وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

نكبة الفلسطينيين وصناعة إسرائيل وتحولات النظام الدولي

نشر بتاريخ: 26/06/2022 ( آخر تحديث: 26/06/2022 الساعة: 23:42 )
نكبة الفلسطينيين وصناعة إسرائيل وتحولات النظام الدولي

العميد أحمد عيسى

المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

أوصلت الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا التي نشبت قبل أربعة شهور تقريباً حالة تحول النظام الدولي من نظام يطلق عليه في حقل العلاقات الدولية نظام القطب الواحد، إلى نظام آخر جديد تسعى القوى الدولية الكبرى التقليدية والجديدة أن يكون نظام متعدد الأقطاب، لا تختفي فيه أمريكا، بل لا تكون هي القوة الوحيدة المتحكمة فيه وفقاً للمبادئ والقواعد والمؤسسات الدولية التي وضعتها وطورتها بنفسها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي.

وكانت القوى الإستعمارية الكبرى (بريطانيا وأمريكا) التي شكلت في حينه ولا زالت محور النظام الدولي والتي صممت النكبة قد وظفت مراحل تحول النظام الدولي للتقدم في مشروع صناعة النكبة وإحكام حلقاتها من خلال إضفاء نوع من الشرعية الدولية على هذه الصناعة، الأمر الذي يجد أوضح تجلياته في صك الإنتداب الصادر عن عصبة الأمم العام 1922، وفي إعتراف الأمم المتحدة بقيام دولة إسرائيل العام 1949، وأخيراً في وثيقة صفقة القرن العام 2020.

ففي العام 1917 وقبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها وتصبح بريطانيا العظمي هي محور النظام الدولي لمرحلة ما بعد الحرب، أصدر وزير خارجيتها (بلفور) وعده المشئوم القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، حيث تحول هذا الوعد بعد نهاية الحرب إلى مشروعاً أممياً تتبناه المنظمة الدولية الأولى في العالم عصبة الأمم المتحدة التي أصدرت صك الإنتداب وكلفت بريطانيا العظمى بتنفيذه في فلسطين.

وفي العام 1949، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ونشأة نظام القطبين الولايات المتحدة من جهة، والإتحاد السوفيتي بالجهة المقابلة، صدر عن مجلس الأمن توصية مجحفة مهدت الطريق لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بإسرائيل أي بعد اقل من عام من الإعلان عن قيامها وذلك على الرغم من انتهاكها للقرارات الصادرة عن المؤسسة الدولية نفسها لا سيما قرار التقسيم الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1947 .

وبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ونشأة نظام القطب الواحد العام 1991 بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، إنتقلت إستراتيجية معالجة الصراع العربي الإسرائيلي من الوسائل العسكرية للوسائل الديبلوماسية والمفاوضات على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، حيث كان إتفاق أوسلو العام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة دولة إسرائيل الذي نشأت بموجبه السلطة الفلسطينية على جزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام 1967، كمرحلة إنتقالية تنتهي العام 1999، لتبدأ مفاوضات المرحلة النهائية بعد ذلك التي تطلع الفلسطينيون أن تنتهي بحل موضوع اللاجئين والإعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 وتكون القدس الشرقية عاصمة لها.

وجائت خطة الرئيس ترامب العام 2020 المعروفة بصفقة القرن في لحظة زمنية بلغت فيها حالة تحول النظام نظام القطب الواحد مرحلة متقدمة لحسم مشروع صناعة إسرائيل في المنطقة، ومن جهة أخرى لتغلق كل الأبواب أمام سبل معالجة تداعيات النكبة بالطرق الديبلوماسية، إذ شطبت الصفقة القدس الشرقية باعتبار القدس بشريها الغربي والشرقي عاصمة أبدية لإسرائيل، وأزاحت قضية اللاجئين عن جدول الأعمال، وأعطت الحق لإسرائيل بضم مناطق واسعة من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، والأهم من ذلك أنها إستبدلت الأسس والمبادئ التي قامت عليها تسوية الصراع بأسس تهدف الى فرض الإستسلام على الفلسطينيين وليس صناعة السلام، إذا حل مبدأ الإقتصاد مقابل السلام، محل مبدأ الأرض مقابل السلام، كما حلت المراسيم والفرمانات الصادرة عن الرئيس الأمريكي محل قرارات الشرعية الدولية، وحلت المعازل الفلسطينية المحاصرة بالمستوطنات محل الدولة المستقلة الموعودة.

ما تقدم يجعل من المشروع التساؤل هل سينتصر النظام الدولي الجديد، (النظام متعدد الأقطاب)، إن قدر له أن يقوم، ونجحت القوى العظمى الداعية له في إرساء قواعده وصياغة مبادئه وبناء مؤسساته، للفلسطينيين ويرفع عنهم ما وقع عليهم من ظلم تاريخي؟

أو بصيغة أخرى هل سيكون النظام الدولي الجديد أكثر حزماً في الإنتصار لما صدر عن مؤسساته من قرارات تتعلق بالصراع في المنطقة؟ وهل سيستمر النظام الجديد لإسرائيل صنيعة القوى العظمي التي هيمنت على النظام الدولي خلال القرن الماضي خارج القانون ودون محاسبة، لا سيما وأنها أصبحت دون جدال دولة ترتكب جريمة الأبارتهايد والفصل العنصري بحق الفلسطينيين وفقاً لتصنيفات مؤسسات النظام الدولي نفسه؟

الأمر منوط بيد الشعب الفلسطيني، بنخبه وقياداته وفصائله ومجتمعه المدني، وعلى الرغم من صعوبة المهمة وثقلها، لا سيما على جيل المستقبل، إلا أن حقيقة أن الفلسطينيين لا زالوا على أرضهم وأن عددهم بين النهر والبحر اكثر من عدد اليهود وإصرارهم على نيل حقهم بالحرية والإستقلال ورفضهم الإستسلام يفرض على اي نظام دولي أو إقليمي الإستجابة لحقهم، إذا حقاً أراد تحقيق السلم والإستقرار الدولي والإقليمي.