وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لن أُفسد نهاية القصة!

نشر بتاريخ: 10/06/2022 ( آخر تحديث: 10/06/2022 الساعة: 16:31 )
لن أُفسد نهاية القصة!

بقلم:المتوكل طه

***

قلقيلية أُمّ الليمون، وما أدراك ما أُمّ الليمون !

أين ذلك الأريج الذي كان يعبئ أوصالي وثيابي؟ وأين تلك البيّارات الزّاخرة بالخضرة وقناديل الوهج؟ وأين ذلك الضوء الزعفرانيّ الذي كان يشعّ في العيون الناعسة؟

أكاد أختنق من المشهد الكالح العاري الناشف؛ الذي كان يضجّ بالعبق.

كنا ننسرب أطفالاً في بيارات أُمّ الليمون، وما أن نصل حتى نومض مثل السهام الضوئية بين الأشجار، فنحتكُّ بالزّهر الثلجيّ الذي أحال الهواء إلى قارورةٍ كونيةٍ تضوعُ الكون بالطيب، ونجلس تحت شموس الكلمنتينا فنقطفها لتصبح في أيدينا الصغيرة مثل عروسة خلعت قمصانها دون عناء.

ثمة طعوم ما زلتُ أتلمّظ بها، هي ماء المندلينا السكريّ الذي يغسل لُهاتنا بالشهد المتدفّق من حزوز الحَبّة التي يسيلُ رضابها على شفاهنا.

كانت اليراعات والفراشات البريئة وأعشاش العصافير أهدافنا دون قصد، وكان حنّاء الطين يلتصق بملابسنا ويتطاير من تحت أقدامنا ونحن نلهث طائرين بين أسراب الحمضيات وأثدائها المتأرجحة، ونعود إلى البيت ورائحة البرتقال تندلعُ من براجِمِنا وأنفاسنا!

أين ذهب كلّ ذلك ؟ وأين ذلك الفرن الحجري"الطابون" الذي كنتِ تجلسين قبالته يا أُمّي، فتُخرجين تلك الأرغفة الشهية والأقراص الساخنة التي كانت تذوب مثل رغوة الشمس في أفواهنا؟ وأين ذلك الحليب الذي كنتِ تمخضينه لتستخرجي الزبدة لتوزّعيها علينا؟ وأين تلك اللّمة الصاخبة حول ذلك الكانون الذي كان يطقطق بشررِ النار في الشتاء!

كأني أجلس أمام ذلك الكانون بجمره الوهّاج، وأراكِ تقلّبين الأرغفة المطهمة بالزيت والزعتر أو الزيت والسُكَّر، وتدفعين بالقطع المقرمشة علينا بالتساوي، وثمة إبريق الشاي المنصوب فوق الجمر يصدر بخاره الخفيف فتتوزّع رائحة الميرميّة الساحرة!

هل أقول كيف ركض ذلك الفتى خلف غزالة وصلبها على الجذع، وكاد يُقبّلها!

لن أُفسد نهاية هذه القصة بقول الحقيقة.

لقد كنّا أولياء بسبب تلك الخصال الخمس في الأطفال، التي لو كانت في الكبار لكانوا أولياء كما قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى، وهي؛ أنهم لا يهتمون بالرزق، ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا، ويأكلون الطعامَ مجتمعين، وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع، وإذا تخاصموا تسارعوا إلى الصلح.

ومَن يرَ الطفولةَ، فليسلّم عليها.