وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رجال اليوس...

نشر بتاريخ: 27/03/2023 ( آخر تحديث: 27/03/2023 الساعة: 10:36 )
رجال اليوس...

"إليوس ميكايل" فرنسي على وشك بلوغ الثمانين من العمر، يحمل اسما إغريقي الموسيقى والصدى، له جذور كتالونيه تشده في مستوى المشاعر والعواطف والثقافة نحو البر الإسباني،. يعيش في مدينة "بربنيان" في جنوب غرب فرنسا، ومن هناك يطل على نفسه وعلى فرنسا وكتالونيا ويستبطن الإغريق في ارض المجاز الفسيح.

"إليوس" أستاذ رياضيات ولغة اسبانية أيضا، متقاعد منذ زمن، لكنه حول التقاعد من تجربة في الانتظار المرير وضمور الفاعلية، لتجربة في الحيوية والنشاط والحضور الأنيق والمنظم في العوالم التي يتحرك فيها. و"إليوس" هو رجل يؤمن بالمهمة ويعمل على انجازها بكفاءة وهمة عالية مستفيدا من خبرته العملية والوجودية ومن إيمانه بها.

***

أنجب "إليوس" ثلاثة بنات وولدا ناجحين في حياتهم المهنية بارين بابيهم، ولما ذهب في غيبوبة لمدة أربعة أشهر-يقول عنها"اليوس" بأنها قد أعادت ترتيب وعيه وأدركه للحياة على نحو عميق-أبدى أبناءه استعدادهم للعناية به حيث هو، أو باستضافته عندهم أبد العمر، لكنه طمئنهم وأعفاهم من ذلك، وهو يتدبر أمره بهدوء وبنظام، ولديه طاقة فائضة كي يعتني بغيره أيضا.

يوم "اليوس" وغده واضحين منذ الأمس: صبحا وظهرا وليلا، يحترم قيلولة الظهر كطقس ولا يتخلى عنها ويقول بأنها تمنح المرء طاقة كي يصحو بذهن شاب متوقد، وينجز بعدها كل المهمات المركبة وتعهداته التي قطعها على نفسه.

***

شوارع مدينة "بربنيان" وناسها وأنشطتها تعرف "إليوس" ويعرفها، ينساب فيها ويحضر على طريقته الرقيقة، ويعتبر عموم الناس الذين يمر بهم رعايا أو معارف له، ويستطيع أن يستوقفهم ويقيم معهم حوارا عابرا أو طويلا يتشارك معهم فيه النقاش والرأي والموقف والضحكات.

عند "إليوس" طاقة على السرد والاسترسال فيه، و"مسرحة" القول والتعبير بصوت جاذب ومتجانس وكأنه مذيع، ويتوفر له دائما مستمعون يصغون له ويؤيدون ما يقول عموما، ويبتهجون بروح النكتة التي تتخلل كلامه، ولديه طاقة كي يحول الذين يسمعونه على تنوعهم وكأنهم رجاله له وهو في مجلسه. " إليوس" يجدد على طريقته مجالس الإغريق والمتوسط، وحيثما كان أو حل بمقدوره أن يصنع زوبعة تعارف اجتماعية إنسانية دافئة تجذب الانتباه والقبول، ويمر في حياة الناس على نحو كريم الروح والهمة.

***

"إليوس" رجل من عموم الناس لكنه يتصرف في حياته ويومياته والأمكنة واللحظات التي يمر بها كزعيم رقيق، ويعلمنا على نحو بالغ البساطة درسا في الحياة، هو درس الحضور الحيوي الرشيق المنفتح على أفق البهجة، ويمنع على نفسه ويحثنا أن نمنع على أنفسنا تحويل العمر والشيخوخة إلى "معتقل" نحصي فيه مرور الأيام بإحساس الخيبة والانتظار المتعب.

***

"إليوس" غني بنفسه وحضوره وبمحبات الناس وبما تيسر من رضا يعود به مما فعل، وحيث يتوجد يكون مجلسه المجازي، ويكون له رجال، هم "رجال إليوس".

-----------------------------------------------------------------------------------------

*كاتب وأستاذ جامعي من فلسطين.