وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

صعود حركة حماس في بيئة إقليمية ودولية متحركة/ بقلم :علي بدوان

نشر بتاريخ: 13/03/2006 ( آخر تحديث: 13/03/2006 الساعة: 19:49 )
مما لاشك فيه بأن الفوز الساحق لحركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي
الفلسطيني مؤخراً، لم يأت من فراغ، بل جاء في سياقات فلسطينية داخلية معروفة
تماماً، وفي سياقات اقليمية ودولية تركت بصماتها وآثارها الواضحة على الوضع في
المنطقة، وعلى مسار التسوية السياسية المتوقفة عملياً منذ سنوات، وتحديداً منذ
انفضاض مفاوضات كامب ديفيد 2 في تموز / يوليو 2000، التي اصطدمت بالجدار
المسدود.

كما أن الفوز المؤثر لحركة حماس وارتقائها سلم الموقع القيادي الوزاري
الفلسطيني في الداخل، كان بمثابة " الصاعقة " التي هزت مواقع القرار الاقليمية
والدولية، التي هرعت بعد أيام قليلة من استيعابها " لصدمة " الفوز الحمساوي
الى اعادة تقييم خطواتها السياسية، بل واعادة ترتيب أولوياتها، انطلاقاً من
المعطى الجديد الذي تأتى بفعل العملية الديمقراطية النزيهة وفي ظل انتخابات
شهد العالم بأسره على مدى نظافتها. وعليه كان الموقف الأبرز في هذا المجال
الدعوة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوفد حركة حماس لزيارة
الكرملين، واعلانه بأن حماس ليست " منظمة ارهابية ".

اذاً، مع انقشاع سحب العملية الديمقراطية الانتخابية التي جرت في فلسطين
مؤخراً، بدأ النشاط يدب داخل أروقة مصادر القرار الدولي، خصوصاً داخل أوساط
القرار السياسي الأمريكي، في محاولة لاستيعاب وتطويق النتائج التي قد تترتب
عليها لاحقاً العملية الانتخابية الفلسطينية. ولم تجد واشنطن حرجاً من طرح
الموضوع على جدول أعمالها المشترك مع الدول الأوربية والول ذات الوزن والحضور
في الخارطة العالمية، لجهة احداث الانقلاب السياسي على نتائج الانتخابات
وتطويعها بالاتجاه الذي تراه مناسباً.

فواشنطن تسل الآن سيف التهديد للحالة الفلسطينية وافرازاتها التي أعطتها انتخابات المجلس التشريعي وللنظام السياسي الفلسطيني في تركيبته الجديدة المنبثقة عن انتخابات 25/1/2006، وتعمل على استيلاد مصطلح جديد أسمه "
حكومة مارقة " والمقصود أية حكومة تشكلها حركة حماس بعيداً عن الاستجابة لشروط
الولايات المتحدة، والتهديد بوقف المعونات الاقتصادية المادية والمالية للسلطة
الوطنية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية في القدس والضفة
الغربية وقطاع غزة، وتشجيع حكومة شارون / أولمرت لابقاء الحجز على الأموال
المستحقة من جباية الضرائب التي تعود للسلطة الوطنية الفلسطينية بالرغم من
الافراج المؤقت عن كميات قليلة منها مؤخراً، بحيث لم تتعدى سقف الـ 45 مليون
دولار من أصل أرقاماً مالية تفوق الرقم المذكور بعدة أضعاف.

وبالرغم من الخطاب الايجابي البراغماتي المسؤول، والتصريحات المتوازنة التي
أطلقتها حركة حماس على لسان العديد من رموزها في فلسطين والشتات، والداعية الى هدنة طويلة المدى مع الاحتلال الاسرائيلي، والى بناء حوار ايجابي مع الادارة
الأمريكية وفتح القنوات معها بشكل علني بدلاً من ابقاءها في فلك كواليس
الدبلوماسية السرية، الا أن الأخيرة بادلت الموقف الحمساوي الفلسطيني بمزيد من
لغة الاستكبار والطغيان، وبالخطاب السياسي العدواني الفج، الملىء بمفردات
الانحياز لدولة الاحتلال الاسرائيلي.

ان الولايات المتحدة الأمريكية تحاول تأليب العالم والبعض من دول الاتحاد
الأوربي وروسيا على وجه الخصوص ضد نتائج الانتخابات الديمقراطية الفلسطينية
وصعود حركة حماس، ولكن يخطىء من يعتقد بأن دول الاتحاد الأوربي، تابعاً
مجانياً تحت النفوذ الأمريكي الكامل. فأوربا لها مصالحها في المنطقة أيضاً،
وتنطلق في مواقفها من حساباتها أيضاً وليس لحسابات أمريكية بحته، وأولى خطوات
الافتراق الروسية عن الموقف الأمريكي نلحظها من خلال تصريحات الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين حين رفض توصيف حركة حماس باعتبارها منظمة ارهابية.

وانطلاقاً من هذا المعطى علينا أن نتوقع حدوث افتراقات متتالية بين الموقفين الأمريكي
والأوربي في ظل الخطوات العقلانية لحركة حماس وحرصها على تصدر الموقف الرسمي
الفلسطيني استناداً الى حكومة مشاركة وطنية تعمل على انجازها بالتعاون مع كل
القوى الفلسطينية.

ان النتائج التي أفرزتها الانتخابات الفلسطينية للمجيس التشريعي، سواء رضي أم
لم يرض بها البعض في مراكز القرار الدولية المؤثرة، فانها تدفع الأوربيين
للحذر من تحمُّل مقاطعة حماس أو ترك الأمور بيد أميركا وإسرائيل.

فالرأي العام الفلسطيني الذي كان مع السلطة الوطنية الفلسطينية رغم مشكلاتها الكثيرة، هو من أنتخب حركة حماس. ففي الوقت الذي بدأ فيه الإسرائيليون وبخاصة من صفوف اليمين الصهيوني، يزايدون في مهاجمة حركة حماس أملين الحصول على أصوات أكثر في الانتخابات القادمة للكنيست السابعة عشرة المقرر اجراؤها في مارس / آذار
2006، سارع الأميركيون للتضامن مع إسرائيل، ومطالبة حركة حماس بالاعتراف بها،
وإلقاء السلاح بحسب اتفاقيات أوسلو، بعد أن صارت في موقع المسؤولية الأولى عن
السلطة الوطنية الفلسطينية.

وبالطبع فان القول المشار إليه لايعني البتة بأن دول الاتحاد ومجمل الدول
الأوربية تنهج جميعها سلوكاً سياسياً عادلاً على درجة مقبولة بشأن قضايا العرب
في صراعهم مع الاحتلال التوسعي الصهيوني.

لكن علينا أن نلحظ بأن تطور الدور الأوربي يرتبط بالضرورة بالتطور الموازي على الجانب الفلسطيني ككل من حيث تقديم حركة حماس خطاباً سياسياً متوازناً يأخذ بعين الاعتبار الوقائع القائمة على الأرض، وينزع المبررات التي تسوقها الادارة الأمريكية بشأن حركة حماس ذاتها، التي تصنفها الولايات المتحدة باعتبارها حركة ارهابية أصولية، ونسخة
فلسطينية أسمها " حماستان " من " طالبان أفغانستان " كما هو حال مجموعة
أبومصعب الزرقاوي.

وعليه فان تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في القاهرة مؤخراً، والتي أكد فيها " التزام حماس بالاستحقاقات الدولية المترتبة على السلطة الفلسطينية والاحتفاظ بحق المقاومة المشروعة " تشير الى تمايز التيار الاسلامي الفلسطيني المقاوم عن التيارات الاسلامية المتطرفة، كما يشير الى اللغة
المسؤولة التي بدأت تعطي اطلالاتها على لسان القيادات الأولى في حركة حماس.

وعلى الدائرة الأوسع، يمكن القول مع بروز أشكال من التباين بين واشنطن ودول
أوروبا الغربية بشأن نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية والعلاقة مع حركة
حماس، بأن التقاء المواقف وتقاطعها بين دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة
تجاه قضايا الموضوع الفلسطيني والشرق الأوسط وحتى العالم بأسره، يصاحبها
واقعياً على مدايات زمنية تعارض في المصالح، لذلك من غير المؤكد أن يتطور
الدور الأوروبي بشكل عملي دون دور عربي يعيد ربط المصالح العربية ـ الأوروبية
من جوانبها المختلفة، ويضعها على سلم الأولويات، وإلا فإن الدور الأوروبي
سيبقى أسير الحركة السياسية غير المنتجة.

ان الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن والمجموعة الصقرية التي تحيط به
وعلى رأسها نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد صاحب تصريحات
" أوروبا العجوز " تكشف الغطاء عن سياستها، فهي تريد أيضاً كما قال المفكر الأمريكي روبيرت كاغان " أن تطبخ الولايات المتحدة الطبخة، وأن تقوم أوروبا بغسل الأطباق"، حيث انطلقت السياسة الأمريكية في العقد الأخير من القرن الماضي لتهميش دور أوروبا في المنطقة وإبقائها " قزماً سياسيا ً" وبنفس الوقت " ممولاً عملاقاً " فدول الاتحاد الأوربي تعتبر الممول المالي الرئيسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، بينما لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية سوى 1,3 مليار دولار من الدعم المالي للسلطة الفلسطينية طوال عقد من الزمن، في الوقت الذي اتضخ فيه دول الاتحادالأوربي مايقارب 900 مليون دولار بمعدل وسطي سنوياً لصندوق السلطة الوطنية الفلسطينية منذ العام 1995.

ومن هنا نستطيع القول بأن الولايات المتحدة تسعى لدفع دول الاتحاد الأوربي لاستخدام " هراوة " التمويل المالي للضغط على أية حكومة فلسطينية ستتشكل على يد وبقيادة حركة حماس، بدلاً من توفير الدعم المالي المفترض للكيان الفلسطيني بغض النظر عمن يقود حكومته.