وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل انطلقت الحرب العالمية الثالثة؟

نشر بتاريخ: 04/06/2025 ( آخر تحديث: 04/06/2025 الساعة: 11:54 )
هل انطلقت الحرب العالمية الثالثة؟

بقلم: د. صبري صيدم

ما جرى ويجري في روسيا هذه الأيام لا يدق ناقوس حرب عالمية ثالثة فحسب، بل يفتح باب جهنم على تفاصيل الواقع الميداني العالمي. فقصف القاذفات النووية في مرابضها، وفي مواقع عدة في روسيا باستخدام طائرات أوكرانية مسيرة قبل أيام، وضرب جسر جزيرة القرم الاستراتيجي مع كتابة هذه الكلمات وعبر التفخيخ المباشر، لا يوفران الشرارة لرد روسي موازٍ فحسب، بل يؤججان غضب روسيا التي كانت منشغلة منذ ضرب القاذفات المذكورة بإعداد ردها على الضربة الأولى، لتتلقى الضربة الثانية. هذان الفعلان كفيلان بتعظيم استشاطة موسكو وإشعال نيران حرب عالمية جديدة.

الضرب المتكرر تحت الحزام هو سيد الموقف حسبما يبدو، إذ أن سياق الأمور يبدو وكأنه يقوم على عوامل المباغتة في الهجوم، والصدمة من طبيعة الهجوم، وفقدان التوازن مع توالي ذلك الهجوم. هذا التكتيك وما يوازيه من ضربات نوعية ليس وليد الساعة، ولا هو من بنات أفكار الرئيس الأوكراني الغائب عن علوم العسكريتارية، ولا حتى تم ويتم بقراره.

قرار الرئيس الأوكراني المذكور، انحصر فقط بالقبول بأن تخوض بلاده حرباً بالإنابة عن أوروبا وأمريكا، فهو لا يحمل عداوة تاريخية تجاه موسكو فحسب، إنما هو من يمتلك حدوداً مع أكثر من ثلث أوروبا، وهو ما يمكنه من فتح جبهات عدة ليس فقط بجيشه، بل أيضا من خلال قوات دول أخرى ومرت وقتها.

ضربات روسيا وبصراحة، تحمل بصمات يعتقد البعض من خلالها أنها من فعل أمريكا وإسرائيل وعدد من دول أوروبا، التي لم يجرحها الدب الروسي فحسب، بل بات يتحكم بملفات حساسة تمس اقتصاداتها، من موارد طبيعية كالغاز وغيره، وقدرات عسكرية فاقت قدرات أمريكا، وكفاءة تقنية قادرة على التحكم بتلك الدول.

وبين هذا وذاك يأتي التحالف الروسي الصيني، وقدرته الخارقة على فرض مشروعه القاضي بإنعاش طريق الحرير الصيني، الذي يعود إلى الحياة من جديد، والسيطرة على افريقيا ومواردها، والإجهاز على بقايا الاستعمار في القارة السمراء، وتهديد المشروع الهندي الإسرائيلي الأمريكي الذي طرحه نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 2023، والقاضي بربط الهند بالبحر الأبيض المتوسط، عبر دول التطبيع وصولاً إلى المتوسط عبر غزة.

هذا المشروع لن يأتي بالإطاحة ببوتين وتقليم أظافر الدب الروسي فحسب، بل أيضاً عبر تغيير الشرق الأوسط، بتركيبته السياسية وتحالفاته العسكرية، وجعله أقرب لإسرائيل عبر غلاف ديني مستحدث اخترعته امريكا بمسمى اتفاقات إبراهيم التطبيعية، وعبر الإطاحة بالفلسطينيين وتهجيرهم وإغرائهم بالإقامة في دول العالم، ومنحهم منازل يسميها ترامب منازل الرخاء ليروج لما سماها ريفيرا غزة، التي لن تقام على عظام الفلسطينيين فحسب، بل أيضا فوق حقول غازهم الذي تسرقه إسرائيل كل يوم.

الفارق بين حرب ترامب، أو الحرب العالمية الثالثة وما سبقها من حروب بأن من أطلق الحروب السالفة، امتلك المعرفة بالتاريخ والجغرافيا، بينما لا يمتلك ترامب سوى الاعتداد بالقوة والنرجسية والأحلام والقناعة، بأنه وبالدولار وحده يحيا الإنسان. لقد أثبتت الأيام الأخيرة أن ضربات كييف المسمومة، أو ضربات واشنطن المحققة، جاءت لتركيع روسيا وجرها إلى طاولة التفاوض حول إنهاء الحرب والإذعان للعم سام ووكلائه الصهاينة.

الأيام هي أيضاً من أثبتت أن الترابط واضح بين غزة وموسكو، ليس فقط عبر السعي للتركيع وتطبيق نرجسية الإدارة الأمريكية فحسب، بل أيضاً عبر شطب إرادات الشعوب وتطبيق رؤى ترامب المستشرسة. من ضرب الدب الروسي يريد استفزازه، ومن عاد لضربه من جديد، يريد إفقاده التوازن، ومن اخترع الضربات المنتقاة أراد أن يكسر شأفة بوتين ويقوده إلى طاولة الإذعان.

لذلك لا نستغرب أن يكون هناك المزيد من الضربات حتى تبدو موسكو وقد خارت، وضعفت، وأوشكت على الاستسلام! حلم بعيد المنال يريده نتنياهو لإحكام سيطرته على العالم، وحجب الأضواء عما يرتكبه من فظائع في فلسطين! فهل يستمر الضرب تحت الحزام فيصبح العالم على عتبات الحرب العالمية الثالثة؟ ننتظر ونرى.

[email protected]