![]() |
رواية قيثارة الرمل للاديب نافذ الرفاعي
نشر بتاريخ: 14/05/2025 ( آخر تحديث: 14/05/2025 الساعة: 11:00 )
![]() قراءة وتحليل: نزهة أبو غوش.
رواية "قيثارة الرمل" لا تُقرأ فقط بوصفها قصة فردية عن سجين يصنع قيثارة في ظروف قاسية، بل هي أيضًا نص سياسي ووطني بامتياز، يُجسّد المقاومة الفلسطينية في أبهى صورها الرمزية والإنسانية. السجن في الرواية لا يُمثل فقط مساحة مادية تُقيّد الجسد، بل هو رمز أكبر للاحتلال، للقهر القومي، وللواقع السياسي المفروض على الشعب الفلسطيني. داخل هذا الفضاء المغلق، ينهض صوت البطل – وصوت رفاقه – ليقول إن الحرية لا تُقمع، وأن الهوية الوطنية لا تموت خلف القضبان. السجن يصبح فلسطين المصغّرة، والقيثارة تصبح صوتها المخنوق الخارج من قلب الرمل والخذلان والخذلان العربي ان صناعة القيثارة ليست مجرد فعل فني، بل موقف سياسي جريء. القيثارة التي تُولد من الخشب المهترئ والخيوط المسروقة هي أداة مقاومة ناعمة، سلاح من نوع آخر. بدل الرصاص، يُشهر السجين نغمته، وبدل الغضب، يعلن عن ذاته بلحنٍ يعبر الجدران ليصل إلى من هم في الخارج: أننا هنا، باقون، نغني رغم القيد. ان التعاون بين السجناء لصناعة القيثارة هو انعكاس لرؤية وطنية أوسع: أن التحرر لا يتم بالفرد، بل بالجماعة، بالتكافل، بالثقة المتبادلة. في زمن الانقسام، تقدم الرواية هذا المقطع باعتباره درسًا: حين يتعاون الجميع، تُصنع القيثارة؛ وحين يتفرقون، يضيع اللحن. ان هنك علاقة بين العنوان بالمأساة الوطنية: العنوان "قيثارة الرمل" يحمل في عمقه البعد الفلسطيني: الرمل هو أرض فلسطين، القابلة للتبدد بفعل الاحتلال، والمهددة دائمًا بالمحو. أما القيثارة، فهي صوت هذا الشعب، صامد، ناعم لكنه عميق، لا يمكن إسكاته. هكذا تتداخل الرمزية الشعرية بالرمزية رواية "قيثارة الرمل" تكتب سردية من نوع مختلف عن القضية الفلسطينية. لا تنقل النضال فقط من خلال البندقية، بل من خلال الفن، الموسيقى، التضامن، والكرامة الإنسانية. إنها رواية تُعيد تعريف المقاومة، وتُذكّرنا أن في قلب الرمل، قد تُولد نغمة. وفي قلب النغمة، قد تولد فلسطين الجديدة. في الرواية، وصف الراوي وصفا دقيقا، وبشعور مؤلم كيف كان يضع الاحتلال موسيقى متكررة من خلال مكبر صوت؛ كي يسمعه للسجناء. ان تكرار نفس المقطع الموسيقي، خاصة إن كان مزعجًا أو خارجًا عن الذوق الشخصي للسجين، يؤدي إلى تعب ذهني شديد، يُشبهما يُعرف بـ"الإجهاد الحسي" (sensory overload أو sensoryfatigue). فالعقل يحتاج إلى تنوّع وإيقاع طبيعي، وعندما يُجبر على استقبال نفس المثير مرارًا، يدخل في حالة من الاحتراق الحسي . ان الموسيقى تُستخدم هنا كنوع من التحكم بالبيئة السمعية، وهي طريقة في التعذيب تُسمى music torture، وهي موثقة في العديد من السجون عبر العالم. الهدف منها هو أن يشعر السجين بأنه لا يملك حتى حق الصمت، وأن لحظاته كلها خاضعة لتحكم . التكرار الموسيقي اليوم يفقد السجين إحساسه بالزمن الطبيعي، لأن الأيام تبدو متشابهة بلا تغير. هذه الطريقة تؤدي إلى نوع من تفكك الهوية والشعور بالفراغ الوجودي، وهو أمر مقصود ضمن ما يُعرف بسياسات "تفريغ الذات" داخل السجون. |