وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الاغوار من سلة فلسطين الغذائية الى الشاليهات والفلل السياحية

نشر بتاريخ: 26/09/2021 ( آخر تحديث: 26/09/2021 الساعة: 12:21 )
الاغوار من سلة فلسطين الغذائية الى الشاليهات والفلل السياحية

الأغوار سلة فلسطين الغذائية، أو هكذا كان يقال، كنا وما زلنا نباهي بها العالم، فهنا في فلسطين لا يوجد نفط، ولا ثروات طبيعية كثيرة، ولكن عندنا في فلسطين الكنز الحقيقي والنفط الفلسطيني المميز هو أراضينا الخصبة وثرواتنا الزراعية والحيوانية المتعددة .

لم يكن اختيار منطقة الاغوار من قبل الاحتلال لمصادرة أراضيها، والسيطرة على مصادرها الطبيعية، اختيارا عشوائيا، فسلة فلسطين الغذائية، والتي تغنينا بها على مدار السنين، والتي عانت كثيرا من الاحتلال ومستوطنيه، تتمتع بأراض زراعية خصبة ومصادر مائية متعددة.

فروش بيت دجن، هي احدى القرى في منطقة الاغوار والتي تعاني كثيرا من ممارسات الاحتلال الاسرائيلي اليومية.

فعدد سكان فروش بيت دجن كان قبل العام 1967 حوالي 7000 نسمة، أما الان فلا يتعدوا 1000 نسمه، ويرجع الانخفاض الكبير بعدد السكان لعدة عوامل أهمها: مصادرة ما يقرب من 10000 دونم من أراضي فروش بيت دجن البالغه مساحتها حوالي 14000 دونم، لصالح بناء 3 مستوطنات، فما بين مستوطنة الحمراء التي سرقت حوالي 9000 دونم الى مستوطنة باكورا التي سرقت مع معكسر الجيش القريب منها ما تبقى من أراضي القرية، هذا اضافة الى أن الاحتلال يرفض استصدار رخص بناء أو السماح بترميم المنازل أو اصلاح البنية التحتية، كما وقام الاحتلال أيضا بمصادرة مصادر المياه والنبع والابار الارتوازية والاعتداء عليها، مما أدى الى الجفاف .

فسياسة الاحتلال في منطقة الاغوار واضحة، فلم يعمد الى طرد السكان جميعا من هذه الاراضي الخصبة والمساحات الشاسعة، بل عمد الى وضع العراقيل امامهم ليجبرهم في نهاية المطاف على ترك أراضيهم والرحيل.

ففروش بيت دجن ليست حالة استثنائية، فالاحتلال الاسرائيلي يمارس نفس الطرق من مصادرة للأراضي والتوسع الاستيطاني، والسيطرة على الموارد الطبيعية، وهدم المنازل، واهمال البنية التحتية في جميع أنحاء منطقة الاغوار .

توفيق حج محمد – مدير مدرسة فروش بيت دجن الثانوية، وهي المدرسة الوحيدة في القرية والتي تضم حوالي 160 طالبا من القرية والقرى المجاورة، يقول لنا" هذه المدرسة هي المدرسة التي حمت القرية والاراضي المجاورة لها، فهي البناية الوحيدة المرخصة بأوراق رسمية"طابو"، ولولا وجود المدرسة هنا، لاستطاع الاحتلال مصادرة مزيدا من الاراضي، وعندها لن نرى سكانا يعيشون هنا".

ويضيف مدير المدرسة" كل الشكر لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي عززت من صمودنا ورفدت المدرسة بطواقم تعليمية اضافية، ووفرت احتياجات المدرسة بالكامل، وأمنت لنا باصا لنقل الطلبة من والى المدرسة، ولكننا ما زلنا نعاني في قطاعي الصحة والزراعة، فلا يوجد لدينا عيادة أو مستوصف، وكذلك لم نتلق الدعم الكافي من وزارة الزراعة".

أما السيد حسين أبو حطب – من قرية عين شبلي القريبة، والتي تعاني كذلك من نفس المشاكل فيقول " نحن أيضا نعاني بنفس القدر، ولدينا مشكلة أيضا بموضوع تبعيتنا للمحافظات، فهل يعقل أن نتبع ثلاث محافظات معا، وهل يعقل أن نتنقل بين المحافظات الثلاثة اذا احتجنا لاي معاملة" .

ويضيف مفسرا ما ذكره سابقا حول التبعية للمحافظات ويقول" اذا احتجنا لتجديد أو عمل هوية أو جواز سفر علينا التوجه لمحافظة أريحا، أما اذا احتجنا لمراجعة التربية والتعليم أو الصحة فعلينا التوجه لمحافظة نابلس، واذا احتجنا للمحاكم أو لوزارة الاوقاف علينا التوجه لمحافظة طوباس، فنحن بحاجة لقرار سياسي لتوحيد مرجعيتنا ".

ويضيف السيد أبو حطب قائلا" نحن جميعا في منطقة الاغوار نعد حوالي 50000 نسمه مع محافظة أريحا، ولا يوجد لنا ممثل في المجلس الوطني الفلسطيني أو المجلس التشريعي الفلسطيني، علما أن لدينا العديد من الخريجين من حملة شهادات البكالوريس والماجستير، فتواجدهم في هذه المواقع الهامة سيمكنهم من الحديث باسمنا ورفع مناشداتنا وايصال صوتنا".

لا يمكن لجمال الطبيعة أن يطغى على القصص التي تدمي القلب، فقصة الطالب فارس الذي فارق الحياة بعد أن لدغته أفعى، هي من القصص التي يتم تداولها باستمرار وعلى لسان العديد من سكان القرية والقرى المجاورة، فهذا الطالب لم يجد طبيبا أو ممرضا ليقدم له المساعدة، فحمله ذويه الى مشفى للعلاج، فوجدوا حاجز الاحتلال أو ما يسمى بحاجز الحمراء مغلق، فركضوا به الى محافظة أريحا، الا أنه فارق الحياة قبل أن يصل.

وهنا أيضا، لا بد أن نعترف أن السلطة الفلسطينية مقصرة تجاه أهلنا في مناطق الاغوار، ومسؤولة كذلك عن حالة الاهمال واللامبالاة التي يعانون منها حسب قولهم، فهنا سؤالنا لمعالي وزيرة الصحة الدكتورة مي الكيلة، لماذا اغلقت العيادة في فروش بيت دجن بعد افتتاحها بستة أشهر، وهل يعقل أن تترك هذه القرية بدون عيادة، ولماذا لا يوظف أبناء الأغوار في المستوصف أو العيادة في قريتهم أو القرى المجاوره حتى يتمكنوا من التواجد باستمرار في العيادة أو بالقرب منها ؟وكيف بنا أن نعزز من صمود أهلنا هناك ولم نتمكن من رفدهم بطاقم طبي يخفف من معاناتهم ؟

وقضية اخرى شائكة وحساسة للغاية، وهي تحويل الاراضي الزراعية لأراض مخصصة للبناء، وانتشار عشرات بل مئات المباني والفلل والشاليهات والتي اقيمت على أراضي زراعية، ونحن نعلم تماما أن السبب هو مصادرة الاحتلال لالاف الدونمات فلم يعد هناك أراضي للبناء عليها، ولكن ليس الحل بتحويل الاراضي الزراعية لأراض مخصصة للبناء، فهل يعقل أن نساهم بأيدينا في هذه الكوارث، وهل يعقل أن تغض السلطة الوطنية الفلسطينية النظر عن عمليات البناء التي تقضي على الاراضي الزراعية وعلى سلتنا من الخضار والفاكهة في الاغوار لصالح البناء، وهل فكر من اتخذها بمستقبل الزراعة في فلسطين ومستقبل أبنائنا وبناتنا والاجيال القادمة؟

وهنا لا بد من الاشارة الى مؤتمر فصايل الاول والثاني، قبل حوالي العام والنصف ، حيث عقدت حكومة الدكتور محمد اشتية اجتماعين أو مؤتمرين في قرية فصايل نتج عنها التزام حكومي بتقديم العديد من المساعدات والمنح والهبات لأهالي الاغوار، وتعزيز صمودهم ، ودعم الثروة الحيوانية والزراعية، وتوفير وخزانات المياه وتأهيل البركة الرومانية ، وأيضا الحديث عن العناقيد الزراعية التي اعلن عنها سابقا في العديد من المحافظات .

وكذلك الحديث عن تقديم منح طلابية لطلاب الاغوار، وعلاوة مخاطرة للموظفين، كما وتعهد دولة رئيس الوزراء بصرف كامل مستحقات المزارعين ، وعشرات الوعودات التي يأملون أن تتحقق قريبا، ويوجهون دعوتهم للحكومة لتنفيذ وعوداتهم جميعا بما يتعلق بمؤتمر فصايل وقراراته.

ولا ننسى هنا أننا سمعنا الكثير عما يقدمه المجلس القروي والتنظيمات السياسية المختلفة وحركة فتح كذلك لخدمة الاغوار، ولكنها كلها لا تكفي وحدها دون خطط وتوجيهات حكومية لدعم حقيقي وكبير للأغوار.

قد نعذر الحكومة الفلسطينية أحيانا بسبب الضغوطات الكبيرة عليها، وبسبب جائحة كورونا والتي استنفذت ميزانية الحكومة ووضعتها في مأزق مالي كبير، ناهيك عن الاحتلال وممارساته العديدة والتي من أهمها في المجال الاقتصادي أموال المقاصة والتحكم بها وحرماننا منها لفترات طويلة، ولكن لن نعفيهم من مسؤولياتهم تجاه الاغوار وسكانه.

ولكن المطلوب هنا جدا هام، ومصيري، فنحن بحاجة لكل شبر من أراضينا، وبحاجة لدعم المزارعين أينما تواجدوا، ودعم الثروة الحيوانية كذلك، وهذا يقع على عاتق الحكومة أولا وعاتق القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، فتعزيز صمود المواطنين بالأغوار سيحمي ثرواتنا الزراعية والحيوانية، وسيحمي أرضنا من غول الاستيطان.

وهنا نشدد على أن جميع المؤسسات والهيثات والجمعيات مطالبة بالعمل كل في مجاله لحماية الأغوار، وتثبيت السكان ودعمهم، وتوفير كافة احتياجاتهم ليصمدوا، ويقاوموا الاحتلال ومستوطنيه.

الكاتبه: الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن" ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني.