وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إسرائيل وخطاب الإبادة: شعب فقد انسانيته يحتفل بالقتل و يتلذذ بالانتقام

نشر بتاريخ: 03/06/2025 ( آخر تحديث: 03/06/2025 الساعة: 08:49 )
إسرائيل وخطاب الإبادة: شعب فقد انسانيته يحتفل بالقتل و يتلذذ بالانتقام

اسماعيل جمعه الريماوي

في الزمن الإسرائيلي، لم تعد الإبادة فعلًا طارئًا ولا القتل سلوكًا عابرًا، بل غدت اللغة الرسمية للدولة والمزاج العام للمجتمع ، لقد أصبح خطاب الإبادة، صراحة أو تلميحًا، هو العنوان الأكبر في الساحة السياسية والإعلامية والعسكرية في كيانٍ فقد كل قناع وتخلّى عن كل رتوش إنسانية أو قانون ، أمام أنظار العالم تُحاصر غزة وتجوع وتُدفن أحياؤها تحت الركام، بينما يعبر الإسرائيليون عن متعتهم الصريحة في رؤية الدمار والقتل، في ظاهرة فريدة من التوحش المتعمد ، لا مساعدات تدخل، ولا مشفى يُستثنى، ولا طفل يُرحم ، إنه مشروع إبادة واضح المعالم، يتغذى على صمت دولي مطبق، ويستلذ برؤية شعب يُباد على الهواء مباشرة.

لقد تجاوز التحريض حدود الإعلام والأطراف المتطرفة، وارتقى إلى مستوى الخطاب الرسمي لأعلى السلطات السياسية والعسكرية ، ففي السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت فرض "حصار كامل" على غزة، قائلاً بوضوح: "لن تكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا مياه، ولا وقود ، كل شيء مغلق ، نحن نقاتل حيوانات بشرية وسنتصرف وفق ذلك" ، بهذه الكلمات، دُشِّن رسميًا خطاب الإبادة باعتباره سياسة أمنية للدولة العبرية، واعتُمد توصيف الفلسطينيين ككائنات دون البشر، في انتكاسة أخلاقية تشي بأن ما يُمارس في غزة ليس فقط جريمة، بل مشروعًا وجوديًا للدولة الإسرائيلية.

لم تكن تلك الكلمات استثناءً، بل انسجامًا مع نبرةٍ آخذة في التصاعد منذ سنوات، تجد تعبيرها اليوم في أقوال وأفعال سياسيين وإعلاميين يفاخرون علنًا بدعواتهم إلى الإبادة والتهجير ، عضو الكنيست نسيم فاتوري، على سبيل المثال، دعا علنًا إلى "إحراق غزة" وأكد أن "على الجيش أن يفرغ القطاع بالكامل من سكانه". أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فذهب في مايو/أيار 2025 إلى التأكيد على أن "هزيمة أعداء إسرائيل أهم من تأمين إطلاق سراح الرهائن"، في إعلان صريح بتغليب منطق الفناء العسكري على حياة المدنيين أو حتى الجنود الأسرى .

لا يقل خطورة عن ذلك أن قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي باتت تتبنى هذا الخطاب دون مواربة، في مشهد يعكس تحللًا أخلاقيًا وجماعيًا خطيرًا ، في استطلاعات رأي ومقاطع إعلامية وتصريحات شعبية، يتكرر الإعجاب بمشاهد الدمار والاستعداد لتأييد ترحيل سكان غزة أو "إعادة توطينهم" في سيناء، على غرار ما دعا إليه وزراء في الحكومة الحالية في مؤتمرات علنية حول "استيطان غزة" بعد الحرب، كأنّ الحديث يدور عن غنائم معركة لا عن مستقبل أكثر من مليوني إنسان محاصر ومجوع ومطارد بالموت ليلًا ونهارًا .

وفيما تزداد نيران التحريض اشتعالًا، يقابلها العالم بصمت مشين أقرب إلى التواطؤ ، فقد اكتفت المنظمات الدولية بالإعراب عن "القلق"، بينما وثّقت جهات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"مجلس حقوق الإنسان" في الأمم المتحدة ارتكاب إسرائيل ما قد يرقى إلى "جريمة الإبادة الجماعية"، دون أي تحرك رادع أو مساءلة قانونية حقيقية، ما يشي بأن منظومة القانون الدولي تفقد فعاليتها أمام جبروت القوة الصهيونية المدعومة سياسيًا من الغرب ، بل إن الإدانات أصبحت تُعد من الفضائل النادرة، مقابل مواقف الدول الكبرى التي تبرر العدوان تحت شعار "حق الدفاع عن النفس"، حتى وإن كان ذلك الحق يُمارَس بقصف المدارس والمستشفيات وقطع الماء والكهرباء عن الأطفال.

غزة اليوم ليست ساحة معركة، بل ساحة اختبار أخلاقي للإنسانية جمعاء، أكثر من تسعة عشر شهرا من الحصار الكامل والتجويع والقتل اليومي والتدمير الممنهج لكل مقومات الحياة، في ظل نظام فصل عنصري مكشوف، وتحريض إعلامي وثقافي وديني يرقى إلى دعوات علنية بالإبادة ، لم يعد هناك شيء يُخفى، ولا شيء يُستتر، كل شيء يحدث أمام الكاميرات وفي وضح النهار.

ما يجري هو مشروع إبادة متكامل، لا يقتصر على القنابل والغارات، بل يمتد إلى الوعي والتخطيط واللغة، حيث يُبنى مستقبل إسرائيل على أنقاض غزة، ويُعاد تشكيل الشرق الأوسط من بوابة الخراب الفلسطيني ، ولعل الأسوأ أن هذا المشروع بات يجد من يدعمه أو يبرره أو يغض الطرف عنه، مما يضيف إلى الجريمة طابعًا دوليًا صريحًا.

إن وقف هذه المجزرة لا يحتاج إلى بيانات شجب فارغة، بل إلى إرادة سياسية حقيقية وقرارات ملموسة: مقاطعة هذا الكيان العنصري، ومحاكمة قادته كمجرمي حرب، ودعم نضال الفلسطينيين في كل الساحات ، فغزة ليست وحدها، لكنها اليوم مرآتنا جميعًا، إما أن نتحرك ونقف مع شعبها، أو نصبح شركاء صامتين في جريمة العصر.