![]() |
في يوم العمال العالمي : الحرب الوحشية تدفع العمال الفلسطينيين نحو الجوع والفقر والبطالة
نشر بتاريخ: 30/04/2025 ( آخر تحديث: 30/04/2025 الساعة: 09:56 )
![]()
يأتي عيد العمال العالمي هذا العام في ظروف استثنائية هي الأصعب في تاريخ الحركة النقابية والعمالية الفلسطينية وتاريخ المسيرة الوطنية، بعد ان دخلت الحرب الوحشية ، التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة ، كما الضفة الغربية بما فيها القدس ، شهرها العشرين دون مؤشرات على اقترابها من النهاية ، رغم المحاولات المتعددة التي يبذلها الوسطاء العرب والدوليون . فالحرب تتواصل وتحصد ارواح عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين وتدمر بنيتهم التحتية ومرافقهم الاقتصادية وتدفع بالعمال الفلسطينيين نحو الجوع والفقر والبطالة . سوق العمل كما يؤكد الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، يعيش هذه الأيام أزمة غير مسبوقة في ظل هذه الحرب ومئات الآلاف من العمال الفلسطينيين يفقدون أعمالهم ، سواء في المشاريع الاسرائيلية أم في المشاريع الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة . فقد كان عدد العمال الفلسطينيين الذين يعملون في المشاريع الاسرائيلية قبل هذه الحرب نحو 248 ألف عامل، منهم 200 ألف يحملون تصاريح عمل رسمية ونحو 48 ألفًا يعملون بشكل غير قانوني دون تصاريح. كان هؤلاء العمال ، حسب سعد ، يشكلون عصبًا مهمًا للاقتصاد الفلسطيني وكانت رواتبهم الشهرية حسب تقديرات البنك المركزي الإسرائيلي تصل إلى مليار و350 مليون شيقل . هذا كله توقف في ظل هذه الحرب ، التي القت ايضا بظلالها على سوق العمل الفلسطيني بعد ان منعت سلطات الاحتلال هؤلاء العمال من التوجه الى أعمالهم في المشاريع الاسرائيلية ، سواء في الداخل ام في المستوطنات ، التي أقامتها دولة الاحتلال في طول الضفة الغربية وعرضها . أبعد من ذلك القت هذه الحرب بظلالها على قطاعات اقتصادية واسعة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد ان مزقت سلطات الاحتلال البلاد الى معازل تحاصرها البوابات الحديدية والحواجز العسكرية والسواتر الترابية ، التي فاقت آعدادها حسب معطيات مؤسسات تابعة للأمم المتحدة نحو 900 بين بوابة وحاجز وساتر ، شلت قدرة الاقتصاد الفلسطيني حتى عن التكيف مع ظروف الحرب . الأمر الذي فاقم مشكلات البطالة فبلغ عدد العاطلين عن العمل وفق تقديرات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين نحو 507 آلاف عامل، من بينهم 248 ألفًا فقدوا عملهم في أراضي الـ48، ونحو 100 ألف فقدوها من عمال الضفة الغربية ، بينما تتوزع بقية الأعداد على قطاع غزة. وبفقد عشرات آلاف العمال الفلسطينيين لأعمالهم بعد السابع من أكتوبر 2023، دخل هؤلاء العمال حسب عدد من القيادات النقابية الفلسطينية في أزمة معيشية حادة، نتيجة انعدام الدخل وغياب نظام وطني للحماية الاجتماعية ، وازداد الواقع المعيشي سوءًا في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد والسلع الاستهلاكية الأساسية، ما فاقم من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء العمال . وبطبيعة الحال كان وضع العمال الفلسطينيين أفضل قبل هذه الحرب ، فقد بلغ عدد العاملين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 1.16 مليون عامل، منهم 868,000 عامل من الضفة الغربية، ونحو 292,000 عامل من قطاع غزة. وكانت معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تشير إلى ارتفاع عدد العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين يعملون في المشاريع الإسرائيلية، في الداخل الإسرائيلي وفي المستوطنات من نحو 51,000 عامل سنة 2013 إلى ما يزيد على 178,000 عامل في الربع الثالث من سنة 2023 ، أي عشية الحرب على قطاع غزة، بواقع 153,000 عامل من الضفة الغربية، و25,000 عامل من قطاع غزة، يعمل معظمهم في قطاع البناء والخدمات والزراعة ، وهو ما يشكّل نحو 20% من إجمالي القوة العاملة الفلسطينية . وكانت مختلف المعطيات تشير أيضا إلى معاناة القوى العاملة الفلسطينية بفعل نسب البطالة المرتفعة وخصوصاً في قطاع غزة عشية الحرب، إذ بلغ معدل البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بين المشاركين في القوى العاملة نحو 24%. وكان التفاوت في معدل البطالة بين الضفة الغربية والقطاع كبيراً ، إذ بلغ 45 % في القطاع ، ونحو 13% في الضفة الغربية . وكانت معدلات البطالة هذه تشكّل التحدي الأكبر ، خاصة أمام الشباب الفلسطيني، إذ بلغت بين الذكور منهم 32%، بينما وصلت بين الإناث إلى 59%، وكانت هذه النسب هي الأعلى في قطاع غزة مقارنة مع الضفة الغربية، إذ بلغت 75% و30% على التوالي ، وكانت أعلى معدلاتها بين الشباب في عمر الـ18-29 عاماً وخاصة بين الخريجين منهم ، من حملة الدبلوم المتوسط فأعلى ، حيث بلغت 48% ، وبفارق واضح بين الشباب الذكور والإناث؛ 34% للذكور و61% للإناث . لم تكن الصورة وردية قبل الحرب ، غير أنها تغيرت نحو الاسوأ في ظل هذه الحرب . فمنذ يومها الأول قامت إسرائيل باستهداف جميع المنشآت الاقتصادية والخدماتية المدنية في جميع مناطق القطاع ، ما أدى ، حسب منظمة العمل الدولية إلى التوقف عن العمل وتعطيل جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه قامت السلطات الإسرائيلية بإلغاء كل تصاريح العمل الممنوحة للعمال الفلسطينيين العاملين لديها من قطاع غزة ومن الضفة الغربية ، هؤلاء العمال ، الذين كانوا يوفرون دخلاً للاقتصاد الفلسطيني يبلغ نحو 3 مليارات دولار سنوياً، أو ما يقارب 15% من الدخل القومي الاجمالي . قطاعات واسعة من سكان الضفة الغربية ، الذين فرضت عليهم سلطات الاحتلال إجراءات قمعية وقيوداً على الحركة ، أثرت سلباً في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فهذه القيود المفروضة على تنقُّل الفلسطينيين في الضفة الغربية، منذ السابع من تشرين الأول 2023 ، أصبحت تشكّل تهديداً لأمنهم، ومعيقاً حقيقياً لتنقُل ما يزيد على 67,000 عامل فلسطيني لديهم وظائف في محافظات غير أماكن إقامتهم ، وبالتالي هم مضطرون إلى المرور عبر عشرات الحواجز العسكرية التي أقامتها السلطات الإسرائيلية على الطرقات الرئيسية الواصلة بين محافظات الضفة الغربية والمدن والقرى المحيطة بها . على أن أكثر الفئات تضرراً من هذه الإجراءات الإسرائيلية بقيت فئة الشباب وفئة النساء، وتحديداً خريجي الجامعات ، إذ يلاحَظ أن نسب البطالة في الأراضي الفلسطينية هي أكثر ارتفاعاً أصلاً بين خريجي الجامعات من الشبان والشابات، والتي تبلغ نحو 74% في قطاع غزة، ونحو 29% في الضفة الغربية. وكذلك ترتفع بين النساء، إذ تبلغ نسبة البطالة بينهن 66.2% في قطاع غزة، في مقابل 29% في الضفة الغربية. هذه هي صورة الأوضاع المتدهورة ، الذي يمر بها اقتصادنا الوطني وتمر بها الطبقة العاملة الفلسطينية . الحرب على قطاع غزة كما في الضفة الغربية بما فيها القدس فاقمت من حالة التدهور . ذلك لا يعني بأن هذا الوضع كان يبشر بتعافي اقتصادنا الوطني ، لو لم تكن الحرب . فاقتصادنا الوطني عاش على امتداد السنوات السابقة في غرفة انعاش ، بفعل قيود الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع الجانب الاسرائيلي ، وخاصة اتفاق باريس الاقتصادي ، بحيث وجدنا انفسنا امام المعادلة الصعبة : إما التحرر من التبعية للاقتصاد الاسرائيلي والانطلاق نحو افاق أرحب تفتح أمام الاقتصاد الوطني فرص التطور وإما مواصلة الدوران في مزيد من التبعية والتدهور والركود . وفي الظروف الاقتصادية والوطنية الصعبة التي نمر بها لا أجد حرجاً في الدفاع عن الطبقة العاملة الفلسطينية وعن الصناعيين الفلسطينيين والصناعة الفلسطينية في آن ، فما وصلنا إليه على هذا الصعيد يدفعني من الموقعين الوطني والطبقي للتوفيق بين الدفاع عن حقوق ومصالح العمال والدفاع عن الرأسمالية الوطنية والصناعة الوطنية ، التي تدهورت أوضاعها على نحو مفزع ليس فقط بسبب سياسة الاحتلال بل وكذلك السياسة الخاطئة التي مارستها الحكومات المتعاقبة في السلطة الوطنية الفلسطينية. يعرف الجميع أن صناعتنا الوطنية صناعة بسيطة ، وهي في هيكلها الأساس صناعة تحويلية ، بعضها شق طريقه بصعوبة بالغة في ظل القيود والضغوط الهائلة لسياسة الاحتلال الاسرائيلي وفي ظل القيود التي كبلها بها اتفاق باريس الاقتصادي، سوق اقتصادية واحدة وغلاف جمركي واحد بين اقتصاد بسيط وآخر متطور تقوده ثورة العلوم والتكنولوجيا والاتصالات ، وضعت قيوداً وولدت ضغوطاً لا يمكن تجاهلها بانعكاساتها السلبية على أداء الاقتصاد الفلسطيني وتطور الصناعة الفلسطينية ، التي اتجهت نحو التعاقد من الباطن مع الاقتصاد الإسرائيلي والسوق الإسرائيلية . وفي ظل ذلك كان هيكل الانتاج يتحول ويتطور وإن ببطء ، وكذلك كان الحال مع هيكل العمالة ومدخلات الناتج القومي الإجمالي ، الذي كانت عوائد الدخل من الخارج وفي الأساس من العمل في المشاريع الإسرائيلية ومن تحويلات المغتربين تشكل جزءاً مهماً من مكوناته يصل في المعدل العام وفي حالات الاستقرار وفتح سوق العمل الاسرائيلي أمام العمال الفلسطينيين الى معدل يتراوح بين 30 – 35 % من الناتج القومي الاجمالي . تلك نسبة عالية بكل تأكيد تؤشر على خلل كبير ، وكانت في محطات معينة تفوق في قيمتها ومعدلاتها حصة قطاعات الصناعة والزراعة والإنشاءات مجتمعة . وفي ظل هذا كان العمال الفلسطينيون في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 يستقبلون الأول من أيار في كل عام بالمرارة والإحباط والغضب في ضوء الظروف المعيشية القاسية ، التي يواجهونها . فمن جهة كانوا وما زالوا يواجهون عمليات قمع وإهانات يومية من قوات الاحتلال على حواجز الطرق وبوابات العبور سواء الى الداخل الفلسطيني او حتى الى مراكز العمل في المستوطنات ويواجهون أعمال استغلال بشعة للعاملين منهم في المشاريع الاسرائيلية ، بما فيها تلك التي أقامها المستوطنون على الاراضي الفلسطينية في المستوطنات . واذا كان هذا هو الحال مع عمالنا في ظل الاحتلال وسياساته وممارساته ، فما هو حال هؤلاء العمال في سوق العمل الفلسطيني وفي المشاريع الوطنية . بنظرة موضوعية للأمور ، لا احد يستطيع ان يقلل من صعوبة وخطورة الاوضاع ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني ويعمل في ظلها القطاع الخاص الفلسطيني . فالاقتصاد الوطني اسير اتفاق باريس الاقتصادي وأسير سياسة الحصار والإغلاق والخنق الاقتصادي . والحكومات الفلسطينية على امتداد سنوات لم تمد يد العون للقطاع الخاص كما يجب . إن المواطن يتساءل كم هي النسبة المئوية ، التي جرى تخصيصها من مجمل الموارد المالية المتاحة للسلطة الفلسطينية على امتداد سنوات سواء من العائدات الضريبية المختلفة او اموال الدول والجهات المانحة للاستثمار في التنمية للنهوض بأوضاع القطاع الخاص . الاجابة صادمة حقاً ، حيث لم تتجاوز هذه النسبة حدود 5 بالمئة ، على امتداد هذه السنوات . أبعد من ذلك ، فقد مارست الحكومات الفلسطينية سياسة ساهمت في الحاق افدح الاضرار بقطاعات الاقتصاد الوطني الفلسطيني الصناعية والزراعية والخدماتية ، عندما فتحت الاسواق الوطنية لكل ما هو مستورد على حساب تشجيع المنتجات الوطنية وتوفير حد مقبول أو حد ادنى من متطلبات حمايتها . هذا فاقم من أزمة الاقتصاد الوطني واسهم بكل تأكيد في نمو البطالة وفي زيادة معدلات الفقر وفي تدهور مستوى المعيشة وفي تدني مستوى الاجور في القطاع الخاص بفعل المنافسة الحادة في سوق العمل . للقطاع الخاص دوره في التنمية ، وهو في ظروفنا دور حيوي وليس دوراً هامشياً وينبغي توفير متطلبات نهوضه بمسؤولياته ودوره على هذا الصعيد . وفي الوقت نفسه ندرك أنه ينبغي رفع الظلم عن العاملين في هذا القطاع من خلال احترام احكام قانون العمل الفلسطيني ، رغم ثغراته ونواقصه . وعلى الحكومة هنا ان تتدخل في اتجاهين رئيسيين : الاول رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص ليقترب معدل الاجور في هذا القطاع من معدل الاجور للعاملين في القطاع الحكومي والزام القطاع الخاص يذلك وربط الاجور بجدول غلاء المعيشة وتعزيز هذه الخطوة بتقديم الدعم للسلع الاساسية التي تخفف من وطأة هذا الارتفاع الفاحش في اسعارها على اوضاع الشرائح الاجتماعية الضعيفة ، والثاني التوافق الوطني على قانون التأمينات الاجتماعية وتشكيل مجلس وصندوق الضمان الاجتماعي بكل ما يترتب على ذلك من التزامات تؤديها الحكومة مثلما يؤديها اصحاب العمل والمتسخدمون في القطاع الخاص ، لما لذلك من أثر بالغ في توفير الامن الوظيفي وأبسط متطلبات الحياة الانسانية الكريمة لهؤلاء المستخدمين وفي المقدمة منهم العمال ، في ذروة عطائهم وفي خريف العمر كذلك . وفي هذه المناسبة لا بد من التأكيد على أهمية استنهاض دور الحركة العمالية والنقابية الفلسطينية واستعادة ما كان لها من دور طليعي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي من أجل الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ومطالبها النقابية والاجتماعية العادلة والمعروفة للجميع وتوزيع أعباء الصمود في وجه العدوان بشكل عادل بين العمال وأصحاب العمل ، وعلى أهمية استنهاض دورها في النضال ضد الاحتلال وتعزيز صمودها وتطوير نضالها في مواجهة اتساع نطاق البطالة والفقر والعوز وتدهور مستويات المعيشة ، خاصة في ظروف الحرب الوحشية الشاملة وحرب الابادة الجماعية والتجويع ، التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني في جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 ، بما فيها القدس المحتلة . كما لا يفوتني في هذه المناسبة التأكيد على اهمية تفعيل وتطوير دور الحركة العمالية والنقابية الفلسطينية على الساحة الدولية وبناء شراكات مع النقابات العمالية في مختلف دول العالم لإطلاق حركة تضامن واسعة مع العمال الفلسطينيين ، الذين تدهورت مستويات معيشتهم الى حدود مرعبة ، وإطلاق حركة احتجاج في عديد الدول ، على الحرب الوحشية ، التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني وتدعو في الوقت نفسه نقابات العمال الدولية للتضامن مع عمال وشعب فلسطين والضغط على حكومات الدول المعنية للتوقف عن تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل ومدها بالأسلحة الفتاكة وبقنابل وقذائف الموت ، التي لا تستثني أحدا من نساء وأطفال وعمال ولا تستثني حتى المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمدارس وعمال الاغاثة الانسانية المحلية منها والدولية ، فضلا عن المصانع والمعامل وكثير من المؤسسات الانتاجية والتجارية والزراعية ، التي كانت توفر فرص عمل لأبناء الطبقة العاملة الفلسطينية . |