وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

العولمة وأثرها على المجتمعات والأفراد

نشر بتاريخ: 12/08/2021 ( آخر تحديث: 14/08/2021 الساعة: 17:54 )
العولمة وأثرها على المجتمعات والأفراد

شكل سقوط جدار برلين في بداية تسعينات القرن الماضي بالاضافة الى التطورات التكنولوجية المتسارعة وما رافقها من تطبيقات حديثة سهلت حياة الناس ووفرت لهم فرص التواصل السهل والفعال مع بعضهم البعض بغض النظر عن حواجز المسافات والجغرافيا تغير نوعي في تاريخ تطور الحياة البشرية. فقد شهدت هذه الحقبة عملية تحول العديد من البلدان مثل دول الاتحاد السوفياتي السابق والصين والهند الى الرأسمالية وتبني سياسات الاقتصاد الحر الأمر الذي عزز دورها الاقتصادي ورفع مستوى تفاعلها مع باقي دول العالم. لم يكن هذا المستوى العالي من التفاعل ليتم بدون التطورات التكنولوجيا الكبيرة في مجال الاتصال والمواصلات. فقد ساهم الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى في تبادل المعلومات والمعرفة بين الأفراد والمنظمات بكفاءة اكبر من حيث الزمن والتكلفة. ووفقا للصحفي الأمريكي ومؤلف كتاب العالم مسطح ساهمت العولمة في إيجاد عالم أكثر انفتاحا وبأبعاد جديدة ذات انماط تفكير مختلفة عن الماضي، إنه عالم الابداع والمعرفة والمهارات حيث أصبح الجميع من حكومات ومنظمات وأفراد متساوين من حيث توفر فرص التنافس بحرية في هذا العالم المسطح بغض النظر عن حجمهم فكل ما يحتاجونه هو توفر الارادة والقدرات وتسخير الأدوات اللازمة. لقد رافق العولمة تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية أثرت بشكل واضح وملموس على مختلف جوانب الحياة البشرية فكان لها الفضل في خلق فرص سهلت حياة البشرية ومع ذلك يحسب عليها أنها جلبت معها بعض التهديدات التي لا يمكن إغفال أثارها السلبية على الأفراد والمجتمعات. يمكن تعريف العولمة بشكل موجز وبسيط على انها حركة المنتجات والتكنولوجيا والمعلومات والوظائف بين الدول وهي بذلك تصف الاعتماد المتبادل بين الدول حول العالم من خلال التجارة الحرة. وفيما يلي تلخيص لأثار العولمة على حياة الناس.
فوائد العولمة:
بلا شك ان العولمة قد وفرت منصة للتعاون بين الأفراد والمنظمات والحكومات من اجل تحقيق درجات متقدمة من الإبداع والتعليم والانتاج والرفاهية. تعمل هذه المنصة بغض النظر عن الجغرافيا والمسافة والوقت وحتى اللغة لم تعد تقف عائقا أمام من يريد الاستفادة مما تجلبه هذه المنصة من فرص ومنافع. فقد ساهمت العولمة في تسهيا توزيع رأس المال البشري بين الدول، كما عززت العولمة عمليات التعاون الدولي مثل الاستعانة بمصادر خارجية (outsourcing) ويقصد به أن تقوم الشركة بالاستعانة بمزود خارجي لتقديم جزء من خدماتها كالاتصال بالعملاء عبر الهاتف مثلا. عادة تتجه الشركات لهذا النوع من العمل بهدف تقليل التكاليف من خلال استخدام أيدي عاملة رخيصة في دول مثل الصين والهند. كذلك فان الانتقال لما وراء الشواطئ "off shoring " يمثل عنصر أخر من عناصر التعاون الدولي المعولم حيث تقوم الشركات العملاقة بفتح مصانع لها في الدول الغنية بالمواد الخام والأيدي العاملة من أجل الاستفادة من العمليات الانتاجية و الصناعية الزهيدة وبالتالي تقليل تكلفة الانتاج وتعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
توفر العولمة المزيد من الفرص المتكافئة لظهور أولئك الذين لديهم القدرة على قيادة التغييرات ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي. فالأفراد الذين يفهمون هذا العالم المفتوح ويكيفون أنفسهم بسرعة مع عملياته وتقنياته هم الأكثر تأهيلا لقيادة العولمة. كذلك يعزى إلى العولمة دورها في توفير المزيد من قنوات الاتصال والتشبيك بما يسهل حياة الناس ويتجاوز المسافات ويتيح لهم الوصول إلى مصادر المعلومات ويحسن المستوى المعرفي والوعي العام لدى الشعوب.
البعد الثقافي يشكل أحد عناصر التأثير الذي تمارسه العولمة، حيث تستخدم الدول العولمة لنشر ثقافاتها وقيمها من خلال تحميل الافلام والنشرات الوثائقية عبر الانترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، وبمقدار ما تكون الدولة منتجة ثقافيا وفاعلة في تصدير ونشر ثقافتها وانتاجها المعرفي بمقدار ما تكون اكثر تأثيرا في في الأخرين. ما يميز العولمة أنها تعزز التنافس الذي يستند الى الجدارة والكفاءة خاصة في مجال الاقتصاد وريادة الاعمال، فهي توفر منصة للجميع للعمل لبناء نماذج متنوعة في مجال التجارة والاقتصاد، فمجال التنافس متاح للجميع من الشركات والمنظمات العابرة للجنسيات ومع ذلك تبقى درجة الجاهزية لدى الأفراد والجماعات للتنافس ضمن هذا العالم المفتوح العامل الحاسم في قدرتهم على الاستفادة من الفرص التي توفرها العولمة.
على الرغم من الجدل حول أثر العولمة على الفقر فإن هناك من يجادل على ان العولمة ساهمت في تخفيض نسب الفقر في العديد من البلدان مثل الصين والهند، ففي الوقت الذي كانت فيه نسبة من هم دون خط الفقر 55% عام 1973، انخفضت هذه النسبة الى 26% عام 2000. وقد كان اعلان الصين عن تحقيقها لأحد أهداف خطة الامم المتحدة للتنمية المستدامة 2015 المتعلق بالقضاء على الفقر حدثا معززا لأصحاب هذا الرأي الذين يعزون جزء كبير من هذه الانجازات إلى العولمة وما اتاحته من فرص أمام الجميع. من الواضح انه عندما يترافق استثمار ادوات العولمة مع القدرة على الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والطبيعية والتكنولوجية فإن النتائج تكون عظيمة والصين اكبر مثال على ذلك.
التحديات التي ترافق العولمة
على الرغم من المنافع الواضحة للعولمة الا أنها جلبت معها العديد من التحديات والتهديدات للدول والمجتمعات والأفراد. فعلى الرغم من أن العولمة تتيح المجال للتبادل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في كافة الاتجاهات الا أن تركيبة النظام الدولي الحالي وطبيعة توزيع مراكز القوى العالمية وتأثيرها الدولي تعزز هيمنة قوى عالمية بعينها على هذا النظام الدولي بأدواته المتعددة كالشرعية الدولة وتجارة السلاح والنفط وبطبيعة الحال وسائل الاعلام والتعليم. إن أحد ملامح العولمة هو ضعف تأثير دول العالم الثالث وهلامية مفهوم سيادة الدول وشرعنة التدخل في شؤونها الداخلية من خلال الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية كالبنك الدولي. التحدي الثاني الذي لا بد من الاشارة اليه هو ان التكنولوجيا الحديثة سهلت حدوث أشكال مختلفة من الممارسات غير القانونية، فأدوات العولمة التي تم تصميمها لتعزيز الابداع والحداثة ونشر قيم العدالة والحرية هي في نفس الوقت تدعم الممارسات غير الشرعية وتوفر منصات لانتهاك حقوق الانسان وخصوصية الأفراد. كما اتاحت العولمة المجال للجماعات الارهابية وغير الشرعية لتشكيل شبكات غير رسمية وسهلت عملية تبادل المعلومات فيما بينها. مستفيدة من تجربة الشركات متعددة الجنسيات استخدمت المنظمات الإرهابية وغير القانونية ادوات التكنولوجيا الحديثة لتسهيل التعاون العالمي ولكن بدلاً من إنتاج السلع وزيادة الأرباح أنتجت الخوف والرعب والقتل واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم نفسها ونشر أفكارها ومعتقداتها وتجنيد الشباب للقيام بأنشطة إرهابية. يمكن الاشارة إلى العديد من الأمثلة عن سوء استخدام ادوات التكنولوجيا الحديثة وانتهاك خصوصية الأفراد. فعلى سبيل المثال، يمكن تسخير التطبيقات الحديثة التي على الهواتف الذكية لأغراض غير قانونية كما يمكن استخدام أدوات العولمة أيضًا في الجرائم والتهريب والقمع والاضطهاد.
إن غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان وانتشار البطالة بين الشباب وعدم محاربة الفساد في العديد من البلدان تشكل جميعا روافد رئيسية لتغذية التطرف والارهاب الذي يستخدم ادوات العولمة للتعبير عن الاحباط الناتج عن هذه العوامل والذي يأخذ أشكالا عنيفة في كثير من الأحيان. أن انتشار ظواهر التطرف والأصولية سواء كانت فردية أو على شكل منظمات إرهابية يعتبر خطرا حقيقيا يهدد مستقبل الأفراد والشعوب، ومع الأسف فإن قدرة هذه الجماعات على تبادل المعلومات والعمل بشكل غير شرعي ازدادت في عصر العولمة.
أحد التهديدات الرئيسية للعولمة هو وجود أعداد كبيرة من الأشخاص المستضعفين في العديد من الأماكن في جميع أنحاء العالم خاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وحتى في أكثر الدول المستفيدة من العولمة مثل الهند، وهؤلاء الناس هم في الغالب ليس لديهم المهارات المطلوبة أو الكافية للمشاركة في آليات العولمة مما يحرمهم من الاستفادة من الفرص المرافقة لها. كما لا يزال هناك عدد كبير من الناس يعانون من الأمراض والفقر ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، مما يضع علامة استفهام حول مستقبل العولمة خاصة وان الآثار الايجابية لا يتم توزيعها بشكل متساوي بين الدول والأفراد نظرا للتفاوت الكبير في احيان كثيرة في قدراتهم على الاستفادة من تسهيلات وفرص العولمة.
بالرغم من أن تحديات ومخاطر العولمة تبقى محدودة مقارنة بالمزايا التي توفرها الا أنه يجب على الحكومات العمل على التخفيف من آثارها السلبية والحد منها. إن مواجهة هذه التحديات ليست مهمة سهلة ومع ذلك فهي بحاجة إلى مستوى عالٍ من التآزر بين جميع الجهات الفاعلة على مستوى الحكومات والأفراد. فعلى صعيد البلدان هناك حاجة لتعزيز قدرتها التنافسية وإنتاج سلع قائمة على المعرفة والابداع لتكون قادرة على البقاء في الأسواق العالمية. فلكي تكون دولة مميزة تحتاج إلى إعادة هيكلة اقتصادك وتعزيز مؤهلات مواطنيك وإلا فسوف تتخلف عن ركب التقدم والنمو. بالاضافة إلى ذلك تحتاج الحكومات إلى تنفيذ مبادئ الحوكمة الرشيدة التي تتضمن إصلاح السياسات المالية وتعزيز المساءلة وسيادة القانون ومواجهة الفساد. أما بالنسبة للأفراد فهم بحاجة إلى تحسين مهاراتهم وقدراتهم لتلبية المتطلبات الجديدة للوظائف في الأسواق المحلية والعالمية.