![]() |
الإفراج عن عيدان ألكسندر ، دلالات جديدة في السياسة الأمريكية والعلاقات الإسرائيلية
نشر بتاريخ: 13/05/2025 ( آخر تحديث: 13/05/2025 الساعة: 12:36 )
![]() مروان إميل طوباسي .
في خطوة غير تقليدية، تم مساء أمس الإفراج عن عيدان ألكسندر، المواطن الأمريكي الإسرائيلي الذي كان محتجزا لدى حركة حماس في قطاع غزة . هذه الخطوة، التي جاءت نتيجة لمفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وحماس، تحمل في طياتها دلالات سياسية عميقة تؤثر في مختلف الملفات الإقليمية، من السياسة الإسرائيلية الداخلية إلى العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية وادوار عدد من الدول ايضا .
ما يميز هذا الحدث أنه يمثل أول مفاوضات مباشرة معلنة بين واشنطن وحماس ، وهو ما يشير إلى تحول لافت في السياسات الأمريكية التي لطالما رفضت التعامل المباشر مع الحركة ، واعتبرتها خارج إطار الشرعية السياسية . يبدو لي أن الإدارة الأمريكية، وتحديدا في عهد دونالد ترامب ، باتت ترى في الانخراط المباشر مع أطراف كانت تُعتبر "محظورة" ضرورة ملحة لإدارة ملفات معقدة مثل غزة والتي عبر بخصوصها ترامب عن رؤيته بشأنها في تصريحات قد تكون غير ثابتة .
صفقة الإفراج تكشف كذلك عن انفتاح أمريكي محتمل على أدوات جديدة في إدارة الصراع، بما فيها كسر بعض التابوهات السياسية . إلا أن هذا الانفتاح لا يعني بأي حال تبدلاً جوهرياً في الموقف الأمريكي المبدئي من إسرائيل ، ولا تقليصاً فعلياً لدورها المركزي في الإستراتيجية الإقليمية الأمريكية .
هذا المتغير في النهج لا يأتي من فراغ ، بل هو نتاج ضغط متعدد الاتجاهات ، فمن جهة هناك سعي أمريكي واضح للحفاظ على الحد الأدنى من "الأستقرار" في المنطقة خشية انفجار الأوضاع من جديد بما يهدد المصالح الأمريكية ، بعد ان قامت دولة الأحتلال بدورها الأمني والعسكري في الإقليم واستمرار جرائم حربها الذي يتصاعد اليوم في غزة وبعد جعلها مكانا غير قابل للحياة بموافقة وشراكة أمريكية ، ومن جهة أخرى برزت أدوار متقدمة لبعض الأطراف الإقليمية مثل قطر ومصر ، التي مارست ضغوطا قوية على حماس وعلى واشنطن معا لتسريع معالجة بعض الملفات الإنسانية ، وفي مقدمتها ملف الأسرى والأغاثة في ظل التجويع . كما أن هذه الآلية قد تكون استُخدمت من قبل واشنطن كورقة ضغط إضافية على حكومة نتنياهو لدفعها نحو تغييرات سياسية وأمنية لا ترغب بها تل أبيب ، بل تحقق مصالح لواشنطن .
بالنسبة لإسرائيل ، تأتي هذه الخطوة في وقت زيارة يقوم بها ترامب للمنطقة دون اسرائيل ، وفي لحظة يعاني فيه نتنياهو من تحديات داخلية مركبة ، بما فيها تصدعات في الائتلاف الحاكم وتصاعد النقد لسياسته الأمنية بالشارع الأسرائيلي ، وقيام قطاعات اسرائيلية واسعة بما في ذلك من المؤسسة العسكرية بمخاطبة ترامب مباشرة وكأنه "رئيسهم" . الإفراج عن ألكسندر عبر وساطة لم تكن إسرائيل طرفا مباشرا فيها ، يشكل تحديا ضمنيا لمفهوم "احتكار القرار الأمني"، ويزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو لتعديل نهجها تجاه غزة والضفة الغربية على حد سواء ولرؤيتها لترتيبات المنطقة .
ورغم ذلك ، لا يعني هذا التطور أن التحالف الأمريكي – الإسرائيلي في طريقه إلى التراجع . هذا التحالف يستند إلى ركائز أعمق بكثير من مجرد تنسيق ظرفي أو تبادل للمصالح . فهناك أبعاد عقائدية ودينية وأمنية وأستراتيجية ، لا سيما ما يتعلق بالرؤية التوراتية المشتركة حول القدس والضفة التي يتعاطون معها بمصطلح "يهودا والسامراء " وحقهم فيها ، وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ، والدعم غير المشروط الذي يقدمه التيار المسيحي الصهيوني داخل الولايات المتحدة ، والذي ينعكس في توجهات غالبية الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، بما في ذلك إدارة ترامب الحالية .
غير أن الأهم في هذا المشهد هو إدراك أن ما يجري لا يعبّر بالضرورة عن تغيير في الأهداف الأمريكية ، بل في الأدوات المستخدمة من أجل "أمريكيا اولاً ". فالتاريخ القريب يقدم لنا مثالاً مشابها في الحالة الأفغانية ، حين قررت واشنطن التفاوض مباشرة مع حركة طالبان رغم تصنيفها كحركة إرهابية لعقود . النتيجة لم تكن تغييرا في الرؤية الأمريكية تجاه المنطقة ، بل تحولاً في الوسائل بما يخدم ذات المصالح الاستراتيجية ، حتى ولو استدعى ذلك احداث متغيرات بعلاقاتها مع الحلفاء .
وبذلك ، فإن صفقة الإفراج عن عيدان ألكسندر تمثل حلقة ضمن مسار أوسع تسلكه الولايات المتحدة لإعادة تشكيل التوازنات في الإقليم ، وتوظيف أدوات مرنة لخدمة أهداف ثابتة . لكن ذلك لا ينفي أن هذه التحولات قد تترك أثراً على النظام السياسي في إسرائيل نفسها ، في ظل حديث متزايد في أروقة القرار الأمريكي عن ضرورة "تعديل طبيعة نظام الحكم" في إسرائيل بما يتناسب مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي تسعى واشنطن إلى فرضه لتحقيق مصالحها الإقتصادية والسياسية في مواجهة القوى الدولية الاخرى ، والذي يُنظر فيه لإسرائيل كأداة وظيفية ، لا دولة مستقلة الإرادة ، كغيرها من بعض أنظمة الإقليم .
في نهاية المطاف ، ما يبدو تنازلاً تكتيكيا في السياسة الأمريكية تجاه حماس ، لا يعدو كونه إعادة ترتيب للوسائل بما يحقق الأهداف ذاتها من جانب اخر مع منظمة التحرير ، مع إبقاء الشراكة والحلف مع إسرائيل "كدولة" ثابتا في جوهره ، وإن تباينت صيغ التعبير عنه في المرحلة المقبلة . بما يستدعي ضمن الحسابات الأمريكية ، إعادة هندسة بعض البنى السياسية في إسرائيل ذاتها ، بما في ذلك طبيعة نظام الحكم كما ذكرت ، وذلك لضمان استدامة الدور الإسرائيلي كأداة وظيفية في هذه المنظومة الإمبريالية المتوحشة بالعالم . |