وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عمال الأمس... أبناؤهم أبطال اليوم!

نشر بتاريخ: 23/11/2022 ( آخر تحديث: 23/11/2022 الساعة: 12:46 )
عمال الأمس... أبناؤهم أبطال اليوم!



بقلم: د. صبري صيدم

ستبقى أوروبا مدينة باعتذار للبشرية قاطبة ليس فقط لأنها اختارت مؤخراً التنمر على عاصمة المونديال، بل لأنها نسيت أيضاً أن تاريخها كان حافلاً باستعمارها لدول الفقراء وأنها قد جاءت بهؤلاء الغلابة إلى أراضيها ليساهموا في بناء بناها التحتية وقصورها ومصانعها وشوارعها وجسورها وأنفاقها وأبراجها وفنادقها ومسارحها ومعارضها ومتاحفها وسجونها وقلاعها، وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال.

عمال الأمس وبعد أن أحضروا بالإكراه وعملوا في ظروف أوروبية لا آدمية، ومن دون بيئة قانونياً حامية لهم، حصلوا لقاء استعبادهم على جنسية الدول التي جاءت بهم. ومع مرور الزمن كبر أبناء هؤلاء فأصبحوا جزءاً أصيلاً من القوة العمالية، وركناً من أركان الفرق الرياضية بما فيها كرة القدم.

وعليه لم نعد نرى في الملاعب، وفي تركيبة الفرق الأوروبية إلا تنوعاً عرقياً كبيراً وكبيراً جداً، إذ يكفيك أن تشاهد مباراة لفرنسا أو بريطانيا أو إسبانيا أو ألمانيا أو البرتغال، إلا وتجد عدد اللاعبين من أصحاب البشرة السمراء يتفوقون على سكان الدولة الأصليين. وبذلك فإن أبناء عمال الأمس باتوا اليوم أبطال المشهد الكروي، نتابعهم، نحبهم، نعشق لعبهم ونكبر فيهم إنسانيتهم وتألقهم.

كل هذا وأوروبا ما زالت غارقة في دياجير التنمر على قطر، لقاء ما دوِّن في سجلها عن التعامل مع العمال الذين استقدموا لبناء منشآت المونديال على اختلافها، من دون أن تسمح أوروبا لنفسها أن تستذكر هي تاريخها المفعم بالجريمة والاستقواء والعبودية، ودونما أن تدين نفسها لما كانت ترتكبه من موبقات ومظلمات.

ولعل تصفح سجلات منظمة العمل الدولية، وتاريخ شعوب أوروبا، كفيل بفضح حجم النفاق والتضليل وازدواجية المعايير التي ينتهجها البعض في أوروبا في رفع البعض والنيل من البعض الآخر. ولعل ما قاله مؤخراً رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الأوروبي الجنسية والانتماء إنما كان كافياً لفضح تلك المواقف الفاقعة والمخجلة.

أما قضايا احترام ثقافات الشعوب ومعتقداتها فإن النفاق الأوروبي تراه في ذروته، فأوروبا تصر على التزام زوارها وشعوبها ولاجئيها بثقافاتها ومعتقداتها، لكن عندما تأتي لغيرها من الدول فلا قيمة لمبدأ الاحترام والالتزام، بل تصبح تلك الدولة مطالبة بأن تستبيح مقوماتها الاجتماعية وضوابطها الأخلاقية، حتى تتواءم ومتطلبات مستعمري الأمس. نعم نعتب على قطر أحياناً، لكن الأمر لا يخصها وحدها اليوم فقط، وإنما يعكس نهجاً متكرراً ومستداماً من الاستعلاء المقيت.

هذا الاستعلاء والتكّبر إنما هو دليل قاطع على استمرار سواد العقلية الاستعمارية والكولونيالية المقيتة لدى البعض الأوروبي، التي تقدس ذاتها على حساب الآخرين، بل ترى أنها أسمى من الشعوب التي حكمتها وسرقت ثرواتها ونفائسها وآثارها ذات يوم.

وبما أننا بصدد الحديث عن الآثار فإن زيارة واحدة لمتحفي اللوفر في باريس والمتحف البريطاني في لندن مثلاً، كافية لاستطلاع الشواهد السامية المنهوبة، التي تدلل على براعة الشعوب التي استعمرت ذات يوم، براعة واضحة في الهندسة والعلوم والطب والعلوم الإنسانية ومعالم الديانات السماوية، التي أكدت على مبادئ العدالة والأخلاق وسواسية البشر وحماية حقوقهم وصون معتقداتهم. فهل يحق لمن سرق تلك الشواهد والنفائس وعرضها في متاحفه، أن يعطي للبشرية دروساً في القيم والأخلاق؟!

إن ذاكرة الشعوب لم تمت بعد وهي كفيلة بأن تذكّر أرباب الاستعمار الأوروبي بأشكاله المختلفة بالمثل الإنكليزي الشائع: من بيته من زجاج لا يجوز له أن يلقي على الناس الحجارة! فهل يعتبرون خلال المونديال وبعده؟ فيتراجعون؟ ويعتذرون؟ ننتظر ونرى!