وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

تحدّيات تواجه الحكومة الجديدة

نشر بتاريخ: 14/04/2024 ( آخر تحديث: 14/04/2024 الساعة: 12:57 )
تحدّيات تواجه الحكومة الجديدة





يعلم الجميع بأنّ هذه الحكومة تشكّلت في ظروف استثنائية وغير طبيعية، والجميع يعلم بأنّ تشكيلها هو مطلب وطني قبل أن يكون نتيجة ضغوطات دولية، وجميعنا يعلم أنّ الرؤية حول الوضع لهذه الحكومة والتي من المتوقع أن تضع قريباً برنامج عملها وفق معطيات غير واضحة وغير ثابتة، لا زالت ضبابية، بمعنى أنها حكومة المتغيرات المستمرة والمفاجآت المحتملة، هي أيضاً حكومة ما قبل تحقيق الوحدة، وحكومة ما قبل انتهاء العدوان، كما أنها حكومة ما قبل الاتفاق على كيفية إعادة الإعمار بتفاصيله، هي حكومة تشكلّـت من وجوه جديدة غير مألوفة، غير سياسية، بل تكنوقراطية، بمعنى فنية ومهنية..هي حكومة مشكّلة، كبداية، لإدارة الأمور في جميع أرجاء الوطن، خاصة في غزة، حكومة ستعمل على غزة من جميع النواحي دون توفر مقرات ولا بنية تحتية ولا حتى اتفاق على آلية لكيفية ممارسة عملها، هي حكومة منتقدة قبل أن تبدأ بممارسة عملها، بل وقبل أن تؤدّي القسم أمام فخامة الرئيس، هي حكومة ضمّت وزراء دون خبرة، ودون احتراف سياسي، إلّا من عدد قليل منهم، هي حكومة روهن عليها بأنها ستتمكن من ضبط الأمور، ومعالجة الكوارث، وتحسين أوضاع أهلنا في غزة من جميع النواحي، هي حكومة بدأت أو ستبدأ العمل دون توفر الميزانيات اللازمة لتتمكن من القيام بعملها، هي حكومة فاقت كل الحكومات بتركيبتها وتكوينها غير المعهود، هي حكومة غير فصائلية ولا يغلب عليها الطابع الفتحاوي، هي حكوم مستقلة، أهم ما يميزها هو غياب وجه ألفناه منذ العديد من السنوات، حيث جاءت حكومات عدّة، وكان ذلك الوجه ثابتاً لا يتغير، بحيث أصبح الجميع يهمز ويلمز ويجتهد في سر بقاء ذلك الوجه، هي حكومة الفرج الذي يتوقعه الشعب منها، هي حكومة مطلوب منها القيام بالمستحيل، أو أقله بشبه المستحيل، ضمن معطيات المرحلة، هي حكومة يقودها رجل لا يختلف عليه اثنان من ناحية عقله المهني واحترافيته وعمله بصمت، هي حكومة استبعدت كثيراً من المستوزرين من أصحاب النفوذ وغيره، هي حكومة كحكومات الدول الغربية، وليست تقليدية كما اعتدنا عليه، هي حكومة الوجوه الجديدة التي لا نعرف بعد مستوى أدائها أو خيرها من شرها.
هذه الحكومة ستواجه تحدّيات تضمنتها المقدمة وأخرى يصعب حصرها، أولاً لكثرتها، ثانياً لجدليتها، ثالثاً لاختلاف وجهات النظر حولها. فبالإضافة إلى أنها تواجه واقعاً سياسياً صعباً يبدأ بخطط ومشاريع اليمين الإسرائيلي، ومعارضة الاحتلال عملها ورفضه أن يكون لها أيّ دور في غزة، هناك العديد من التحدّيات التي تواجهها هذه الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد مصطفى، المعروف بأنه صاحب العقل المستنير والنابغة في مجاله، وعلى الرغم من معرفتي مسبقاً بأنّ الكتابة بهذا الموضوع هو سيف ذو حدين، ولكن لا بد من أن نكتب بمصداقية، وقد يحتمل اجتهادنا الخطأ.
يمكن تقسيم التحدّيات الى تحدّيات خارجية وأخرى داخلية، التحدّيات الداخلية كثيرة، منها: استمرار الاحتلال، استمرار العدوان على غزة بما فيه من حرب إبادة للسكان والتدمير الشامل للبنية التحتية وجميع المباني، البعد الجغرافي عن غزة، تنصّل إسرائيل من الاتفاقيات، عدم ثقة الرأي العام الشعبي الفلسطيني بالحكومة المشكّلة وحكمه عليها بصورة مسبقة، بل عدم مبالاته، ما تواجهه الحكومة من رفض فصائلي خاصة من قبل حماس، وإصراراها على تعطيل عمل الحكومة على الرغم من أنها حكومة تكنوقراط، يعتبر تحدّياً أيضاً.
كما تواجه السلطة أزمة مالية خانقة ووضع مالي في غاية السوء، نتيجة لتراكم الديون على السلطة وتبعات الوضع في غزة، يعزّزها غياب الدعم العربي مالياً، وانعكاسات ذلك على قلة الرواتب أصلاً، وعلى عدم تمكّنها من دفعها كاملة بالأحوال العادية، حيث أنّ تأمين الرواتب القليلة أصلاً يشكّل تحدياً كبيراً للحكومة، والذي سيكون له تأثير على شعبيتها ودعمها من قبل المواطنين، الذين يشكون من قلة الحال، الأمر الذي أدّى الى تقليص الأطباء وطاقم التمريض دوامهم، والدوام الجزئي لبعض الموظفين، وعدم رضى المدّرسين الذين وعدوا بزيادة رواتبهم. وزاد الأمر سوءاً الاقتطاعات الكبيرة لإسرائيل من أموال المقاصة واشتراطها عدم تحويل أموال لقطاع غزة، والذي زاد من الضائقة المالية ومن أزمة الرواتب، وهذا تحدّي كبير، فيجب على الحكومة أن يكون لها دوراً فاعلاً في حل الأزمة المالية، وأن تجد حلّاً جذرياً لحجز إسرائيل أموال المقاصة من حين إلى آخر. ومن التحدّيات الداخلية أيضاً الحرب على الضفة الغربية واستهدافها، والحصار عليها والاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين والجيش، الأمر الذي يجعل حماية المواطنين من استفزازات المستوطنين تحدّياً آخر يكمن في مدى قدرة الحكومة على توفير الحماية للشعب.


وعلى الرغم من أنّ رئيس الحكومة يعتبر رجل اقتصاد من الطراز الأول، إلّا أنّ التحدّي الذي يواجهه في النهوض بالاقتصاد وجلب الاستثمارات في ظل الظروف والبيئة الطاردة للمستثمرين كبير. وضمن هذا السياق فإنّ إحدى التحدّيات التي تنعكس على الاقتصاد الوطني هي حل قضية العمال الذي يعملون في إسرائيل والمستوطنات.
كما تواجه الحكومة تحدّياً هاماً على الصعيد الداخلي، وهو تفعيل الحوار الوطني نحو تحقيق الوحدة الوطنية، وذلك بتغيير الأسلوب والاستراتيجية، حيث أنّ من أهدافها كسر الجمود بين الفصائل التي تختلف في وجهات نظرها، الأمر الذي يعتبر صحياً ويعبّر عن كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، وبما أنّ هذا الموضوع يعتبر شائكاً، فلا بد من الاستعانة بمدخلات ما يقال له ب Think Tanks ومراكز العصف الفكري ومراكز الأبحاث المتخصصة.
إمّا الإعلام الفلسطيني، فيجب أن تعمل الحكومة على إحيائه على أسس حديثة، وأن يخرج من عباءة الإعلام والنهج التقليدي.
أما التحدّيات الخارجية تتمثل بما يلي: الفتور الدولي والإقليمي في التعامل مع الحكومة قبل تشكيلها، التعامل مع قطار التطبيع أو إيقافه، متابعة الدول التي أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التردّد العربي والدولي في تمويل عملية إعادة الإعمار من دون إحداث إصلاحات حقيقية وملموسة في بنية السلطة.
ومن التحدّيات الخارجية العلاقات الدولية، فلا بد للحكومة من رفع مستوى العلاقات مع الدول العربية وعلى مستوى رفيع، والتشاور الفوري حول الأحداث الجارية وتبادل الآراء، وألّا يقتصر عملها على المهام البروتوكولية، وذات الشيء ينطبق على الدول الأفريقية، والتي يجب أن تفتح معها قنوات تشاورية فاعلة على أعلى المستويات، خاصة أولئك الذين تجمعنا بهم علاقة تاريخية تعود إلى زمن حركات التحرّر، حيث أنهم سندنا وذخرنا المنيع. أمّا العلاقة مع الدول الأوروبية، فلا بد من تكثيف الاتصالات والحوارات الصريحة والمباشرة معهم، ومن التحدّيات الدولية أيضاً هو كيفية إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة، وتقوية العلاقات مع كل من روسيا والصين، ويجب أن يكون هناك برنامجاً مدروساً ومحكماً وخطة للاتصال مع شعوب العالم التي وقفت مع الشعب الفلسطيني في أزمته الأخيرة المتمثلة بالعدوان على غزة، والتي طالت مدن وقرى الضفة الغربية، في محاولة لإقحامها وإعطاء ذريعة لإسرائيل لتوسيع حربها. كما يشكل تفعيل دور السفارات والجاليات الفلسطينية في الشتات تحدّياً آخر ومهماً، ويحتاج إلى إعادة النظر بصورة شاملة.
على الحكومة أن تضع خطة إغاثية، وأن تقود جهود التعافي وإعادة الإعمار في الضفة وقطاع غزة، وأن تقوم بإنعاش الاقتصاد، وأن تضع الخطط وآليات التنفيذ لإعادة توحيد المؤسسات، وأن تحارب الفساد، وأن تقدم مستوى عالي من الخدمات، وعليها أيضاً أن تعمل على تمكين الجهاز القضائي، وكذلك أن تحضّر لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في المحافظات بما فيها القدس.
كما أنّ نجاحها في تنفيذ بنود تكليفها، يتطلب وجود توافقات داخلية تستند إلى رؤية وطنية ومجتمعية مشتركة، بحيث تأخذ بالاعتبار توحيد طاقات الشعب الفلسطيني، وتحمل توجهات جادة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
هل ستنجح الحكومة في أداء مهامها وتنفيذ ما جاء في كتاب التكليف على الرغم من التحدّيات الكثيرة والصعوبات التي تواجهها؟ لا يمكن الإجابة على هذا التساؤل الآن، ويجب التروي والتأني وإعطاء الحكومة الفرصة والوقت اللازمين للعمل، بل وتقديم كل العون والدعم لها من جميع النواحي.