وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من المخيم إلى المخيم الصورة واحدة

نشر بتاريخ: 23/04/2025 ( آخر تحديث: 23/04/2025 الساعة: 14:16 )
من المخيم إلى المخيم الصورة واحدة

بقلم: د. صبري صيدم

في مخيم اليرموك وقبل أيام شاهدنا بأم أعيننا كيف يجتمع الموت والركام والبؤس والفقر والتشريد، ليقابلها كمّ لا ينتهي من الإرادة والإصرار وحب الحياة، وفي غزة وجنين وطولكرم ونابلس وطوباس ورام الله وبيت لحم والعديد من المخيمات الجريحة داخل الوطن وخارجه، يشهد العالم أجمع تكرار المشهد ذاته، وكأن النكبة والتشريد هما مصير الشعب الفلسطيني طال الزمن أم قصر.

وبين هذا وذاك يقف العالم المتفرج عاجزاً أمام جبروت الاحتلال، بينما يغرق البعض القليل في إعداد الخطط التي تقود نحو تصدير الفلسطينيين إلى الشتات من جديد، في مشروع تهجيري متكامل قائم على مجموعة من الحيل والتقليعات.

عالم شاءت الأقدار أن يمنح لإنسان ما في هذا العالم حقوقاً شتى لا يوفرها للفلسطيني، في مشهد سيريالي حافل بالتناقضات، تناقضات يجد لها البعض مبررات واهية تسقط عندها منظومة القيم الآدمية.

المخيم على ما يبدو، لا يحتفظ بمخزون الرواية الفلسطينية فحسب، وإنما يشكل منصة لتذكير البشرية بالسقوط الأخلاقي، الذي سمح بولادة المخيمات على تعددها واستدامتها، من دون حل عادل وجذري للقضية الفلسطينية.

وفي مخيم اليرموك وسائر المخيمات تتأثر وبشكل ملحوظ حياة الناس بحالة عدم الاستقرار، وعدم وجود فرص للعيش بأمان، ليأتي الدمار على منازلهم المتعبة، وفتات حياتهم وحتى كتب أبنائهم، في إطار القناعة الكامنة لدى غزاة العصر، أياً كانت وجوههم وقلوبهم، بأن التجهيل والتخلف والحرمان، إنما تشكل مجتمعة سلاحاً حاداً مخصصاً لتركيع الفلسطيني، وإخضاعه لسطوة السيف، في مقابل العلم والقلم، لكن بقايا المخيم وركامه وحكاياته، إنما تشكل وعلى النقيض، هرموناً متجدداً وفيتاميناً دسماً يشجع الفلسطيني على العودة إليه، والعيش من تحت ركامه وفوق بقايا حطامه.

هكذا تماماً هو المشهد الذي تراه في مخيم اليرموك ورآه العالم في مخيم جنين إبان الانتفاضة الثانية، وسيراه حتماً في مخيمات أخرى، وكأن العودة إلى المخيم تشكل عرضاً تجريبياً (بروفا) للعودة الكبرى، وعليه ليس من الغرابة ان تجد هناك بقايا دكان أو مخيطة أو ملحمة أو حتى مؤسسة قد عادت مجتمعة إلى الحياة، ولو بإمكانيات متواضعة، بحثاً عن الخبز الكريم، والكرامة الأكرم من كل التفاصيل المادية.

أما مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك ففيها أم العبر، شهداء ينتمون إلى فصائل متعددة، اختلفوا تنافروا وتباعدوا في حياتهم إلا أنهم عادوا ودفنوا بعد أن ارتقوا في محطات النضال على تعددها، في المقبرة ذاتها، ليأتي الغربان فيقصفون القبور على من فيها دونما تمييز بين هذا وذاك، فهل في مقابر شهدائنا ومراقدهم وفي إطار الوحدة الوطنية، عبرة لمن يعتبر؟

وهل في مخيماتنا ذاتها ينتقل الأمل من مراحل المراوحة إلى مراحل الحضور المؤثر، تمهيداً لزوال الليل والغمة وكرب الأيام؟ ننتظر ونرى

s.saidam@gmailcom