![]() |
حملة ترامب ضد البحث العلمي هي فرصة للعرب
نشر بتاريخ: 20/02/2025 ( آخر تحديث: 20/02/2025 الساعة: 13:38 )
![]()
ربّ ضارة نافعة، فحين يشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حملة شرسة لتقليص الإنفاق على البحث العلمي، ما يؤدّي إلى إبطاء تطوّره وإلى إضعاف المؤسسات التي تقوم به، تصبح الولايات المتحدة أقل جاذبية للعلماء، وتنفتح أمام العالم العربي فرص جديدة لإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة، بمستويات عالية لا تقل عن نظيراتها الأمريكية والأوروبية والشرق آسيوية، تجتذب إليها طاقات علمية، بعضها من ضحايا حملة ترامب لإخضاع البحث العلمي لأجندته ولسياساته الرأسمالية المتوحّشة. طفرة علمية عربية هي أمر ممكن، لأن الرأسمال العلمي العربي موجود، هناك رأس وهناك مال، والمطلوب الجمع بين الاثنين وإنهاء حالة الجفاء والقطيعة بينهما، التي هي من أهم أسباب التخلّف النسبي للبحث العلمي في العالم العربي. مراكز بحثية متطوّرة يمكنها أن تستقطب طاقات علمية عربية وغير عربية وتساهم في النهوض في إنتاج ونشر المعرفة العلمية والابتكار التكنولوجي واستخداماته. حملة ترامب ضد البحث أوكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الملياردر أيلون ماسك وزارة «كفاءة الحكومة»، ومهمها زيادة النجاعة وخفض الإنفاق الحكومي ووقف ما يسمى «التبذير» وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وإغلاق مؤسسات كاملة «فائضة عن الحاجة». وكالثور الهائج بدأ ماسك مهمته محاولا إثبات أنه ينجح في تقليص الصرف الفيدرالي بالمليارات، مدعيا أن بإمكانه توفير 2 تريليون دولار سنويا. وانقضت حملة ترامب – ماسك على واحدة من أهم مؤسسات دعم البحث البيوميديكالي في العالم وهي «المؤسسة الوطنية للصحة ـ إن.آي.إيتش»، التي وصلت ميزانية الدعم التي أنفقتها العام الماضي إلى 32 مليار دولار. وادّعى ماسك أن المؤسسات البحثية تقتطع 60% من منحها لصالحها، ولا يبقى للبحث نفسه، وفق الادعاء، سوى 40% المبلغ الذي منحته «المؤسسة الوطنية للصحة». وبناء عليه أصدر قرارا بأن يكون سقف الاقتطاع لصالح «المصاريف العامة غير المباشرة» لأي بحث لا يتجاوز نسبة 15%. ويعني ذلك «توفير» ما يقارب 4-5 مليارات دولار سنويا. لقد قررت محكمة فيدرالية تجميد القرار، لكنّها لم تلغه، ومن المؤكّد أن إدارة ترامب لن ترفع يدها وستحاول بشتّى الطرق خفض الإنفاق الحكومي على البحث العلمي. ويأتي ذلك ضمن ثلاثة سياقات:
*الثالث، يسعى ترامب إلى فرض «الترامبيزم» والأجندة اليمينية المحافظة على الجامعات، من خلال التهديد بقطع الميزانيات عنها وفرض عقوبات عليها. فالجامعات التي «تساهلت» برأيه مع الاحتجاجات ضد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزّة يجب أن تعاقب. وكذلك بدأت إدارة ترامب بقطع الدعم عن مؤسسات تعليمية تلزم بالتطعيم المضاد لكورونا، وكذلك بحجب الميزانيات عن تلك التي تعتمد سياسة «التنوّع والعدالة والاندماج»، التي تفتح المجال أمام الفئات المستضعفة للحصول على تعليم جامعي. ويدعي ترامب أن هذا يأتي على حساب «الرجال البيض والكفاءة». ما المشكلة؟ تحصل مراكز الأبحاث الأمريكية على ميزانيات حكومية فيدرالية للبحوث في مجالات العلوم الأساسية، وتقوم الشركات بالاستثمار في مشاريع التطوير والابتكار لإنتاج تكنولوجيا وسلع جديدة. القرار بفرض تقليص على «الصرف غير المباشر» في المؤسسات البحثية في الجامعات والمستشفيات، يؤدّي في أحسن الأحوال إلى إبطاء تطور ابتكار علاجات جديدة للأمراض. لكن المشكلة أكبر بكثير، فميزانية البحث غير المباشرة تغطّي نفقات المؤسسة على تنفيذ البحث من مختبرات وأجهزة وصيانة وإدارة ورواتب وغيرها. تقليص نسبة هذه الميزانية إلى 15% فقط سيضعف قدرة بعض المؤسسات البحثية، خاصة الصغيرة منها، على القيام بالأبحاث، وقد يؤدّي إلى تسريح آلاف الباحثين، وإلى وقف مشاريع بحثية وحتى إغلاق قسم من المؤسسات بالكامل. من الناحية العملية، وفي مجال العلاج الدوائي، تؤدّي سياسة ترامب إلى حجب تطوير أعداد كبيرة من الأدوية والتقنيات الطبية، وبالتالي تسبب ضررا مباشرا للملايين من البشر في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم كافة. القطاع الخاص لا يحل المشكلة لأنّه معني، بطبيعته، بالمراحل الأخيرة من المسيرة البحثية، التي تنصب على ابتكار الأدوية وتدر الأرباح. كما أن القطاع الخاص لا يتعامل «مجانا» مع ما يسمّى «الأدوية اليتيمة»، لأنها غير مربحة، ومنها مضادات حيوية فعّالة ضد بكتيريا «عنيدة»، لكنّ استعمالها محصور بالحالات المستعصية، القليلة نسبيا، وبالتالي مبيعات أدويتها محدودة وغير مغرية لشركات الأدوية. انحسار مشاركة الحكومات وتوسيع دور القطاع الخاص في مجال البحث العلمي عموما، وفي مجال الصحة على وجه الخصوص، يزيد من خضوع عملية تطوير المجال الصحي لمعادلات الربح، ما يؤدي إلى أضرار كبرى لصحة الأفراد والمجتمع. الفرصة العربية الانقلاب الدراماتيكي في سياسات البحث العلمي في الولايات المتحدة، يتسبب في هزات ارتدادية محلية وعالمية. ويبدو أن عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال من باحثين وفنيين سيفقدون عملهم. وعبّر عدد من مديري المستشفيات والجامعات عن خشيتهم من حالة «عدم اليقين» بالمستقبل التشغيلي في أقسام البحث في مؤسساتهم. ويدفع هذا التطوّر إلى تبريد حمّى هجرة الأدمغة، فمن كان يغريه الانتقال «بدماغه» إلى الولايات المتحدة، سوف يتردد كثيرا، كما من المتوقّع أن يشعر الباحث الأجنبي بعدم الاطمئنان البحثي والوظيفي، ما قد يدفعه للتفكير في العودة إلى بلده الأصلي أو إلى موقع جديد آخر. هذه الحالة هي فرصة ذهبية للعالم العربي للقيام بحملة واسعة لتطوير البحث العلمي، واجتذاب علماء عرب مهاجرين ووقف هجرة الأدمغة، وإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة جديدة ورفع مستوى المراكز القائمة. لقد أقيمت في الدول العربية مؤسسات بحثية رائدة ومهمّة مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في السعودية، و»مؤسسة قطر»، و «المركز الوطني للبحث العلمي» في المغرب، و»المركز القومي للبحوث» في مصر. ولكن هذا «الوجود» البحثي العربي غير كاف بالمرة، ليس قياسا بالعالم فحسب، بل بميزان القدرات والطاقات العربية، من حيث الموارد المالية والبشرية. |