وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

نبيل عمرو يخص معا بمقالة: شيرين بطلة انتخابات شعبية جرت في الوقت المناسب

نشر بتاريخ: 14/05/2022 ( آخر تحديث: 14/05/2022 الساعة: 14:17 )
نبيل عمرو يخص معا بمقالة: شيرين بطلة انتخابات شعبية جرت في الوقت المناسب

بيت لحم- معا- خص القيادي الفلسطيني نبيل عمرو وكالة معا بمقالة تحدث فيها عن الشهيدة الزميلة الصحفية شيرين ابو عاقلة.

بينما كان الفلسطينيون قبل سنة من الان في طريقهم لانتخابات عامة، ترشحت فيها أكثر من ثلاثين قائمة وبلغ تجديد السجلات الانتخابية فيها فوق الخمسة والتسعين بالمائة، ما يؤكد النزوع الفلسطيني الأصيل نحو ديموقراطية صندوق الاقتراع.

قامت حكومة إسرائيل بمناورة مدروسة حين لم توافق على اجراء الانتخابات في القدس على غرار ما تم في السابق، وفي رواية أخرى لم تقل شيئا.

في تلك الاثناء ظهر موقفان فلسطينيان الأول تأجيل الانتخابات الى حين الحصول على موافقة الحكومة الإسرائيلية على اجرائها في القدس، ولقد انحازت اليه السلطة الرسمية التي تملك الصلاحية الدستورية في الاجراء والالغاء.

والموقف الثاني اصر على اجراء الانتخابات العامة في موعدها ولتكن انتخابات تحد تجري في العاصمة الفلسطينية، ليس في مكتب البريد وانما في كل المدينة، وذلك بنشر عشرات صناديق الاقتراع في كل مكان، ولنا في القدس ما يكفي ويزيد من النشطاء لاداء هذه المهمة، وحين يقوم حرس الحدود والشرطة باطلاق الرصاص على الصناديق مثلما يطلقون الرصاص على العلم، يكون الفلسطينيون قد فازوا بل وتفوقوا على محتليهم في معركة حضارية إنسانية سياسية عنوانها "بنادق الاحتلال تطلق النار على صناديق الاقتراع".

الغالبية العظمى من الشعب كانت مع خيار التحدي، اما السلطة الرسمية صاحبة قرار انتظار الموافقة الإسرائيلية فقد بدت اقلية في هذا المشهد.

اسدل الستار على الانتخابات وواصل الفلسطينيون معاناتهم من فقدان دور المؤسسات في حياتهم، مع انهم اجروا موسما انتخابيا للمجالس المحلية اثبت ولو في زمن متأخر وفي اتجاه آخر جدارة الفلسطينيين في تحدي الانتخابات العامة.

جرت على مدى سنة مياه كثيرة في الأنهار، وكان ان اختفى مصطلح الانتخابات من الادبيات الفلسطينية ليس كفرا بها وانا يأسا من اجرائها.

لو راجعنا روزنامة الاحداث على مدى سنوات خلت لعرفنا ان الفصائل الفلسطينية التي تسمى بالطبقة السياسية، دعت اكثر من مرة الى نفير عام على مستوى الوطن، ولم تنجح في حشد المئات، كان دوار الأسود "المنارة" الشاهد الأكثر صدقا على ذلك، وكان الجمهور الذي لبى نداء النفير يعد بالعشرات مناصفة مع قوى الامن التي احتشدت في المكان "لحفظ النظام وفي رواية أخرى لاصطياد المطلوبين"

ظلت السلطة على موقفها المكون من جملة واحدة سنجري الانتخابات العامة حال موافقة إسرائيل على اجرائها في القدس، اما الموقف الإسرائيلي الذي استفاد كثيرا من هذا الموقف الفلسطيني فقد تجاهله دون ان يقول نعم او لا، الا انه اخذه كقرينة على ان كل قرار يتعلق بالقدس هو من شؤون السيادة الإسرائيلية عليها.

شيرين وجنين

هنالك علاقة موضوعية بين ضعف السلطة وقوة الشارع، السلطة عندنا مكبلة بقيود واعتبارات تجعل من سيطرتها على الشارع امرا ليس ضعيفا فحسب وانما معدوما، ولقد كان الرئيس محمود عباس موضوعيا وصادقا حيت ابلغ محادثيه الإسرائيليين والامريكيين بأنه لا يستطيع فعل شيء لتهدئة الشارع. كما لا تستطيع شرطة الكون كله ان تسيطر على الانفعالات الشعبية التي تنتجها إسرائيل باقتحاماتها وقتلها وحصارها واستيطانها.

الشارع الفلسطيني بدا دائما عصيا على السيطرة لا من السلطة ولا من الفصائل ولا من إسرائيل، فكان رمضان هذا العام راشحا بالدم وكان يوم "استقلال إسرائيل" الذي هو يوم النكبة الفلسطينية، كابوسا ثقيلا جثم على صدر "الدولة القوية" فكثرت الجنازات على جانبي الخط الذي يسمى تجاوزا بالأخضر وصارت جنين ومخيمها عاصمة الحدث بالتداول مع القدس وسائر المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ، الى ان جاء يوم شيرين، فبعد دقائق من إذاعة خبر اصابتها ثم استشهادها، سرى في فلسطين كلها شعور واحد فيه من الحزن قدر ما فيه من القهر، وفيه من العاطفة قدر ما فيه من التحدي، كان اول خيط الدم من جنين ولم يكن اخره في بيت المقدس.

قدر الفلسطينيين انهم حين يحرمون من حياة عادية ونظام سياسي قوامه صندوق الاقتراع ان يجروا انتخاباتهم بطريقتهم الخاصة وهي مبدعة على كل حال.

كان انتظار الموافقة الإسرائيلية على اجراء الانتخابات في مكتب البريد المتواضع قد تبدد يوم شيرين العظيم، لم تكن السيول البشرية التي تدفقت على عاصمتنا مجرد تشييع لجنازة، بل كانت وكما فهمها الإسرائيليون قبل غيرهم واكثر من غيرهم انتفاضة مشاعر شعبية انجزتها الملايين، وانتفاضة انتماء وطني جسده الملايين، وانتفاضة تعديل لمسار تمادى في الجري وراء سراب الاعتبارات البائدة التي سطعت ذات يوم وانطفأت كل يوم.

شيرين... المقدسية الفلسطينية التي لم نكن نعرف عنها الا انها الابنة الوفية لوطنها وشعبها ورسالتها.. رحلت، وأين في جنين ودفنت وأين في القدس، وكان آخر ما فعلت انها اجرت الانتخابات الفلسطينية العامة بمشاركة الملايين، وباحت بكلمة سر فلسطين الحقيقة التي اعتنقها العالم كله والتي تقول هذه القضية خالدة خلود الحق، وتقول كذلك ان ما صنعه الذين ماتوا وضع على عاتق الذين بقوا على قيد الحياة ان يتعلموا الدرس.

كل ما قيل عن شيرين إيجابا كان حقيقيا وصادقا، وما لم يقل عنها انها بطلة الانتخابات الشعبية العظيمة التي جرت في أحلك الأوقات.