وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إيران... بين الخطاب الصاخب والقصور الاستراتيجي

نشر بتاريخ: 17/06/2025 ( آخر تحديث: 17/06/2025 الساعة: 09:33 )
إيران... بين الخطاب الصاخب والقصور الاستراتيجي

نبيل عمرو

بعد ساعات قليلة من بدء العملية العسكرية الكبرى ضد إيران، طلبت السلطات الإسرائيلية من الجمهور عدم التقيد بالبقاء على مقربة من الأماكن المحصنة، ما بدا كما لو أنه دعوة للعودة إلى الحياة العادية، ذلك بينما كانت إيران تؤكد حتمية الرد على العدوان الإسرائيلي مشددةً على أنه لن يكون عادياً بل شديد القسوة على نحوٍ يجعل إسرائيل تشعر بالندم على ما فعلت.

وإذا ما اعتبر الإعلان عن إطلاق مئات المسيرات ومئات الصواريخ نحو إسرائيل رداً أو مقدمةً لردٍ أوسع، فإن إسرائيل فيما يبدو مطمئنةً إلى أن الطريق الطويل إليها مليءٌ بالحواجز، وأن أمريكا وحلفائها سوف يعترضون مسيراتها وصواريخها، دون وصولها إلى أهدافها.

الحصيلة الأولية للحرب وصفتها إسرائيل على أنها فاقت كل التوقعات، بحيث صارت السماء الإيرانية مفتوحةً أمام طيرانها، ناهيك عن الاختراقات البرية التي وصلت وضع قاعدةٍ لإطلاق المسيرات من داخل الأراضي الإيرانية.

مؤشراتٌ دامغة أكّدت على أن إيران لم تأخذ التهديدات الإسرائيلية والتحذيرات الأمريكية على محمل الجد، فأبقت قدراتها العسكرية مكشوفةً تماماً وأصبح قادتها صيداً سهلاً للاغتيال، وكأن إيران صارت غزة الثانية.

في ميزان القدرات فقد فُرض على إيران حربٌ لا قدرة لها على الفوز فيها، فما تعرضت له من عدوان فتّاك، قامت به إسرائيل التي هي مجرد أحد أذرع القوة العسكرية الأمريكية الأطلسية، وهذا كان يفترض من إيران أن تضعه في حساباتها، وها هي الآن تواجه كل هذه القوى التي تحاربها، ليس تحت عنوان الدفاع عن إسرائيل كما يقال عادةً وإنما لضمان تحقيق الأهداف المحددة للحرب بما في ذلك إرغام الدولة الإسلامية على دخول بيت الطاعة الأمريكي.

وذلك بالتفاوض تحت النار وفق السيناريو المتكرر في غزة ولبنان فما يزال الرئيس ترمب يدعو طهران لمواصلة التفاوض، في الوقت الذي عزز فيه التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة بمدمرات عملاقة جديدة.

الحرب على إيران سوف تستمر لفترة طويلة، حتى لو تخللتها هدنٌ ووقف مؤقتٌ لإطلاق النار، ولا يوجد ما يحول دون تدخلٍ أمريكيٍ وأطلسيٍ مباشرٍ فيها، وإذا كان عنوانها الجذاب بالنسبة لدول العالم هو المنشآت النووية الإيرانية وقواعد إطلاق الصواريخ الباليستية، إلا أن مضمونها وهدفها الأساسي، إضعاف الدولة الإقليمية العظمى إلى أدنى حدٍ ممكن وإدخالها في بيت الطاعة الأمريكي الغربي.

لم تقرأ القيادة الإيرانية بصورةٍ جيدة التطورات ذات الطابع الانقلابي التي حدثت في المنطقة، وجرّدتها من الساحات والأذرع الحليفة، وإذا كانت المطالب الأمريكية محرجةً لمكانتها وصورتها وشعاراتها، فإن الإكثار من وضع الخطوط الحمر دون توفير الحماية اللازمة لها لابد وأن يقود حتماً إلى خساراتٍ فادحة وتراجعاتٍ قسرية، لا تليق بالشعارات الكبرى وصورة الدولة الإقليمية العظمى.

لقد حصلت إسرائيل بهذه الحرب على ما اعتبرته هدية تكاد تكون مجانية اذ تحققت لها عدة أهدافٍ في ضربةٍ واحدة، فهي أولاً وحّدت الداخل الإسرائيلي وراء قرار الحرب، وأزالت تحفظات بعض القوى على حرب غزة.

وثانياً تعززت حظوظ اليمين في مواصلة الحكم وازدادت فرصه في التجديد إذا ما أجريت انتخاباتٌ مبكرة أو في موعدها.

وثالثاً.. سواءٌ كانت الحرب متفقاً عليها بالجملة والتفصيل مع أمريكا أو لم تكن كذلك بالضبط، إلا أنها جاءت بالمحصلة لمصلحة الطرفين الحليفين اللذين يعملان معاً على توليد شرق أوسطٍ جديد تكون فيه اليد العليا لهما.

لم تدرك القيادة الإيرانية أن أي حربٍ تحاض دون حلفاء ودون أذرع ودون حاضنة داخلية متينة لا مجال فيها للفوز، كان ينبغي على إيران أن تعيد النظر في كثيرٍ من برامجها وسياساتها منذ بدأت أعراض التفكك الحتمي لذلك الاختراع المسمى بمعسكر الممانعة ووحدة الساحات، والذي توج بخسارة الساحة السورية واستفراد إسرائيل بغزة، وخروج حزب الله من جبهة الإسناد، بعد كل هذا الذي حدث يكون من قبيل العمى الاستراتيجي أن لا يوضع في الحساب.

الخلاصة.. ونحن ما نزال في الأيام الأولى من الحرب، يبدو أن المشروع النووي الإيراني قد تضرر كثيراً، والنفوذ الإيراني حتى المعنوي منه يواصل الانحسار، وبعد ذلك كله كيف سيجري الحديث مع أمريكا وإسرائيل بشأن التسويات المنشودة في المنطقة؟!

أخيراً... رغم كل المزايا التي حصدتها إسرائيل من عدوانها على إيران إلا أنها لا تنكر بأنها دفعت ثمناً باهظاً جرّائها وأنها إن حققت دماراً وقتلاً وحرائق، إلا أنها لم ولن تحسم مكانتها التي تبتغيها في الشرق الأوسط.