وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عشت مع نائل البرغوثي .. وخجلت منه

نشر بتاريخ: 12/09/2021 ( آخر تحديث: 12/09/2021 الساعة: 11:28 )
عشت مع نائل البرغوثي .. وخجلت منه


في سجن جنيد وعسقلان
عام ٢٠٠٧ دخلت القسم فجرا الذي فيه كل المؤبدات.. عائدا من المحكمة سألني الشرطي الروسي الِكس.. شو صار معك .أجبت بصوت منخفض..كم شهر وبروح.. تقدمت باتجاه غرفتي خطوات وإذ نائل كعادته يقف ع شباك زنزانته ينتظر العدد الصباحي ليخرج بعدها إلى فورة الرياضه".سألني شو صار معك ابو نعيم.. صمتُ لم استطيع الكلام ..تحشرج التعبير على فمي .. خجلت من نائل كيف أقول له اني بعد شهور سأعانق الحرية انا التقيت به عام ١٩٩٥ في سجن جنيد افرج عني بعد ٥ سنوات وعدت للاعتقال كمان سنه ومن ثم أفرج عني ..ليعاد اعتقالي ..وهو ما زال اسيرا كيف سأقول له انني سأمشي في شوارع بيت لحم ورام الله وجنين وفي الجبال والسهول وآكل الصبر والرمان والتفاح الطازج .. سأمشي تحت القمر وفي لهيب الشمس وأنت يا نائل قبرك البرش، "، بس..السرير في سجنك".. ثم تمالكت نفسي وأجبت ..كم شهر وبروح و ان شالله عقبالك ... ابتسم وقال نازل معنا ع الفورة ..اجبت مش عارف تعبان..فقال طيب تعال بعد الفترة اشرب شاي عندي ابو الحكم سعيد العتبة (,كان قد أمضى ٣٠ عاما بالسجن) بعملك شاي مرتب..
لما رحت غرفتهم كان الشرطي بعمل فحص شبابيك وسعيد ابو الحكم عائد من فترة الرياضة انام واجهته إلى الحائط.. لكزته بأصابع وجلست بجانب وسألته ..بشرفك ابو الحكم بشو بتفكر... أجاب..إلى متى يا سعيد سيبقى وجههم للحائط اشتقت لنابلس يا عدنان ..اشتقت لحواريها ومقاهيها وناسها ... اشتقت للحسبة وصوت البائعين.. من نفسي اقطف ورد بيدي او خصلة عنب عن شجرة....
ذبحني حتى الوريد كلام ابو الحكم.. .. رغم هذا الحنين الجامح للحرية قام ابو الحكم وعمل شاي .حيث كان يدعي انه هناك ٦٠ طريقة لعمل الشاي.. نحن من الكسل كنا كل مرة (نتسلبط) ع ابو الحكم لما بدنا نشرب شاي..بس نسأله معقول في ٦٠ طريقة لعمل الشاي..كان يفز من برشة وبلهجته النابلسية الزاكية..يقول ..هلا بفرجيكن الشاي ع اصوله
كان معنا وما زال حتى الآن ناصر ابو حميد وسمير ابو نعمة وناصر ابو حميد ومصباح العفو وفخري برغوثي و ورأفت العروقي ومحمد الفار الشوبكي وآخرون وكلهم محكومون بالمؤبد ..وامضى اكثرهم ما يزيد عن ٢٥ سنه..
صعب ان تعيش هذه الحياة... ان تجلس معهم وأنت تدرك انك ستتركهم خلفك... لمصير مجهول في هذه السجون فبرغم عشقهم للحرية كانوا متماسكين متفائلين يوزعون كرامه ومعنويات ... .. سمير ابو نعمه ظل مصرا ان وجهه(بيبي فيس) وانه ما زال شابا يافعا.. اما ناصر ابو حميد.. من عام ١٩٩٥ حتى ٢٠٠٧ وحتى الآن ..نشط ابتسامه لا تفارق محياه. همه ان يلبي كافة احتياجات كافة الاسرى ويتابع قضاياهم ..وطني بامتياز .. معه إخوته الاربعة... لا يتسلل اليأس لهم...
مرت سنوات وتحرر نائل .. .. ولكنه عاد ..عاد إلى زنزانته ... كم خجلت منك يا نائل كيف أقول لأسير محكوم بالمؤبد انني سأتحرر قريبا وأنت ستبقى بالأسر ..هي تماما كمن تقف امرأة عاقر تشتهي الأطفال مع جارتها الولود التي أنجبت عددا من الأطفال... .فهي مبسوطة وفرحه لجارتها لكنها تعيش حسرة الحرمان...
تحرر سعيد العتبة وفخري ومصباح العفو والعروقي بعد ٣٠ عاما وبقي نائل وأبو حميد وسمير ابو نعمه وآخرون حتى الان.
نائل البرغوثي، عاش في زنزانة وحدة 6 سنوات، وبقي معه نفس الحرام 15 سنة، ورافقه ألبوم صور 25 سنة، وبكرج قهوة 17 سنة.

نائل لفّ وعاش بـ 80 زنزانة ما بينشاف منها الضوّ، وأكثر من 32 سنة من عُمره ما مشى فيهم تحت القمر والنجوم، ويشوف الشمس مقطّعة من خلف الشَبَكْ

نائل البرغوثي 41 سنة ما أكل لحمة طازة، ما مسك حبّة جوّافة، ولا حمل وردة، ولا لمس إيد طفل صغير، ولا شرب شاي بميرميّة خضرة، ولا أكل مسخّن وقراص زعتر، ولا يفكّر بصوت عالي

نائل البرغوثي 41 سنة وهو يداوي اللي بمرض، ويخفف عن اللي بنهمّ، ويواسي اللي بتعب، ويسند اللي بميل ويستقبل أسير ويودّع أسير، وهو مكانه

نائل البرغوثي 41 سنة وهو يقول السنة الجاي بروّح وببوس إيد أمّي وبسلّم عليها .. توفّت الأمّ، على أبوي .. توفّى الأبّ، على خالي .. توفّى الخال، على عمّي .. توفّى العمّ، على أخوي .. انحبس الأخ، على ولاد أخوي .. استشهد واحد، والثاني نفّذ عملية فدائية وانحكم مؤبد

في سجن إيشل ببئر السبع أشار نائل البرغوثي إلى أحد الأبواب قائلاً: شهدتُ تغيير هذا الباب مرتين خلال اعتقالي، وكان السبب هو تلف الحديد، ولكن معنوياتنا لم تتلف"

نائل أقدم أسير سياسي بالعالم، يدخل عامه الـ 41 في سجون الاحتلال 41 عام من العذاب والوجع.

كم خجلت منك