وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حول الأحداث الدولية المتسارعة وزيارة بايدن ودور المحافظين الجدد في اشاعة الفوضى بالعالم

نشر بتاريخ: 05/07/2022 ( آخر تحديث: 05/07/2022 الساعة: 14:42 )
حول الأحداث الدولية المتسارعة وزيارة بايدن ودور المحافظين الجدد في اشاعة الفوضى بالعالم


امام ما يجري اليوم من تسارع للاحداث والمتغيرات، رأيت من الأهمية بمكان تسليط الضوء على دور المحافظين الجدد NEOCONS بالعالم وتحديدا بالولايات المتحدة وبريطانيا ورؤية هذه الحركة العالمية التي تسعى لتحقيق أهدافها منذ عقود من خلال اشاعة الحروب ونشر الفوضى لابقاء هيمنة الولايات المتحدة على العالم ، وكذلك رؤيتهم بما هو متعلق بصراعنا مع اسرائيل كدولة احتلال استيطاني وتمييز عنصري وذلك من خلال موقعهم المقرب من حركة المسيحين الصهيونين والحركة الصهيونية العالمية واهدافها المعروفة بشأن الرؤية التوراتية في أرض فلسطين التاريخية ونظرية الحرب بين الخير والشر ، ودورهم في تعطيل اي عملية سلام ممكنة بالتوافق مع الأحزاب الصهيونية باسرائيل التي تعيش أزمة متجددة هذه الأيام كما يعيش مجتمعها المتباين الأجناس في ظل نمو الفاشية لديهم ، بهدف استدامة الاحتلال والابقاء على الدور الوظيفي لإسرائيل.

ان تيار المحافظين الجدد لم يجد في حماقات ترامب ما يشفي غليله، وابتعد عنه الى حد كبير من مقدار الشعبوية التي اكتنفت التنظير والتبشير قبل السياسة والاقتصاد من جانب ترامب، والأرجح أن هذا التيار المتمكن باوساط الدولة العميقة بالولايات المتحدة انتظر عوداً على بدء شخص بايدن في محاولة التاثير عليه وتمرير رؤيتهم التي تنتهجها الدولة العميقة بالولايات المتحدة وبريطانيا أيضا.

ان ما يجري الان من الحرب في أوكرانيا هي حصاد لمشروع عمره يمتد إلى ٣٠ عاما لحركة المحافظين الجدد بالولايات المتحدة (Neocons ) ، خاصة وان إدارة بايدن الحالية مليئة بنفس هؤلاء الذين تزعموا حروب الولايات المتحدة في صربيا ١٩٩٩ ، وأفغانستان ٢٠٠١ ، والعراق ٢٠٠٣ ، وسوريا ٢٠١١ ، وليبيا ، وهم أنفسهم الذين عملوا الكثير من أجل إثارة وتحفيز ما يجري الآن في أوكرانيا والذي ابتداؤ بالتحضير له منذ ٢٠١٤ وما قبل ، لتهديد الأمن القومي الروسي.
ان سِجل المحافظين الجدد هو واحد من السجلات الكارثية على مستوى الأحداث العالمية التي لم يتم التخفيف من حدتها واثارها منذ ٣٠ عاما ، ومع ذلك فقد قام بايدن بحشد عدد كبير من هؤلاء في فريق إدارته الحالية ، وتشير العديد من المعلومات غير المؤكدة انه من الممكن أن يكون نفسه بايدن منتميا إلى هذه المجموعة او متاثرا فيها ، منذ أن كان عضوا بالكونغرس الأمريكي وتصويته إلى جانب إثارة كل الحروب التي أشرت لها في حينه ، خاصة مع ضعف تاثير بعض التقدميين في حزبه الذين يواجهون التضييق من جانب هؤلاء المحافظين الجدد.
ونتيجة لذلك التأثير ، فإن بايدن يوجه ويقود أوكرانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا نحو انجاز اخر وجديد ( حسب اعتقادهم) في شان الجغرافيا السياسية المتعلقة برؤية المحافظين الجدد بالعالم وتحديدا في وسط شرق أوروبا ، والذي سيكون وفق مراقبين عملا كارثيا اخر في حقيقته .

من الضروري الاشارة الى اصول هؤلاء بداية ، فقد ظهرت حركة المحافظين الجدد في ستينات القرن الماضي بين مجموعة من المفكرين والموظفين الحكوميين بالولايات المتحدة وتحديدا بالحزب الديمقراطي خاصة من اوساط كانت ليبرالية وجزء منهم من له علاقة بالحركة الصهيونية العالمية الذين تأثروا بعدد من العلماء السياسيين في جامعتي شيكاغو ويال ، ومن ثم ظهر عدد منهم في بريطانيا على وجه التحديد .
وتتلخص الرسالة الرئيسية التي حملها هؤلاء المحافظين الجدد ، في أن الولايات المتحدة يجب أن تهيمن على السلطة العسكرية في كل منطقة من مناطق العالم ، وأن تواجه القوى الإقليمية المتزايدة التي يمكن أن تتحدى يوماً ما الهيمنة العالمية أو الإقليمية الأميركية وأهمها دول مثل روسيا والصين ،
ويدعوا المحافظون الجدد عادة إلى تعزيز الديمقراطية والتدخل في الشؤون الدولية، بما في ذلك إحلال السلام باستخدام طريق اللجوء للقوة العسكرية كما يعتقدون .

لهذا الغرض عملوا من اجل أن تكون القوة العسكرية الأمريكية في وضع جاهز مُسبَق في مئات من القواعد العسكرية المنتشرة حول العالم ، ومن أجل ان تكون الولايات المتحدة مستعدة لقيادة "الحروب المختارة" حسب ما تقتضيه ظروفها، ووفق قناعاتهم ايضا فانه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تستخدم الأمم المتحدة إلا عندما تكون مفيدة لأغراض الولايات المتحدة وسياساتها .

وقد أوضح بول وولفويتز وهو احد اهم قادة هذه الحركة ومنظريها هذا النهج في مشروع توجيهاته المتعلقة بسياسات الامن القومي الذي اعده لوزارة الدفاع في عام ٢٠٠٢ ، حيث دعا المشروع إلى توسيع نطاق شبكة الأمن التي تقودها الولايات المتحدة لتشمل أوروبا الوسطى والشرقية على الرغم من الوعد الصريح الذي قدمه وزير الخارجية الألماني في عام ١٩٩٠ بأن التوحيد الألماني لن يعقبه توسع للناتو في الشرق الاوروبي .
كما قدم وولفوفيتز القضية من خلال ما سماه بالحروب الأمريكية المختارة ، دفاعاً عن حق أميركا في العمل بشكل مستقل ، حتى ولو كانت لوحدها، رداً على الأزمات التي تهم مصالح الولايات المتحدة. ووفقاً لتصريحات للجنرال ويسلي كلارك، أوضح وولفوفيتز بالفعل لكلارك في مايو ١٩٩١ أن الولايات المتحدة سوف تقود عمليات تغيير النظام في العراق وسوريا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وحلفاؤه.

وقد قاد المحافظين الجدد توسيع منطقة عمل حلف شمال الأطلسي لتشمل أوكرانيا حتى قبل أن تصبح هذه السياسة الرسمية للولايات المتحدة تحت إشراف جورج بوش الابن في عام ٢٠٠٨. واعتبروا أن وجود أوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي هي مفتاح الهيمنة الإقليمية والعالمية للولايات المتحدة.
وهذا برأي ما يتفق مع نظريات مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بريجنسكي حول الوضع الجيوسياسي لمنطقة وسط أوروبا و اوراسيا والتي لخصها في كتابه رقعة الشطرنج باوائل تسعينات القرن الماضي ، حين قال ، أن من يسيطر على هذه المنطقة يحكم أوروبا ومن يسيطر على أوروبا يحكم العالم .

ان عدد من هذه المجموعة من المحافظين الجدد الذين عملوا تحت إشراف جورج دبليو بوش الابن كانوا ايضا في زمن باراك أوباما ومنهم مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية خلال الفترة ٢٠١٣ حتى ٢٠١٧ التي شاركت في الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عام ٢٠١٤ ، وهي الآن تعمل بادارة بايدن بوصفها وكيل وزارة الخارجية في مجال السياسة الأمريكية في مواجهة الحرب في أوكرانيا.

إن رؤية المحافظين الجدد تقوم على أساس فرضية زائفة ، وهي أن التفوق العسكري والمالي والتكنولوجي والاقتصادي في الولايات المتحدة تمكنها من إملاء الشروط في جميع مناطق العالم .

منذ خمسينات القرن الماضي ، تم احراج أو هزيمة الولايات المتحدة في كل صراع إقليمي تقريبا شاركت فيه. ومع ذلك فإن المحافظين الجدد ما زالوا على استعداد لإثارة مواجهة عسكرية مع روسيا من خلال الحرب بالوكالة التي تخوضها امريكيا باكرانيا وتوسيع نطاق منظمة حلف شمال الأطلسي رغم الاعتراضات الروسية القوية . انهم يعتقدون بشدة أن روسيا سوف تُهزم من خلال العقوبات الأميركية وأسلحة حلف شمال الأطلسي الناتو .

غير ان الوقائع على الارض تشير إلى خلاف ذلك، ولم يكن للعقوبات الاقتصادية الغربية سوى تأثير قليل على روسيا ، في حين كان أثرها على بقية العالم كبيرا وتحديدا على أوروبا خاصة في مجال الطاقة والغذاء ، نتيجة عدم حكمة قادة الاتحاد الأوروبي الذين ما زالوا متعلقين بالسير تحت مظلة السياسة الأمريكية.
وعلاوة على ذلك، فإن قدرة الولايات المتحدة على إعادة تزويد أوكرانيا بالذخائر والأسلحة تتعرض لعدد من الصعوبات من قبل أمريكا المحدودة الآن في القدرة الإنتاجية نتيجة الاوضاع الاقتصادية الناشئة فيها .
وتتمثل النتيجة الأكثر احتمالاً في القتال الحالي في أن روسيا سوف تعيد السيطرة وفق العودة للتاريخ الحقيقي لهذه المنطقة على مساحة كبيرة من أوكرانيا التي ربما تترك أوكرانيا بدون مناطق ساحلية. كذلك سوف ترتفع الإحتجاجات خاصة الشعبية في أوروبا والولايات المتحدة مع الخسائر العسكرية والآثار غير المبررة للحرب وتورط الناتو والعقوبات المفروضة واثارها العكسية ، الأمر الذي سيساهم في استعجال المتغيرات الجارية بالنظام العالمي الآن وتحديدا بما يتعلق باستقرار الاتحاد الأوروبي.

وبرأي إذا كان لأوروبا أي رؤية مستقبلية صحيحة ، فإنها سوف تفصل نفسها عن هذه الاتجاهات في السياسة الخارجية الأمريكية بما فيها الموقف من حل قضية شعبنا وانهاء الاحتلال ، وهو احد الأمور التي باتت اليوم تشكل بعض الخلافات بين الاوروبين ومصدرا للتحرك الشعبي الذي عكسته نتائج الانتخابات الفرنسية إلى حد ما وبعض التحركات والإضرابات في دول أوروبية أخرى.
ذلك إضافة إلى ما جري ويجري من جهة أخرى في أمريكيا اللاتينية من تحول باتجاه هزائم حلفاء الولايات المتحدة وفشل سياسات المحافظين الجدد وفوز قوى اليسار في دولها .

وفي شان علاقة المحافظين الجدد مع الاحزاب الصهيونية والنظام الفاشي في اسرائيل ، لا بد من الإشارة هنا إلى ما توالى من احداث معروفة بعد اغتيال رابين وصعود نتنياهو إلى الحكم ، خاصة إلى كلمته التي كتبت بالتعاون مع مستشارو نتنياهو الأميركيون من المحافظين الجدد تحدد موقفاً بشأن الانفصال التام عن الضعف الذي اتسمت به الحكومات الإسرائيلية السابقة والتأكيد على إظهار القوة، وتفوق إسرائيل والغرب ومقاومة أي ضغوط للتنازل. فقد جاء بالكلمة أمام الكونغرس عام ١٩٩٦ على ضرورة إنهاء عملية السلام وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة بديل لقيادتها، وعرقلة أي وجود فلسطيني رسمي في القدس وتوسيع الاستيطان وإجراءات الضم ، وبناء تحالفات إقليمية على أساس القوة لمواجهة الأعداء، وخص بالذكر سوريا، والتخلص من صدام حسين في العراق انذاك ، والتخلي عن المساعدات الاقتصادية الأميركية لتقليص أي ضغط لكن مع استمرار الحصول على المساعدات العسكرية الأميركية.
ومنذ ذلك التاريخ ومرورا بالأعوام الستة والعشرين التالية حتى اليوم ، طبّق نتنياهو وبينيت هذه المسودة وبكلفة طائلة ، ولم يفعل هذا بمفرده حيث ساعده في تنفيذ مزاعمه حلفاؤه من المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري وبعض الديمقراطيين أيضا بالولايات المتحدة ، واستمر ذلك خلال الاعوام الماضية بعد اسقاطه عن الحكم من خلال بينيت - ليبيد وحتى الان من خلال دور وضغط المحافظين الجدد على الإدارة الأمريكية وحكام إسرائيل لتنفيذ رؤية حركة المحافظين الجدد المتناغمة مع رؤية الحركة الصهيونية العالمية ووفق محددات العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمتعلقة ، بالتماهي الديني ، التماهي العنصري ونظريات الفوقية البيضاء والفوقية اليهودية ، الأمن والطاقة في شرق المتوسط والشرق الأوسط ، التماهي الحضاري الغربي إضافة إلى الدور الوظيفي لإسرائيل.
وهي محددات تلقى قبولا عند الحزبين بالولايات المتحدة ويتم البناء عليها في رسم سياسات الولايات المتحدة بمنطقتنا خاصة ما بعد اتفاقيات ابراهام للتطبيع ومحاولة البحث عن استمرار تنفيذ الرؤية المشتركة للطرفين بالولايات المتحدة وإسرائيل تحديدا بعد دور المحافظين الجدد وحركة الاخوان المسلمين في تغيير وقائع المنطقة بعد ما سمي بالربيع العربي .

والان تأتي زيارة بايدن للمنطقة على أثر تبدل أولويات اهتمامات استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي توجهت نحو وسط شرق اوروبا واسيا ، ومن أجل تهدئة الأوضاع من وجهة نظرهم بتثبيت دور إسرائيل فيها على حساب حقوقنا الوطنية الثابتة التاريخية والسياسية والقانونية ، من خلال القفز عن المبادرة العربية بعلاقة اسرائيل بدول عربية ، ومحاولة انشاء تحالف وفق ما يتم الحديث من تسريبات بشأنه لإعادة ترتيب الأوراق بمشاركة دول عربية جديدة و غير عربية ايضا مثل تركيا ووجود دور لحركة الاخوان المسلمين في ذلك ، بهدف محاولة إدارة أزمات المنطقة بما يخدم مصالحها دون إيجاد حلول خاصة لقضيتنا الوطنية ، كذلك إدارة ملف استخراج الغاز من الشواطئ اللبنانية من خلال زيادة الضغط على لبنان بعد فشلهم بتحقيق مشروعهم في سوريا ، لمحاولة تأمين خط نقل الغاز إلى أوروبا بدلا عن الغاز الروسي الأمر الذي تقوم به دولة الاحتلال.
أن أميركا برأى بحاجة إلى هذا الحلف لزيادة الضغط على إيران في مسألة الاتفاق النووي، وخصوصاً أنَّ محادثات فيينا وصلت إلى طريق مسدود حتى الآن ، كما ايضا في محاولة منع التمدد الصيني والروسي بمنطقتنا وممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية .

وفي ظل تراجع النفوذ الأميركي العالمي لا يستطع جو بايدن إملاء رغبة إدارته على حلفاء امريكيا التقليدين كما فعل سلفه أوباما عندما كان الأمر مختلف ، وبالتالي قد يكون هنالك شكوك بخصوص آليات تنفيذ شكل الحلف الذي تسربت اخبار حوله ، كما لن يستطيع فرض شيئا جديدا على حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية أمام اقتراب انتخابات الكونغرس القادمة وحاجته إلى اصوات مناصري إسرائيل ومجموعات الضغط المرتبطة بهم ، وارضاء المحافظين في حزبه أمام التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي بقيادة بيرني ساندرز الذي ما زال بطيئا في نموه وتأثيره .

هؤلاء الحلفاء التقليدين لامريكيا بمنطقتنا يرون الآن التقدم الروسي الصيني في العالم ، ويدركون تماماً أن مصالحهم سوف تتضرر في حال انحيازهم إلى أي طرف في صراع الأقطاب ، والأهم أنهم باتوا يعلمون أن التحالف الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة لن يكون قادراً على حماية مصالحهم ، وهو بالكاد يقدر على حماية مصالحه في مواجهة الآثار العكسية الاقتصادية المدمرة للعقوبات التي يفرضها الناتو وحلفاؤه على روسيا ، والمرتدة على دول الناتو نفسها وعلى نظامهم الاقتصادي والمالي ومستوى حياة الاوروبيبن ، ولهذا فقد تابعنا خلال الأسبوع الماضي الزيارات المكومية للمسؤولين العرب بين عواصمهم مختلفة كذلك للأيرانين لمحاولات فتح علاقات جديدة وتسوية خلافات قديمة قبل زيارة بايدن .

وكما قال صديقي المؤرخ السياسي د.ماهر الشريف في احد مقالاته قبل ايام "إذا كان الرئيس جو بايدن قد تذرع في الماضي، في سياق تبرير تخلفه عن تنفيذ وعوده إزاء الفلسطينيين، بالرغبة في الحفاظ على حكومة بينت-لبيد ومنع سقوطها، فإنه اليوم، وبعد حل الكنيست الإسرائيلي والدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة، سيتذرع، لتبرير الاستقالة الأميركية من اتخاذ أي خطوة جدية في مصلحة الفلسطينيين، بالأزمة السياسية التي تواجهها إسرائيل وبالرغبة في عدم توفير أوراق إضافية في يد بنيامين نتنياهو بما يمكّنه من العودة إلى السلطة. وهكذا ستكون زيارة جو بايدن إلى مدينة بيت لحم زيارة "رفع عتب"، يعيد خلالها التأكيد على ما كان قد ورد في بيان صحفي صدر مؤخراً عن البيت الأبيض، ومفاده أن الرئيس الأميركي يريد العمل من أجل "الأمن والسلام والفرص" للشعب الفلسطيني ! " .

علما بأن الرئيس أبو مازن قد ابلغ بلينكين بوضوح ما ينتظره من مواقف لهذه الزيارة ، فطالب بوضوح الموقف من بايدن تجاه إنهاء الاحتلال وحل الدولتين وفق حدود ٦٧ والقدس الشرقية عاصمة لدولتنا إضافة إلى تنفيذ ما تعهد به بايدن سابقا بخصوص تفاصيل أخرى ، الأمر الذي اعتقد أنه لن يتم سماعه من بايدن وفق اسباب محددات العلاقة مع اسرائيل ودورها الذي ذكرته في بدايات مقالي هذا ، وسيقوم بايدن باستكمال تفاصيل ما اعلنته إدارته بخصوص ما يسمى بتحسين شروط الحياة من خلال الحديث عن مشاريع اقتصادية أو وفق ما تم تسريبه حول تسهيل وجود رمزي فلسطيني على المعابر وما يتعلق برفع جودة ال 4G للاتصالات ، وهما امران لن يؤديان إلى الانفكاك الاقتصادي أو خدمة التنمية المستدامة أو الحقوق السياسية الوطنية لشعبنا ، وستستمر السياسة الأمريكية في محاولات الابقاء على مفهوم إدارة الازمة ، ما يساهم في استدامة الاحتلال طالما كافة سياساتهم لا تعنى بانهائه .
ومن هنا ستكمن برأي الضرورة لاحقا في التنفيذ الجاد لقرارات سابقة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير في إطار رؤية وبرنامج وادوات واضحة تتعلق بمواجهة صلف السياسات الأمريكية والإسرائيلية وترتيب تحالفاتنا وفق تلك المتغيرات الجارية بالعالم لاستكمال كفاحنا نحو الحرية والاستقلال الوطتي .

وحين متابعة ما جرى باجتماع الناتو الايام الماضية في مدريد ، فاننا نجد أن وثائق إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في عهد ترامب التي أشارت الى أن التنافس الإستراتيجي مع روسيا والصين بات أكثر العوامل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة ، هي نفسها ما عكسته وثيقة الناتو الإستراتيجية الجديدة قبل أيام ، الأمر الذي يدلل على استمرار قوة تأثير المحافظين الجدد حتى في اروقة حلف الناتو .
وهذا يعني أن الصين لن تكون في منأى عن التصعيد العسكري المتدرّج في قضية تايوان ، لجرّها الى الحرب، فممنوع عليها (بحسب الناتو) أن تطمح إلى النفوذ العالمي، وممنوع المسّ بقواعد النظام الدولي الذي أرساه الغرب وما زالت حتى اللحظة تقوده امريكيا رغم بداية انحسار هيمنتها .
وكما كان مرجحاً رأى الحلف ايضا في مفهومه الإستراتيجي " أن الاتحاد الروسي يشكل أكبر وأهم تهديد مباشر لأمن حلف الناتو وللسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية... وأنه يهدف إلى زعزعة استقرار دول شرقا وجنوبا، في أقصى الشمال ."

لذا فإن الناتو اليوم يُدرج بالتصوّر الإستراتيجي الحالي له ،التهديدات الإستراتيجية المتأتية من روسيا والصين ضمن أولويات الحلف للمواجهة في العقد المقبل ، وهو ما يلقي بظلال شبح حروب قادمة وينفي اي حرص على السلام والأمن الدوليين من جانب المحافظين الجدد حول العالم ، ويُقرب في أن واحد أيضا من نهاية الهيمنة الأمريكية وطبيعة النظام الدولي القائم حتى اللحظة .

هذا الوضع الذي تسبب به المحافظين الجدد إلى حد كبير لتحقيق رؤيتهم التي تقوم كما ذكرت على نشر الديمقراطيات المزعومة من خلال الحروب المختارة ، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد خاصة مع تفاقم تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية ، بحرب أوكرانيا أو بدونها، هذا الوضع الشاذ لا بد أن يصل الى نهايته، رغم كل المحاولات المحمومة التي يبذلها هؤلاء لإطالة عمر نظامهم الاحادي القطب وهيمنتهم على العالم ، وستنتهي العملية العسكرية الروسية بفشل واضح لكل سياسات الناتو التي لم تدخر شيئا بل واستنفذت كل الامكانيات من اجل السيطرة على أوكرانيا واضعاف روسيا ومحاصرتها ، فلم يتبقى امامها سوى الاشتباك النووي وهو أمر اخر استبعده .