وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ثقافة القوة... ثقافة ضعف ليس إلا!

نشر بتاريخ: 01/02/2023 ( آخر تحديث: 01/02/2023 الساعة: 10:01 )
ثقافة القوة... ثقافة ضعف ليس إلا!


د. صبري صيدم

مع نشر هذه الكلمات سيكون قد مرّ على مذبحة مخيم جنين الأخيرة أسبوع تقريباً، ومعها سيكون الاحتلال الإسرائيلي قد اختار أن يعود إلى النمط التقليدي في التعامل مع التفاصيل اليومية لصراع استمر لعقود طويلة، أي أنه يختار وعن سبق إصرار وترصد، أن يواجه الفلسطينيين بثقافة القوة والدم والعدوان بهدف التطهير العرقي والتهجير ومحو الهوية.

هذا المنطق المأزوم لا يتخذه سوى من غلبه الاعتداد بالنفس وغرور الروح وشهوة الاعتداء ونزوة القوة وعقدة الجبروت. وهو ذاته من يشعر بأن جيشاً جراراً مسلحاً بصنوف الفتك على تنوعها، إنما يستطيع أن يهزم شعباً بأسره وإرادة تتعاظم في كل يوم!

هنا لا بد من أن أعود وأذكر بمقالي المعنون: مسألة وقت! والمنشور بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير 2023 والذي قلت في ختامه:
"المهم أن يعرف نتنياهو أن حربه على خصومه التاريخيين ستواجهها حرب مضادة تتحدى سقف توقعاته مع قوة الجيل الجديد وإصراره وانتمائه لأفكاره وتفانيه في خدمة رسالته، فقتل فلسطيني واحد من حيث الوقع والنقمة يساوي أضعاف الأثر الذي يتوقعه نتنياهو وحلفاؤه، وهو ما يخلق حالة النقمة المتصاعدة بانتظار البركان الذي سينفجر.. انفجاره مسألة وقت ليس إلا! ننتظر ونرى."

وعليه أعود وأكرر القول بأن «ميكانيزمات» الصراع قد تغيرت مع جيل جديد من الفلسطينيين، الذين لا يعرفون موانع ولا حواجز، ولا يرتبطون بأي اتفاقيات كانت، ولا تلزمهم حدود معينة. جيل يمتلك قوة دفع مهولة وإرادة حديدية تفوق التوقعات ورغبة جامحة على طي صفحة التاريخ، جيل يعتبر بأن ليس هناك شيء يخسره وأن روحه رخيصة في مقابل الحرية والخلاص.

وبهذا فإن المواجهة اليوم تختلف عن سابقاتها خاصة مع تصاعد العدوان على الشعب الفلسطيني والإصرار على زيادة تسليح المستوطنين، وهو ما سيقابل بسيناريوهات قد تصل إلى تفاصيل الحرب الأهلية من حيث انتقال الخصومة إلى مربع المواجهة المسلحة المباشرة.

ويضاف إلى هذا كله إصرار أركان الطيش السياسي الإسرائيلي على استمرار التنافس في ما بينهم على حساب الدم الفلسطيني، من دون الإقرار بعدم أهليتهم للحكم لا سياسياً ولا مهنياً، وتعاظم القناعة لديهم بأنهم أقوياء وأن تلك القوة إنما ستقودهم لتحقيق مبتغاهم.

نعم الفلسطينيون ليسوا أقل آدمية من أحد وسيثبتون حتماً بأن التاريخ سيتكرر في انتصار الحق على ثقافة القوة والتجبر والغطرسة، إلا أن هذا سيعني حتمية النزيف البشري والدموي المقبل، والذي تتحمل إسرائيل مسؤوليته إضافة إلى كل حلفائها والعالم الصامت والمتخاذلون العرب. لقد برهن تاريخ هذه المنطقة بأن الثابت الوحيد على الأرض هو الفلسطيني الكنعاني الأصيل، رغم تعدد الحملات والدول التي ظهرت وأفلت على أرض فلسطين، وأن ما من جيش وطأ هذه الأرض إلا وانكسر مهما طال الزمن وتعددت أشكال القوة. القوة التي أثبتت بثقافتها وأدواتها أنها شكل من أشكال الضعف ليس إلا، فهل يتعظ أولئك الذين تكتب لهم هذه الكلمات؟ أم ينتظرون حمام دم جديد؟ ننتظر ونرى!