وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحمار والتنين.. والقصف الرقمي!

نشر بتاريخ: 15/03/2023 ( آخر تحديث: 15/03/2023 الساعة: 11:38 )
الحمار والتنين.. والقصف الرقمي!



بقلم: د. صبري صيدم

أيام قليلة فقط تفصلنا عن الانتهاء من تنفيذ قرار الحكومة الأمريكية بالتخلص من تطبيق تيك توك الصيني من حواسيب وأجهزة المؤسسات الحكومية الأمريكية والعاملين فيها، خشية التجسس المزعوم للتطبيق على تلك الأجهزة، حسبما أوردته وسائل الإعلام الأمريكية.

وقد سبق هذا الموقف اضطراب متراكم للعلاقات الصينية الأمريكية، التي لم تسلم منها شركة «هواوي» وشركات صينية أخرى، والتي سبق أن تمكنت بدورها من تحدي شركات تقنية أمريكية متعددة، وفرض سباق تقني غير مسبوق عليها، أدى أحياناً إلى استسلام أمريكا أمام بعض الصفقات ومنها، استحواذ شركة «لونوفو» الصينية على شركات «أي بي أم» الأمريكية العريقة وغيرها الكثير.

وعلى الرغم من الحرب المحمومة التي شنها الرئيس الأمريكي السابق والمهزوم دونالد ترامب على الصين، محملاً إياها مسؤولية وباء كورونا والإخفاقات التجارية على اختلافها، وساعياً لمحاصرتها في ملفات سياسية وتجارية عدة، وصولاً إلى فرض قيود على حركة الملاحة والشحن أدت إلى ارتفاع تكاليف النقل من الصين إلى 6 أضعاف في بعض الأحيان، إلا أن التنين الصيني لم يكترث، وعاد لينطلق مؤخراً وفي كل الاتجاهات. الصين في البحر، والصين في السياسة، والصين في التجارة، والصين في الثقافة، والصين في العلم، والصين في التقانة، والصين في طعامنا.. تنين لا يهدأ ولا يستكين.

ويقابل هذا التنين بعظمته حمار أمريكي يمثل شعار حزب الديمقراطيين الحاكم في أمريكا، وعلى رأسه الرئيس بايدن، الذي استكمل مسيرة سلفه في حربه على الصين، فبتنا على موعد مستمر من حرب الحمار والتنين. أمريكا تفرض الحصار، والصين تبدع في كسره.. الحمار يقارع البحار والغواصات والأقمار الصناعية وعوالم النجوم والجغرافيا وتقنيات السلاح، والتنين يتمدد من كوريا الشمالية إلى الحرب الروسية الأوكرانية مروراً بطريق الحرير المتجدد وباكستان وافغانستان والشرق الأوسط ومنه إلى افريقيا قاطبة وصولاً إلى إيران والسعودية، حيث هندست الصين اتفاقاً تاريخياً أعادت من خلاله رسم خريطة التحالفات الأهم في العالم، خاصة في فضاء عائم على بحر من النفط ومنطقة مفعمة بذرات الألفا والبيتا والغاما النووية وتخصيب اليورانيوم وسباق التسلح المحموم.

ومع هذا وذاك جاء انهيار بنوك أمريكا ليعزز تفاصيل هذه الحرب وسطوة التنين، الذي يعمل أكثر مما يقول، مقابل من يقول أكثر مما يعمل، حتى اجتاح التنين تفاصيل حياتنا اليومية ليشعر الجميع في عالمنا بأن الصين إنما تستطيع أن تصنع عقلاً بشرياً كاملاً إذا ما أرادت.

وعليه فإن ثقافة التنين الصيني لا تقوم إلا على العمل، والتصنيع والهندسة والأتمتة والتحكم والسيطرة لا في مجالات العالم الرقمي فحسب، وإنما في عوالم التكتيك والسياسة والثقافة والبنى التحتية والتجارة والتنقيب والفلك والبيئة والطاقة النظيفة.

التنين لم يترك مجالاً إلا طرقه في العقود الخمسة الماضية، إلى أن دخل عالم التطبيقات الهاتفية «الإدمانية» التي لن يستطيع الحمار ولا غيره اقتلاعها.

وعليه فإن محاولة الإجهاز على التكنولوجيا الصينية وصولاً إلى التيك توك لن يكون ممكناً أبداً كون استخدام هذا التطبيق قد تجاوز حدود الإدمان، وعليه فإن أولئك الذين تمت دعوتهم لإفراغ حواسيبهم من التطبيقات الصينية، بدأوا في التعرف على البدائل التي تمّكنهم من الوصول إلى تلك التطبيقات، بما يشمل استخدام ما يعرف بـ»الشبكات الافتراضية الخاصة» ووسائل أخرى، من طورها يا ترى؟ نعم التنين من جديد! إذن لا ملاذ من التنين شاء من شاء وأبى من أبى… فهل نشهد سطوة أوسع للصين على العالم؟ ننتظر ونرى.