وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من مقص الرقيب إلى بيت الحسيب!

نشر بتاريخ: 12/05/2022 ( آخر تحديث: 12/05/2022 الساعة: 18:48 )
من مقص الرقيب إلى بيت الحسيب!

بقلم: د. صبري صيدم

تزداد سبل الرقابة الإلكترونية اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصورة تتراجع معها مساحة الحريات المتاحة أمام جمهور المستخدمين.

وقد أثارت صفقة شراء تطبيق تويتر الأخيرة، المزيد من الأسئلة حول المستقبل الأمني لهذا التطبيق وغيره وحدود استخدامه واستخدام غيره ودور أباطرة المال في إدارة الفضاء الإلكتروني.

ولعل للحرب الروسية الأوكرانية دورها المتصاعد اليوم في تقييد مساحة الحرية الرقمية، بصورة باتت المنشورات الشخصية إنما تشكل عبئاً على أصحابها.

ولعل للحصار الذي سبق لتوتير أن فرضه على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق دونالد ترامب دوره في تعريف القوة الفولاذية، التي يستطيع معها تطبيق ما أن يحاصر رئيس القوة الأكبر في العالم.

ومع إتمام صفقة تويتر بقيمة فلكية وصلت إلى 44 مليار دولار، واستحضار ما سبق وأن جرى مع ترامب، فإن الكثير من ناشطي الفضاء الإلكتروني باتوا على قناعة بأن أصحاب الصفقات الكبيرة القادرين على حجب رئيس أمريكا، إنما هم من يقودون العالم لا غيرهم بل يسيطرون على تفاصيله، ليس فقط من حيث القوة الشرائية، بل أيضاً من حيث القدرة الرقابية المتصاعدة يوماً بعد يوم.

وعليه فإنك تعيش اليوم في عالم الحسيب ذاته وليس عرضة لمقص الرقيب فقط، فخروجك من منزلك في معظم عواصم أوروبا للذهاب من منطقة إلى أخرى بات مسجلاً بصورة كاملة، كذلك ما تجريه من مكالمات هاتفية ومحادثات رقمية ومشاركات اجتماعية ومحاضرات علمية، كل شيء مسجل ومتابع وفق آليات معروفة لمعظم الأجهزة الاستخباراتية.

الأهم من ذلك إنما يكمن في القدرة على تجيير الرأي العام والتأثير في الأنماط الاستهلاكية ورسم النهج الحياتي للبشر وفبركة المواقف السياسية والترويج لقضايا ما على حساب غيرها.

صناعة الفكر إذن بات الهاجس الأكبر لمتتبعي الفضاء الإلكتروني، وهو ما يعني أن الإنسان أصبح مسيراً بالكامل بحيث تسلب حريته الشخصية وتبدأ المواد الموجهة التي يتعرض لها بالتأثير في نهجه وفكره.

وعليه تنشط هذه الأيام شريحة ما يعرف بالمؤثرين، الذين يستطيعون التأثير في جمهورهم ومحاولة شرح خفايا العالم الرقمي، ليس من باب تشجيع التقييد الرقمي، بل من باب ممارسة ما تبقى من مساحات الحرية الرقمية.

مهم أن يتم التصدي لهيمنة المال على الفكر، وهيمنة الفضاء التكنولوجي على أنماط الحياة وصناعة المواقف وصياغة الرؤى.

ولعل أهم الأسلحة المهمة لمقاومة السطوة الرقمية إنما يأتي من خلال العلم بالشيء، وتوسيع دائرة الاطلاع والمعرفة والمتابعة، على قاعدة أن الجاهل بالشي إنما يكون الخاسر الأول في عالمٍ بات فيه الماضي القريب وكأنه ماضٍ بعيد وبعيد جداً ليس بفعل الوقت فحسب وإنما بفعل التطور المتسارع لحداثة التكنولوجيا وسرعة تغيرها.

[email protected]