وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"فتح" واسلمة الخطاب

نشر بتاريخ: 05/10/2022 ( آخر تحديث: 05/10/2022 الساعة: 11:01 )
"فتح" واسلمة الخطاب

عندما ظهرت حركة فتح في الساحة الفلسطينية منتصف ستينيات القرن المنصرم فقد جسدت بظهورها الهوية الوطنية الفلسطينية في ابها صورها، فهي لم تقم بالطلب من الفلسطينيين بالتخلي عن معتقداتهم الفكرية الأيديولوجية أبداً في حال ما أراد احدهم الانتماء إليها أو الانخراط في صفوفها. فهي في طبيعة الحال تمثل الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة، وهذه الهوية هي هوية متعددة ومتنوعة، بالتالي فهذا التنوع والتعدد بحاجة إلى حركة وطنية تراعي وتستوعب هذا الأمر دون أن تستند على مرجعية ايديولوجية كالأحزاب السياسية الأخرى، التي تعتبر ايديولوجياتها الحزبية عائقاً أمام اكتسابها مد جماهير واسع كالأحزاب اليسارية، والإسلامية التي ينتمي إليها نوع بعينه من الفلسطينيين.
لهذا ترانا نجد في فتح اصحاب التوجه الديني ونقيضه، المسلم السني والشيعي، والمسيحي الكاثوليكي والأرثوذكسي، ومن الطائفة السامرية ايضاً. ففيها من هم من اليساريين، والشيوعين، والمتدينين.
لهذا فإن فتح اتاحت وفتحت المجال أمام أي فلسطيني بالانخراط والالتحاق في صفوفها كونها ركزت على الانتماء الوطني العام، وضمنت وكفلت له اللوائح الداخلية ذلك. فنص النظام الداخلي في الباب الثاني في المادة السابعة الفقرة أ:
إن (العضوية في الحركة حق لكل فلسطيني أو عربي تتوفر فيه شروط العضوية ويؤمن بتحرير فلسطين ويلتزم التزاماً تاماً بالنظام الداخلي للحركة وببرنامجها السياسي وبكافة لوائحها وقراراتها السياسية والتنظيمية). لهذا فالمنتمون لفتح حافظوا على معتقداتهم وعقيدتهم الفكرية وهذه ميزة هذه الحركة التي لم ولن يرتبط عمرها ايضاً بعمر قادتها كونها ليست ملكية خاصة، لا لشخص بعينة أو لقالب فكري معين.
قد يظن البعض بأنني أدعو هنا لأسلمة حركة فتح، وهذا بالتأكيد استنتاج خاطئ ومغلوط.
إن بروز قيادة وطنية من داخل حركة فتح تتبوأ مناصب قيادية متقدمة في صفوف اطرها الحركية تتبنى توجه ديني أو ذات ميول متدينة، وبشكل خاص توجه إسلامي متدين ضمن الإطار الوطني سيزيل كثيراً من الترسبات المفاهيمية المغلوطة لدى الكثيرين في مجتمعنا الفلسطيني ذو الثقافة الإسلامية المحافظة، هذا اولاً.
وهنا لا بد لي من الاشارة إلى أن من يقوم بنشر وبث مفهوم علمانية فتح في اواسط مجتمعنا الفلسطيني له عدة مآرب، فقد يكون ذلك صحيحاً بأن يتم اطلاق حكم عام على فتح بأنها حركة علمانية، وهذا عائد لآلية الربط التي تقود الجمهور على اطلاق حكمه العام بسبب تبوء اشخاص هيئات قيادية عليا في الحركة يتبنون مبادئ العلمانية. لهذا فكل الاحتمالات هنا واردة وراء التركيز على بث هذه الفكرة من اجل أن يتولد انطباعاً عاماً بأن حركة فتح هي كذلك، كون هذا المصطلح له وقع وتأثير معين على وعي الناس، فمن المحتمل بأنه يتم ترويج هذه الفكرة ايضاً من باب العمل على شيطنة حركة فتح في مجتمع غالبيته وفي معظمه من المسلمين من باب اللعب على الوتر الديني العاطفي للناس من اجل محاربة هذه الحركة وتنفير الجماهير الفلسطينية منها.
إذاً فالوصف الصحي والصحيح لحركة فتح بأنها تعتبر حركة وطنية تضم الجميع لا حركة علمانية، إذ تنتفي فكرة علمانية فتح بوجود مؤسسات وهيئات دينية تعتبر جزءاً اساسياً من بنية السلطة الوطنية الفلسطينية. إن فتح تسعى في مبادئها إلى اقامة دولة ديمقراطية مستقلة. وفي هذا الصدد لا بد لنا من التعريج على هذا الأمر وتسليط الضوء عليه. يقول الفيلسوف الإسلامي سوروش عن توافق الدين مع الديمقراطية بقوله: (لتكون متدينا، من الضروري أن تكون ديمقراطيا، فالمجتمع المثالي الديني لا يمكن إلا أن تكون حكومته ديمقراطية. ولكي تكون مؤمنا صادقا، يجب أن تكون حرا. كما يجب على المؤمن الحقيقي أن يعتنق عقيدته بحرية تامة، لا بأن تفرض علية بالوراثة والثقافة الشعبية. فالإيمان بالفرض ليس إيمانا حقيقيا).
لهذا لا نجد بأن هنالك تعارض بين الإسلام والديمقراطية والوطنية.

ينضوي تحت راية فتح من هم من مشارب فكرية مختلفة، منهم من هو علماني ومنهم من هو غير ذلك من اصحاب الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل، لهذا يتحتم علينا كأبناء لحركة فتح ابراز ودعم توجه إسلامي ذو ثقافة إسلامية وسطية معتدلة في هذه المرحلة، كون الثقافة الإسلامية المسيطرة على عقول الناس هي ثقافة متشددة وغالباً ما تكون ثقافة وهابية تكفيرية.
إن وصول هذه الفئة أو الشريحة من ابناء فتح وتمثيلها في الاطر القيادية الحركية هو حق مكتسب لهم في حال التزموا التزاماً تاماً في النظام الداخلي للحركة كونها حركة وطنية ثورية تعددية متنوعة.
ثانياً:
إن بروز هذا التوجه سيساعد حركة فتح على امتصاص وتذويب الاحتكار الديني للإسلام من قبل حركات وتيارات إسلامية لها قوالب فكرية معينة.
ثالثاً:
التماهي والتناغم والانسجام شبه التام بين الحركة والجماهير، وفي هذا الصدد نجد انفسنا نقف أمام استنتاج ماثل أمامنا بأن فتح قوية ومتماسكة هو بحد ذاته ضرورة وطنية. ومن اجل تحقيق هذا يترتب على ذلك ترتيب البيت الفتحاوي والعمل على استنهاض الهمم من خلال تجديد خطابها للجماهير. ففي سبعينيات القرن المنصرم على سبيل المثال كان خطابها اقرب لليسارية، كون الساحة الفلسطينية في تلك الفترة شهدت مداً يسارياً جارفاً.
ومن اجل أن تكون فتح قوية لا بد من الالتزام بشروط عضويتها التي تنص عليها المادة (٣٧) الفقرة ب: التي تشترط بأن يتمتع العضو بسمعة طيبة ووطنية صادقة، وهذا يقودنا إلى الاهتمام بالنوع لا بالكم، فإذا ما تحقق الأول تحقق الثاني تلقائياً، وهذا عائد لارتفاع معامل كسب الثقة بالكادر التنظيمي الذي يعمل على توثيق الثقة بالجماهير ويكون جاذباً لها.
رابعاً :
سيتم تقريب المسافة وردم الفجوة بشكل كبير بين الحركات والأحزاب الفلسطينية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص مع الحركات الإسلامية وهذا لا جدال فيه.

قد يعتقد البعض بأن هناك تعارضاً بين الإسلام والوطنية وهذا غير صحيح، فالوطنية هي بمثابة مصطلح مدني قد يكون مرادفاً للمصطلح الإسلامي (الاخوة الإسلامية) إلى حد كبير. فالإسلام يتقبل ويتعايش مع الأخر المختلف عنه ويحترمه، وقبول هذا الاختلاف سواء كان بالرأي أو غير ذلك من القريب والبعيد هو أمر صحي حيوي؛ فقد خلقنا مختلفين وهذه إحدى الآيات.
ومن الوارد جداً بإن نجد بأن هنالك من سينتقد هذا الأمر مدعياً بأن الإسلام جاء عاماً وشاملاً للجميع وهذا لا خلاف فيه أو عليه، وسيدعي هؤلاء بأن الخلافة الإسلامية هي مطلبهم. نقول لهؤلاء بأننا نستطيع أن نطلق على الخلافة الإسلامية وطن الخلافة الإسلامية إذا ما تحقق ذلك، فهل يا ترى سنلغي الآخرين من الديانات الأخرى مثلاً أم سنتعايش معهم في وطننا الإسلامي الكبير!
إن أصحاب الفكر الضيق من الفريقين جعلوا هوة أو فجوة بين الوطنية والإسلام. فالوطنيون في عالمنا العربي والإسلامي أصحاب النظرة الوطنية الضيقة جعلوا من الوطنية عصبية معادية للإسلام لمعاداتهم هم للإسلام لعدم انسجامهم مع الفكر الإسلامي.
والطرف المقابل أيضاً من الإسلاميين في الحركات الإسلامية السياسية ولضيق نظرتهم جعلوا منها خروجاً وانحرافاً عن الخط الإسلامي، وهذا بالنسبة لي مرفوض جملة وتفصيلاً.
إن الإسلام دين عظيم جداً، لهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تمثيلة ضمن نطاق حزبي ضيق لأي حزب كان، كون كل حزب لديه فكره وقراءاته الخاصة.
بالتالي فإن كل فرد منا نحن المسلمين يستطيع تمثيل الإسلام والالتزام به بشكل فردي، لكن وبذات الوقت سيجد أتباع ومناصري الحركات والأحزاب الإسلامية أنفسهم حبيسي جدران توجهاتهم الفكرية لحركاتهم واحزابهم التي ينتمون إليها، فنراهم يكفرون هذا ويغلطون ذاك، ولا يتقبلون إلا أنفسهم.
نستنتج من هذا بإن إسلامنا بحاجة الى فضاء حر ورحب ليتم تمثيله دونما قيد أو شرط لكي لا يتم تقزيمه وحصره ما بين بين، وهذا ما تطرقنا إليه سابقاً في قول الفيلسوف الإسلامي سوروش عن توافق الدين مع الديمقراطية.
وجود فتح قوية يختزل علينا الكثير من الوقت، ويقطع الطريق على من يفكر بإنشاء وتأسيس بديل وطني عنها، لهذا يجب علينا جميعاً بأن نعمل على أن تكون فتح قوية.