وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"صوت العاصفة"١١ /٥ / ١٩٦٨

نشر بتاريخ: 19/05/2022 ( آخر تحديث: 19/05/2022 الساعة: 00:25 )
"صوت العاصفة"١١ /٥ / ١٩٦٨

د. خالد جميل مسمار

مرَّ يوم ١١/ ٥ الذي انطلقت فيه إذاعة الثورة الفلسطينية في العام ١٩٦٨، والذي غطّى عليه اغتيال فقيدة الكلمة الأمينة شيرين ابو عاقلة برصاصة صهيونية غادرة، مرَّ دون أن يتنبه له الاعلاميون الفلسطينيون والعرب، حيث غطت جريمة المحتلّين في نفس اليوم على ذكرى إذاعة "صوت العاصفة، صوت فتح، صوت الثورة الفلسطينية".

في ذلك اليوم ١١/ ٥ / ١٩٦٨ كان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على موعد مع سماع صوت جديد.. صوت يمسح اصوات الهزيمة النكراء التي جرت في حرب حزيران العام ١٩٦٧، والتي يطلق عليها "حرب الايام الستة".. صوت انطلق بعد الانتصار الكبير في معركة الكرامة الخالدة التي حقق خلالها الفدائي الفلسطيني من ثوار حركة فتح مع الجندي الاردني، تحطيم مقولة؛ الجيش الذي لا يقهر، وعنجهية الجنرال دايان وزير الحرب الصهيوني الذي كان يعلق ساخرا ان فتح بيده كالبيضة يستطيع تحطيمها متى شاء!

انطلق "صوت العاصفة" ليعلن على الملأ ان الشعب الفلسطيني الذي ادّعى جون فوستر دالاس وزير خارجية امريكا في الخمسينات وكذلك جولدا مائير وقادة الكيان الصهيوني، ان كبار هذا الشعب سيموتون وان الصغار سينسون، اعلن صوت العاصفة ان هذا الشعب موجود ويقاتل ويدافع عن حقوقه المسلوبة بعد اخراجه من أرض وطنه وينتصر بعد ان قررت قيادة فتح انشاء اعلام ثوري يعلن الحقيقة ويطالب بحق الشعب الفلسطيني في العودة الى وطنه الذي هجّر منه واقامة دولته العتيدة.

فاختارت القيادة أحد الاعلاميين المشهود لهم في العمل الاعلامي وخاصة الإذاعي منه، وهو المرحوم فؤاد ياسين (ابو صخر).

اختار ابو صخر ثلّة من شباب تنظيم حركة فتح الذين يدرسون في الجامعات المصرية.. تمخضت عن أربعة: الطيب عبد الرحيم رحمه الله، وخالد مسمار ويحيى العمري وعبد الشكور التوتنجي بالاضافة إلى عبد الله حجازي.

بدأت الاذاعة بهذه الاصوات الجديدة بعد تدريب سريع وكانت أصواتاً مختلفة، وأداءً مختلفا عن سائر اذاعات العالم العربي واشتهرت بإذاعة البلاغات العسكرية وذلك لكثرة ما كان يقوم به الفدائي الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني من عمليات فدائية شبه يومية.

انجذب الشارع الفلسطيني والعربي الى هذا الصوت الجديد والى ما يصدر عنه والى اناشيد الثورة الرائعة والقوية والقصيرة بنفس الوقت.

كان ابو صخر يكتب ما ينشر ويذاع بقلمه المتمرس والرشيق.. بكلامٍ أمين يعبر عن الطلقة الفدائية الشجاعة من أجل تحرير فلسطين ودحر المحتّلين..
توسّع العمل في الاذاعة الفتيّة، والتحق عدد من المحررين والشعراء والكتاب امثال الشاعر الكبير سعيد المزين "ابو هشام" ومحمد حسيب القاضي والمدرّس يحيى رباح، وثلّة جديدة من الاصوات الجديدة امثال بركات زلوم وعبد المجيد فرعوني وعارف سليم ويوسف أحمد رحمهم الله، وبعد ذلك نبيل عمرو ويوسف القزاز ومريد البرغوثي ثم عزمي خميس ورسمي ابو علي، وبعد ذلك تمّ رفد الإذاعة بالمرحوم احمد عبد الرحمن الذي تولّى الإذاعة في درعا فيما بعد، وزياد عبد الفتاح الذي تولّى وكالة الانباء الفلسطينية وفا فيما بعد..

كانت الإذاعة كحديقة الزهور بألوانها الجميلة، فكل واحد من العاملين فيها له لونه المميز وطابعه المختلف.

فالشعراء ينتجون الاناشيد الثورية.. كلّ باسلوبه، "فتى الثورة" سعيد المزّين صاحب نشيد انا يا اخي آمنت بالشعب المضيّع والمكبّل، وبلادي بلادي، يختلف عن اسلوب ابو الصادق الحسيني الشعبي واللهجة العامية يخاطب بها الصغير والكبير في شعبنا الفلسطيني مثل غزة يا غزّتنا يا مكوفلة بالنار، وباسم الله وباسم الفتح، واسلوب محمد حسيب القاضي صاحب سنّوا عظامي سنوها سنوها سيوف وعبّوني قنبلة مولوتوف، ويا جماهير الأرض المحتلة وغيرها.

والكتّاب لهم اسلوبهم المختلف ايضا، ولكن ايضا كان الجميع يسلك درب المعلم والاستاذ فؤاد ياسين "ابو صخر"، وهو الجملة القصيرة والرشيقة التي تريح المذيع والسامع في نفس الوقت، وخاصة ما كان يطلق عليه في البداية المنطلقات الثورية بجملها القصيرة ومعانيها الكبيرة.

اما الملحنون فحدّث ولا حرج.. فهم عباقرة زمانهم سواء منهم الفلسطينيون أم المصريون بمصاحبة المايسترو ابو صخر "فؤاد ياسين" الذي كان يتابع كل شيء من القصيدة الى اللحن الى الكلمة الى الاداء الى صوت المذيع وكيف يخرج الكلمة وينطقها ليتلقاها المستمع بوضوح كامل.

اما المذيعون الاوائل فكان لكلّ واحد منهم نكهته الخاصة وصفها القائد صلاح خلف "ابو اياد" قائلا: أنتم كالفاكهة اللذيذة، ففلان كالتفاحة، وفلان كالموزة، وآخر كالأجاصة، ولمّا توقف عند زميل ولم يصفه فسأل المذيع الاخ ابو اياد قائلا: وأنا لم تذكرني.. قال مداعبا: أنت كالخيارة، وضحك الجميع على نكتة القائد الشهيد.

"صوت العاصفة".. إذاعة انشئت من لا شيء ولكن بعبقرية المرحوم الأستاذ فؤاد ياسين "ابو صخر" كانت كلّ شيء.. باصوات مذيعيها القوية وتفانيهم وعدم ذكر اسمائهم.. وبشعرائها المبدعين الذين طرّزوا أروع الاشعار ولحنها كبار الملحنين التي ما زال صداها يصدح حتى الآن في افق الاعلام الفلسطيني والثوري العربي.

صوت العاصفة.. صوت فتح.. صوت الثورة الفلسطينية.. مدرسة الاعلام الثوري خرّجت الكبار الكبار وودّعت الكثيرين منهم شهداء في سبيل نشر الكلمة الأمينة المعبرة عن الطلقة الشجاعة، والعجيب ان المواطن العربي في شتى اقطاره عندما كان يتابع هذه الإذاعة يستمر في الاستماع حتى للبرنامج العبري الموجّه الى المحتلين رغم ان هذا المواطن العربي لا يعرف اللغة العبرية التي كان يقوم بها عدد من الاخوة المناضلين من فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨، امثال عماد شقور ومكرم يونس وحمدان بدر.. وايضا كان المواطن العربي يتابع الشيفرات الموجهة الى المقاتلين الفلسطينيين "الاشارات" دون ان يعي معناها وكان يؤديها غالبا الاخ المناضل عبدالله حجازي وبقية المذيعين.

تمرّ ذكرى "صوت العاصفة" في فترة تمرّ بها القضية الفلسطينية بحالة من التحرك الشعبي الرائع وخاصة في عاصمتنا المحتلة القدس الشريف في مواجهة مستمرة لكنس الاحتلال من مديتنا المقدسة إلى الأبد.

فها هو شعبنا البطل يواجه بصدوره العارية وشبابه وصباياه وباطفاله ونسائه وشيوخه بكل جرأة وايمان بحتمية النصر واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس ان شاء الله.

خمسة وخمسون عاما تمرّ على انطلاقة إذاعة فتح باناشيدها الثورية ومنطلقاتها وأصوات مذيعيها التي ما زال صداها يتردد في ارجاء فلسطين والعالم العربي بل والكيان الصهيوني، فتحية لمن استشهد منهم.. وتحية للّذي ما زال يعمل لينطلق الصوت من جديد ان شاء الله من قلب عاصمتنا الابدية من القدس المحررة.
يرونه بعيدا ونراه قريبا.. وانا لصادقون..

١٩/ ٥/ ٢٠٢٢