وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إسرائيل تصعّد حربها في ظل انقسام داخلي وضغط دولي

نشر بتاريخ: 22/05/2025 ( آخر تحديث: 22/05/2025 الساعة: 17:17 )
إسرائيل تصعّد حربها في ظل انقسام داخلي وضغط دولي

جمال زحالقة

في شريط فيديو خاص وجهه إلى الشعب العبري، وبثّته وسائل الإعلام مساء الثلاثاء الماضي، ادعى رئيس الأركان الإسرائيلي الميجر جنرال إيال زامير، أن جيشه يخوض حربا «فُرضت عليه». كان هذا أوّل خطاب بادر إليه زامير (الخطابات الأخرى كانت في مراسيم رسمية)، وهدف منه إلى كسب شرعية جماهيرية لمواصلة الحرب وتوسيع عملية «مركبات جدعون»، التي ينقسم الجمهور الإسرائيلي حولها مناصفة بين مؤيّد ومعارض. ولعلمهِ بأنه وفق العديد من الاستطلاعات، التي نُشرت هذا الأسبوع، تعتقد غالبية الإسرائيليين بأن بواعث نتنياهو الحربية هي شخصية وحزبية وليس مصلحة الدولة والأمن، حاول زامير التخفيف من شكوك الجمهور عبر استغلال «هيبة الجنرال» قائلا: «أنا سأقود المعركة استنادا إلى اعتبار واحد ووحيد ـ أمن دولة إسرائيل والدفاع عن مواطنيها»، وهذا تأكيد على تنامي التشكيك في الشارع الإسرائيلي.

في العقود الماضية، انطلق الجيش الإسرائيلي من إجماع مجتمعي داعم للحرب، ولم تنشأ حاجة للإقناع، لكن الانقسام الداخلي حول جدوى استمرار الحرب الحالية، دفع زامير إلى توجيه نداء مباشر: «أتوجه لكم جميعا: هذا أوان دعم ومساندة جنود الجيش، حتى نحقق أهداف الحرب». ولتشجيع الإسرائيليين على تأييد الحرب ناشد زامير: «نحارب جنبا إلى جنب، ومعا نحسم، وأفعالنا هي التي تتكلّم»، وهو بهذا لم يستعمل كلمة «نصر»، حتى يأخذ مسافة عن نتنياهو، الذي يرددها صباح مساء، بل ذهب إلى استعمال تعبير جديد هو الحسم في مواقع القتال، وليس بالضرورة الحسم المطلق. من الواضح أن زامير وجّه خطابه إلى المشككين والمترددين والمعارضين للحرب، الذين فقدوا ثقتهم بالقيادة السياسية المتمثّلة بنتنياهو، وكأنّه يقول لهم: ثقوا بي وادعموا الحرب وتجنّدوا لها، هو لم ينطقها مباشرة، لكنّه حاول طمأنتهم بأنّه مثلهم يرى أن الهدف الأول يجب أن يكون إعادة المحتجزين، وعبّر عن ذلك بعدّة أشكال منها أنه ذكرها كغاية أولى، وبعدها ذكر تقويض حماس والقضاء على سلطته، وكذلك عبّر عن تفهمه لخشية عائلات المحتجزين ووعدها بأن عند الجيش «الأدوات والحكمة والمسؤولية» للتعامل مع وجود محتجزين في غزة، لكنه لم يتعهّد بألّا يصابوا خلال المعارك. وأوضح زامير بأن المعارك القتالية لن تعطّل التوصل إلى صفقة، مشيرا إلى أن الجيش قادر على التكيّف لمستلزماتها في حال تحقيقها.

وفي محاولة منه للبرهنة على جدوى العمليات القتالية، تباهى زامير بمنجزات عملية «قوّة وسيف»، التي انطلقت في مارس الماضي، مشدّدا على أن الجيش الإسرائيلي خلالها قام باحتلال مناطق جديدة وبتوسيع الشريط الأمني وبتوجيه ضربات لحركة حماس. لكنّه «نسي» أن يذكر ماذا حل بهدفها الرسمي المعلن وهو التوصل إلى صفقة جديدة تحت وطأة الضغط العسكري. فعلى الرغم من الفظائع التي ارتكبها جيش الاحتلال، فإن العملية فشلت في تحقيق هدفها المحدد، ما أثار شكوكا حول جدوى عملية «مركبات جدعون»، التي تلتها. لهذا السبب بالذات حاول زامير التركيز على «إنجازات» العملية السابقة، واعدا بأن الجديدة ستكون أوسع وأقوى وأشد، وستأتي بنتائج ترضي الجمهور الإسرائيلي القلق.

وأطلق زامير التهديدات المعهودة: «حماس ستدفع ثمن عنادها.. سنحتل مناطق إضافية، سنطهّر وندمّر البنى التحتية للإرهاب»، وأضاف صياغة جديدة لاستراتيجية الحرب الإسرائيلية: «يجب أن نكون في الهجوم داخل الميدان (في القطاع) ولن نستطيع الدفاع من الجدار، وهذا هو الاستنتاج الأهم من السابع من أكتوبر». وترجمة هذا الكلام واضحة وهي، أن الجيش الإسرائيلي سيواصل عملياته العسكرية لسنوات، حتى لو جرى إطلاق سراح المحتجزين جميعا، وتم التوصّل إلى هدنة واتفاق لوقف إطلاق النار، إذ من غير المعقول ألّا يلتزم جيش الاحتلال بـ»الاستنتاج المركزي للسابع من أكتوبر».

انقسام داخلي

وضع زامير نفسه وجيشه في موقع التوتّر والشدّ بين حكومة نتنياهو ومؤيديها، والجمهور والقوى المعارضة لها ولحربها، وألقى خطابه لامتصاص الرجّات والاهتزازات، ولضمان تدفق قوّات الاحتياط للمشاركة في القتال، وهي مؤمنة بلزومه وبجدواه. ويحظى زامير بثقة الشارع الإسرائيلي وبمساندة ملحوظة من الجنرالات السابقين، الذين يعارضون بشراسة سياسات نتنياهو. صحيح أن عددا منهم وجّه له نداءات للعمل بشكل مباشر لوقف الحرب، لكنّ هذا ما زال إلى الآن صوت الأقلية.

تشير التطوّرات والمعطيات إلى أن الانقسام حول مواصلة الحرب عميق وجدّي، الّا أنّه لم يتحول بعد إلى معارضة كاسحة وإلى رفض مؤثّر. وقد روى المراسل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد، أن أفراد طواقم الطيران الذين تحدّث معهم محبطون ومرتبكون جرّاء الدفع بهم إلى معركة يقتل فيها المئات من المدنيين دون جدوى عسكرية أو سياسية. ويُستدل من كلامه أن هؤلاء «يقصفون ويشكّكون» وهم بعيدون عن حالة «يشككون ولا يقصفون». لقد توالت، كذلك، دعوات نخب أمنية وسياسية وأكاديمية واقتصادية إسرائيلية لوقف الحرب والذهاب إلى صفقة تبادل. وأطلق بعضهم تصريحات شديدة اللهجة ضد الحرب، كان آخرها ما قاله رئيس حزب «الديمقراطيون» والنائب السابق لرئيس الأركان، الجنرال احتياط يائير غولان، بأنّ «دولة عاقلة لا تشن حربا على المدنيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تنتهج سياسة تهجير السكان»، وأيضا ما نشرته قناة «بي.بي.سي» على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، من أن ما تفعله إسرائيل «قريب جدا من جرائم الحرب». وقد سبقت ذلك تصريحات شديدة اللهجة بالمقاييس الإسرائيلية، أطلقها جنرالات احتياط، ومنهم رؤساء الأركان السابقون بوجي يعلون وإيهود براك ودان حلوتس. ودعت بعض القيادات الإسرائيلية إلى التجهيز لعصيان مدني للضغط على حكومة نتنياهو لتغيير سياساتها، وكان من بينهم قادة سابقون للجيش وللموساد وللشاباك.

الانقسام على مستوى القاعدة لا يقل حدّة، حيث تدل الاستطلاعات على أن أكثر من ثلثي الإسرائيليين يؤيّدون التوصل إلى صفقة تشمل تبادل أسرى ووقف للحرب، ويعتقدون أن نتنياهو هو المسؤول عن إفشال الصفقة لاعتبارات شخصية وحزبية، لكن هذا الانقسام ليس نابعا من خلاف سياسي بين «يسار ويمين»، بل حول شخص نتنياهو ونهجه وسياساته وتضحيته بالمحتجزين، والدليل أن أقوى المنافسين من «المعارضة» هو نفتالي بينيت، الذي لا يقل يمنيةً عن نتنياهو.

ضغوط دولية

إلى جانب الانقسام الداخلي حول الحرب ومآلاتها، يتطوّر في الأيام الأخيرة موقف دولي أكثر حدّة ووضوحا ضد مواصلة التجويع والحرب والتهجير، التي يقوم بها جيش الاحتلال بتوجيهات من القيادة السياسية الإسرائيلية. وقد أصدرت فرنسا وبريطانيا وكندا بيانا غير مسبوق دعت فيه إلى وقف فوري للحرب، وعبّرت فيه عن غضبها على حكومة نتنياهو (وليس على إسرائيل كدولة) وعلى ما تقوم به وهددت باتخاذ خطوات عملية ضدها. تبع ذلك استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن تسيبي حوطوبيلي (المعروفة بمواقفها المتطرّفة) إلى الخارجية البريطانية لإبلاغها بتجميد مباحثات اتفاق التجارة الحرّة بين إسرائيل والمملكة المتحدة. وقد بادرت هولندا لطرح موضوع فرض عقوبات على إسرائيل على طاولة الاتحاد الأوروبي في بروكسل. ووصف الإعلام الإسرائيلي هذه التطوّرات بأنّها تعبير عمّا سمته «تدهور المكانة الدولية لإسرائيل»، وعن تحوّل «خطير» في الموقف الدولي من استمرار حرب الإبادة في غزّة، بالأخص في ظل الكارثة الإنسانية وحجب المساعدات الإنسانية. لعل أكثر ما أزعج إسرائيل هو تحرّك الإدارة الأمريكية لوقف الحرب، وصمتها تجاه المواقف الأوروبية الجديدة. وإذ يدور نقاش حول مدى حدّة المعارضة الأمريكية لسياسات نتنياهو، فإن من الواضح أن هناك تباينا ملحوظا في المواقف بين واشنطن وتل أبيب، وإن كان لم يتحوّل بعد إلى ضغط فعلي ومؤثّر.

لم تصل تداعيات الانقسام الداخلي ومفاعيل الضغط الدولي إلى مستوى إجبار نتنياهو على وقف الحرب، لكن يسود قلق في حكومة إسرائيل من عزلتها المتزايدة داخليا ودوليا.. لكن هذه العزلة لم تحمل معها إلى الآن ما يعرقل بشكل فعلي حرب الإبادة. وإذ يرى نتنياهو أن استمرار الحرب وتصعيدها هو مسألة حياة أو موت سياسي، فهو كما يبدو سيواصل الحرب سنة إضافية في أقل تقدير. هنا لا بد من تحرك فلسطيني وعربي لاستغلال عزلة نتنياهو لتفعيل ضغط دولي كاف لإنهاء الحرب. هذا ممكن