وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

العين بالعين والسلاح العشائري وعقلية التسامح

نشر بتاريخ: 01/08/2021 ( آخر تحديث: 01/08/2021 الساعة: 17:11 )
العين بالعين والسلاح العشائري وعقلية التسامح

د. عدنان نعيم

عقلية التسامح تبني أمم وعقلية العين بالعين (الثأر) تجعلنا فاقدي البصر البصيرة، والمجتمعات كلما تطورت بحثت عن صيف فكرية اجتماعية عصرية كالأحزاب او الاتحادات والنقابات ليجد المواطن نفسه من خلالها وكلما تخلفت المجتمعات تراجع شبابها للبحث من مكانه لهم في العشيرة والقبيلة بكل ما فيها من موروثات سلبية او إيجابية.
ما يجري في الوطن من ارتفاع نسب الجريمة والعنف وخاصة العنف الاجتماعي المتولد من المشاكل بين العائلات على خلفية شجارات صبيانية او خلاف على قطعه الأرض او غيرها، يفقدنا الكثير من البشر والاملاك ويضعنا في خانة التوتر الاجتماعي ويعيق التقدم الاجتماعي ويهز بقوة السلم والاستمرار الأهلي الذي هو احد أسس التنمية والتطور المجتمعي.
عندما اشتعلت الخلافات بين الهندوس والمسلمين في الهند وكانت بريطانيا تغذي وتزرع بذور الفتنه على قاعدة "فرق تسد "، من اجل انفصال الباكستان عن الهند ، جاء احد قادة الهندوس وقال للزعيم التاريخي "المهاتما غاندي" انهم يقتلوننا و يحرقون بيوتنا، لماذا لا نقتل ونحرق بالمثل فالعين بالعين "؛ رد غاندي : لو ان كل واحد فينا قُلعت عين ابنه او عين صديقه ورد بقلع عين غريمه لاصبحت الهند مجتمع اعمى" .
وفي جنوب افريقيا؛ كان نلسون مانديلا كان جالساً في احد المطاعم ودخل رجل فدعاه : للاكل معه، جلس الرجل مرعوبا مُربكا وحين خرج، قال مرافق مانديلا: هذا الرجل يبدو مريضا ،فقال مانديلا لا هذا الرجل كان السجان الذي حين كنت سجيناَ اطلب منه الماء، كان يتبول على رأسي. واصر مانديلا ان تكون الانتخابات القول الفصل لانهاء حقبة من التمييز العنصري راح ضحيتها مئات الاف السود.
وحين تطور المناوشات في غزة بين صقور فتح وكتائب القسام ، توجه الرئيس الراحل الشهيد أبو عمار الى غزة والتقى الشهيد الشيخ احمد ياسين وطوقوا انهوا الخلاف آنذاك.
وفي تاريخنا العربي خياران؛ ام خيار الزير سالم القتل والثأر بلا مبرر واهدار فرصة قيام مجتمع عربي منظم او خيار ابن عُباد الداعي لحقن الدماء وعودة العرب لبناء مجدها وتاريخها ...
ما جري و يجري بمدينه خليل الرحمن بلد الشهداء والبطولات والاقتصاد، بلد الخير، يدمي القلب، فالمدينة عاشت أيام موجعة فبدل التفكير بالاحتلال وممارساته وبدل النشاط الاقتصادي والافراح والعلاقات الطبية انشغلنا بالثأر والثأر المتبادل ، وفي طمون يقتل طفل برئ " وديع بشارات" ؛ نتيجة خلاف على قطعة ارض لا تزيد عن 200 متر ، هذا السلوك العدواني كيف تأسس على ماذا تغذى .
ان الدم المراق بسبب الخلافات العائلية يدمي القلب ويجرح فؤاد الأمهات والاباء والخلان، ولكن رد القتل بالقتل مصيبة لانه يكبر وتتدحرج ككرة الثلج، ويأخذ معهه أرواح أبرياء كثر.
و الغريب ان بعض العائلات تتجيش وتقتني السلاح ، ونحن تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني المغتصب لارضنا والمنتهك لكافة الحرمات الإنسانية ، والاحتلال يغض الطرف على هذا السلاح، بل وان تجار السلاح لا يهمهم لمن يبيعون، المهم البيع ، والعائلات التي تشتري تدرك تماما الان الاحتلال لا يهتم لهذا السلاح ، فلو كانت رصاصة مع احد المقاومين للاحتلال لقلب الأرض واقعدها بحثا عنها؛ ألا يدع هذا التصرف الاحتلالي تساءلاً على الطاولة ، لمصلحة من تتجيش الحمائل والعائلات؟؟؟ فهذا السلاح لا يخرج الا للاعراس وطهور الأطفال والشجارات العائلية.!!!
ولكن ولان كل حالة او ظاهرة لها مركباتها وظروفها واسبابها التي تصنعها ، فان الشجارات العائلية ستستمر اذا لم نضع حدا جذريا لها ، فالتركيبة القبائلية الاقطاعية ما زالت تتحكم بعقولنا وتسيطر عليها، وعقلية المدنية والعصرية وسيادة النظام والقانون ما زالت تتأرجح غير ثابتة في عقولنا لهذا يغيب العقل عند اول هزة اجتماعية ليحضر السيف والعشيرة بدل القانون والنظام والتسامح .
ولعل من مركبات التوتر الاجتماعي والتفريغ العنفي ببعضنا، هي الفوارق الاجتماعية والطبقية وغياب العدالة الاجتماعية ، والتوزيع غير العادل لمقدراتنا الوطنية وعدم ثقة المجتمع بالقانون وسيادة القانون ، وتفشي المحسوبيات، وغياب الامل لجيل الشباب بمستقبل يليق بهم وبكرامتهم ، يضعهم امام فقدان معنى مبرر الوجود والانتماء الوطني ، فيقول الكتب محمد خالد الازعر " كلما تطور المجتمع كلما ذهب الى صيغ وجماعات وأفكار جمعية وطنية (أحزاب ونقابات واتحادات ) وكلما تخلف عاد ليبحث في العشيرة عن مكانه يجد نفسة فيها". وكلما تقدم الفكر المتنور اجتماعيا كلما بحث عن الحكمة أي تدارك وحل وتفكيك عناصر وفتائل الإشكالات قبل حصولها ، واذا لم نصل للحكمة لابد من الذكاء؛ أي ان نتبارى وبسرعة لتطويق الخلافات بروح التسامح والعفو واللجوء للقانون النظام لإحقاق الحقوق ، والا انزلقنا ككرة ثلج تتدحرج ولا تعرف كم من الارواح والممتلكات ستأخذها في تدحرجها.
هذا الجيل الشاب فاقد الامل بالمستقبل المهني والاجتماعي، وامام فقدان الامل السياسي بوجود الاحتلال وبقاء الاحتلال وممارساته ، يدفع الى التطرف الفكري سواء الاجتماعي او السياسي ( احد الفتية قال لي: بعرف اني بدرس ومش راح القى وظيفة !!؟؟ شو تتوقع يطلع مني لما يصير عمري 30 سنه وانا عاطل لا املك بيتا ولا عملا ولا ؟....
ومن زاوية أخرى بالقدر الذي تكون فيه الحمولة صدر دافئ لابناءها ، بالقدر الذي أحيانا كثيرة ما تستغل بعض قادة العشائر ابناءهم وتدفعهم الى اتون الخلافات الدموية بذريعه كرامة وهيبة الحمولة .
والتسامح،
التسامح قوة مذهلة تعبر عن سمة وخلق انساني رفيع ، ليس سهلا ان يتسامح اهل الفقيد او ليس سهلا ان يتسامح المعتدى على املاكه ، وليس سهلا احكام العقل والحكمة اثناء بداية الخلافات ، لكن علينا التدرب على الصبر والتسامح ليغدو سمة تدفع نحو مجتمع آمن مستقر لا يفكر سوى بأبنائه ، وتوفير افضل ما يمكن لهم، لان من يصل الى التسامح يكون الأقوى فالعفو عند المقدرة و من يملك القوة والبطش ولا يستخدمه يسمو و يكون الاقوى.
ومن زاوية النظام السياسي هل مطلوب ان ننتظر دائما نشوب الخلافات والدم المسفوك لنسرع لتطويق الاحداث ام مطلوب البحث في أسباب وجذور هذه الخلافات والعمل على علاجها . فسيادة القانون تحتاج الى عدالة اجتماعية لاجتثاث بذور الفتن من جذورها، فكم من قيم التسامح التي تدرس بالمدارس وكم من قيم التسامح تعلم للامهات والاباء وفي المؤسسات العامة والخاصة وهل من استراتيجيات لتعزيز منهج التسامح والاحتكام للعقل بدل لغة الثأر واخذ القانون بيد العشيرة وصبيانها.