وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ما بين الإرهاب البيولوجي والأمن البيولوجي ضحايا يسقطون ... وتفاصيل غامضة.

نشر بتاريخ: 30/11/2021 ( آخر تحديث: 30/11/2021 الساعة: 13:18 )
ما بين الإرهاب البيولوجي والأمن البيولوجي ضحايا يسقطون ... وتفاصيل غامضة.

من المؤسف أنه رغم كل الجهود والمعاهدات والمؤتمرات والتحالفات إلا أن الوضع الحالي في الكثير من البلدان غير آمن، مظاهر متعددة ومتنوعة من التهديدات والمخاطر التي تهدد أمن البشر وسلامتهم، ويرجع ذلك لأسباب مختلفة لعل من أبرزها هو الإرهاب بمختلف أنواعه.

كثيرة هي التقارير التي تتحدث عن آلاف الأعمال الإرهابية وعشرات آلاف الضحايا، ولكن لا بد من التفكير العميق حول الجهات والأدوات التي تسعى لتهيئة البيئة المناسبة لنمو الأيدولوجيات المتطرفة التي تعمل بدورها على زعزعة الأمن والاستقرار وترهيب الناس وارتكاب أفظع الجرائم بحقهم، كل هذا قد يحدث في بقعة جغرافية ما، ولكن لن يحدث شيء من هذا القبيل في بقاع جغرافية أخرى.

ولعل من أخطر مظاهر الإرهاب هو الإرهاب البيولوجي... في الوقت الحالي لا يوجد مفهوم موّحد للإرهاب البيولوجي، إلا أن جوهر هذا المفهوم قد أصبح واضحاً، وهو الاستخدام المتعمد للعوامل البيولوجية المسببة للأمراض والأوبئة (بكتيريا، فيروسات، جراثيم ..الخ) لإصابة الناس ونشر الذعر الجماعي، وقد يَطال الإستهداف الثروة الزراعية بشكل عام.

أخطر ما في الأمر هو أن إستخدام السلاح البيولوجي يهدد الوجود البشري، بالإضافة الى الآثار المترتبة عليه من الناحية الإقتصادية، حيث أنه في حال تطوير هذا السلاح وإستخدامه بشكل مُمنهج حينها قد لا تصلح اللقاحات ولا العلاجات في التصدي له، كما وإذا تم إستخدامه على نطاقٍ ضيق فقد يصاب عدد قليل من الناس بهذا المرض أو ذاك، ولكن عدد كبير جداً من الأشخاص سوف يصابون بالذعر من الإصابة، وبالتالي سوف يتغير سلوكهم... وهذا أمر في غاية الخطورة...

ولا بد من الإشارة الى أن إستخدام السلاح البيولوجي ليس أمراً جديداً، بل إن هناك مصادر تقول بأن البداية الفعلية لإستخدام الأسلحة البيولوجية كان قبل الميلاد بحوالي أربعة عشر قرناً، فقد إستخدمه الآشوريون والصليبيون، وأُستخدم في الحروب الأهلية الأمريكية عام 1863م، وإستخدمه الألمان في الحرب العالمية الأولى، وكذلك اليابانيون ضد الصينيون في الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى الأحداث الإرهابية المختلفة في عدة بلدان، لستُ بصدد سرد تاريخي بل لفت الإنتباه في هذا الاطار، وكذلك لا أُريد التطرق إلى الفئات الثلاثة للمخاطر المترتبة على إستخدام مواد بيولوجية، ولا حتى طُرق الإستخدام نفسها.

بل أردتُ أن أسلط الضوء حول ثلاثة نقاط مهمة وبشكل مختصر:

أولاً/ لماذا يجب الإهتمام بتطوير منظومة الأمن البيولوجي؟

بإختصار شديد، بالإضافة إلى الخطورة البالغة المترتبة على إستخدام هذا النوع من الأسلحة التي أوضحتها في بداية المقال، فإن إستخدام هذا النوع من الأسلحة قد يَبقى في إطار السرية، أي في حال لم يكن قطاع أمن بيولوجي قوى فقد لا يُكتشف بأن هناك هجوم بيولوجي من عدمه، وهذا الأمر في غاية الخطورة ويُعيق التصدي وبالتالي حياة الكثير من الناس في خطر حقيقي.

بالإضافة إلى ذلك فإن مستوى تأثير إنتشار أي مرض ناتج عن إستخدام سلاح بيولوجي قد يَطال مستويات عديدة مما يَشلُ حياة الناس تماماً، خاصة إذا ما رُبط ذلك بمرونة تنفيذ مثل هذه الهجمات... هذه هي أبرز الأسباب التي تستوجب الإهتمام بالأمن البيولوجي ومواكبة التطور في علم الأحياء بشكل متوازٍ مع علم الإجرام. وبما أن وظيفة الأمن هي ضمان أمن ورفاهية الناس، فإن هذا الأمر يَطرح السؤال الجوهري ما هي جاهزية الأمن الحقيقية لحماية الناس من هذا النوع من التهديدات؟؟؟ سواءً كان التهديد مصدره هجوم إرهابي أو حتى تفشي طبيعي للأمراض والفيروسات...

ثانياً/ أين دور القانون الدولي في إطار مكافحة إستخدام هذه الأسلحة؟؟؟ وهل هناك أي ضمانات فعلية؟؟؟

في هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أنه قد تم تطوير واحدة من أهم المعاهدات الدولية الهامة بخصوص حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية وتدمير هذه الأسلحة، حيث أصبحت هذه الإتفاقية نافذة في عام 1975م وهي إنجاز كبير ونِتاج جهد نبيل لا بد أن يكون محل تقدير، حيث أن هذه الجهود جاءت في الإطار التكاملي مع بروتوكول حظر الإستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابه ذلك أو الوسائل البكتريولوجية الذي وقّع في جينيف عام 1925م.

هذه هي أبرز الصكوك القانونية في هذا الإطار، بالإضافة إلى الكثير من القرارات والمواقف الهامة وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن رقم 1540 للعام 2004م، ولكن السؤال الجوهري (هل هناك نظام رِقابي حقيقي للتحقق من مدى إلتزام الدول بهذه الإتفاقيات؟؟؟).

ثالثاً وأخيراً/ المساعي الدولية الحالية، وكيف للمجتمع المدني أن يلعب دور جوهري؟؟؟

لعل أبرز المساعي الحالية لمكافحة الإرهاب البيولوجي هي تلك الجهود التي يبذُلها مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والإنتربول، حيث بتاريخ 16/نوفمبر/2020م أطلقا مبادرة مشتركة ترمي إلى إعداد دراسة عن التهديدات العالمية بخصوص إستخدام المواد الكيميائية والبيولوجية ..الخ، هذه المبادرات بكلِ تأكيد سوف تَكشف الكثير من التفاصيل حول تصنيع أو تهريب أو تخزين مثل هذه المواد أو حتى تسويقها عبر الشبكة الخفية، هذا شيء مؤكد وهذه الجهود سوف تُفشل الكثير من الأعمال الإرهابية في هذا المجال، ولكن لماذا لا يعلب المجتمع المدني الدور الوقائي الحقيقي والفاعل في حماية أفراد المجتمع من الفكر المتطرف؟؟؟ حيث أنه بدون وجود أفراد متطرفين لا يمكن إرتكاب أعمال إرهابية... يجب محاربة الفكر المتطرف وليس الأفراد والمواد فقط...

لأنه وبإختصار شديد إذا لم يُعرف سبب أي مشكلة لا يمكن حلُها اطلاقاً ... أولا يجب معرفة الأسباب الحقيقية للإرهاب، وحتى لا ندخل بالجدل ووجهات النظر والآراء المختلفة حول أسباب الإرهاب فإنني أرى أن معظم الأسباب التي تُذكر في هذا الإطار مثل (الجهل – الفقر- الظلم - الفساد ..الخ) هي بالفعل أسباب أو عوامل تساعد على إنتشار الفكر المتطرف والرغبة في الإنتقام، ولكن حتى تُوضع النقاط على الحروف فإننا بحاجة إلي محاربة هذه الظواهر التي هي بكلِ تأكيد تُساعد على إنحراف التفكير والتطرف، ثم بعد ذلك علينا إجراء دراسات حقيقية حول حياة الكثير من الأفراد الذين أُدينوا بالإرهاب، لماذا التخمينات والتحليلات؟؟؟ يجب دراسة سلوك هؤلاء الناس، يجب التعرف على تفاصيل ظروفهم وتشخيص الأمور عن قرب من خلال خبراء في علم النفس والإجتماع والاحياء والعلوم الجنائية المتطورة ..الخ، حتى تتضح الصورة ولا تتكرر الظروف والعوامل مع آخرين ويسلكون نفس الطريق ونُلاحقهم ونحاكمهم وهكذا... هكذا لا تُعالج الأمور ولا تُحل المشكلات، بل يجب تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني حتى تلعب الدور المفترض في هذا الإتجاه.

بقلم المحامي محمد خليل أبو سعده.