع الصديق خليل رزق

نشر بتاريخ: 24/07/2021 ( آخر تحديث: 24/07/2021 الساعة: 18:46 )
في وداع الصديق خليل رزق


*
خرج اليوم محمولاً على كلماتٍ وصلت حدّ القشعريرة وكنّا ننصت لقلبه الحيّ الطيّب ، فكان يغمغمُ بأغنياتٍ حفظناها معاً في المعتقل ، عن الحصن المنيع والبلاد وفتح والانتفاضة العبقرية .. لكنه أعلى صوتَه وهو يقول لا يوجد ثغرة صغيرة في القلعة .. أخشى عليها من الانهيار ، وربما ، هذا الذي أوجعه أو أماته ! فماذا عسانا نقول لأُهله الذين ربطوا نَوْمَهم بأحلامه المقتولة ، ولم تُحقّق العناق الواجب بين فؤاده المحتشد وقرية أبيه المنهوبة ؟
كان حمامة السماء الأنقى ، واسماً من أسماء السماحة والانشراح والطاقة الإيجابية ، وكانت الأجراس ترنّ بين ضلوعه للحياة والأمل والإشراق، مثلما كان معجوناً من طين هذي الأرض .. ومَن يحبّ بلاده يرى الله !
كنتُ أراه هادئاً مثل غابة ، وعند ذكر فلسطين ، بمفرداتها الصعبة الذابحة ، يعرق مثل حصان برّيّ ، فأدرك أنه يتحفّز لمواجهة الشيطان الذي بدا عارياً من كل تنكّراته .
اليوم ، كان الصمت حارقاً يدبّغ وجوه الذاهلين ، وكانوا يستذكرونه معتقلاً طَلِق الوجه ينبوعا عذبا طازجاً مثل الفردوس المأخوذ إليه . لكنّ مشهد التلّة المقابلة المسروقة لا زالت على خوفها ودمها وفجائعها .. وهذا الذي سيعكّر على أهل الجنّة جنَّتَهم .
سينبت خليل مع الربيع الآتي حنّونا وشقائقَ وفرفحينا ، وسينهض في نسغ الزيتون عَرشَا أبدياً لسلام هذه الأرض البهيّة .
واليوم ، يحقّ لنا أن نحزن ، فعلى مثله تبكي البواكي ، ويحق للبلاد أن تتنهنه وتذرف الحنظل المخضلّ بالفجيعة، ولا بأس إنْ جاح وناح الطير وارتعش الشجر ! فقد مات واحد من أجمل الرجال وأصفاهم .. وفلسطين اليوم ناقصة .
كان طبيعيا أن يحملك اليوم أخوتك وأصدقاؤك ، بهذا الحضور الطاغي ، كأنهم يودّعونك وقد خسر كلٌ منهم شيئا من البهجة والطلاقة والمحبة التي كنت َ تمثّلها . وسنفتقد جميعنا واحداً كان يخبّ مثل الغزال ، وتفيض منه الأنهار ، ويتوزّع مثل الغيمة الخفيفة على كل القلوب .
ولعلنا نحمل خليطا من المشاعر للكثير ممَّن نعرفهم ، من المحبة والانتقاد وبعض الضيق أو الكراهية أو التفادي أو الابتعاد .. لكن خليل رزق يفرض عليك أن تعشقه وتفتح ذراعيك لتعانقه ، لأنه ببساطة يحمل الحدائق في صدره ويوزّع العطر الأكثر أناقةً ويشيعه في كل ما يحلّ به أو يلتقيه .. لقد كان جنّة تمشي على قدمين .
ولفتح الحركة العملاقة ، ولأصدقائك المحبّين .. كل العزاء ، ولفلسطين الثاكل العظيمة كل العزاء على غيابك الثقيل يا شقيقي الأجمل .
ولفلسطين أن تجد نبعاً جديداً في جسدها يمدّها بما يليق من ماء يصلح للبكاء، وَلَهاً أن تجوح على ابنها الذاهب إلى الأبدية الغائمة.
اليوم، سنملأ صحنَ الدمع ونرنّق وشاح الشمس والتراب بالماء الكاوي ،على فجيعة تدوّي فينا لأننا ودّعنا واحداً من أشرف الرجال وأصدقهم .
يا أبا أشرف ! يا خليل الجميع دون استثناء !لقد كنتَ اسماً يليق بالحرّية والصداقة والعطاء والوفاء، وصرتَ حلماً ينبغي أن يبقى واجب الوجود، بكل ضحكاته ولمساته ومناديل لغة جسده الراعفة بالعطر ، الذي ما زال يعبق في الأمكنة.