وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بين عرض الحكم الذاتي وحُلم الدولة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 10/07/2025 ( آخر تحديث: 10/07/2025 الساعة: 21:54 )
بين عرض الحكم الذاتي وحُلم الدولة الفلسطينية

بعد حرب الإبادة في قطاع غزة والاعتداءات الغير مسبوقة في الضفة الغربية، أصبح لزاماً على القيادات الفلسطينية من مختلف مشاربها أن تبدأ بالتفكير بشكل غير تقليدي، والتحضير أو التخطيط للسيناريوهات القادمة المحتملة والتي قد يكون احلاها مرّ. فبعد الانتصارات التي حققها الكيان الصهيوني، كما يروي، من اغتيالات للصفوف الأولى من قادة حماس وحزب الله وايران وإضعاف مؤسساتها وقواها العسكرية بعد الحروب الحديثة التي تمثلت في حرب الإبادة على غزة بعد هجوم حماس التاريخي في 7 أوكتوبر والحرب الإسرائيلية اللبنانية والحرب الإسرائيلية الايرانية، وبعد تغيير النظام الموالي لإيران في سوريا، زادت العنجهية والغطرسة الإسرائيلية وأصبح الصهاينة يتحدثون عن شرق أوسط جديد حسب مواصفاتهم خاضع لهم وخانع لسياساتهم العنصرية والاستعلائية.

لذلك، من المستبعد أن يُغير الكيان الإسرائيلي سياساته الاحتلالية الاستعمارية سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة. فحتى لو توقفت حرب الإبادة في غزة مؤقتاً أو بشكل دائم، سيستمر الجيش الإسرائيلي كما صرّح نتانياهو أمس في البيت الأبيض بالتحكم في معابر غزة البرية والجوية والبحرية والسيطرة الأمنية الكاملة على حدوده، علماً أن قطاع غزة سيحتاج لعشرات السنين للتعافي وإعادة الإعمار من الدمار الشامل الذي لحق به وبأهله. أما في الضفة الغربية، فمن المتوقع أن يستمر عدوان المستوطنينالمستعمرين من ترهيب وقتل وحرق بيوت ومزارع وممتلكات ومصادرة أراضيوكذلك هدم الجيش للبيوت والاعتقالات ومداهمة المدن وتدمير باقي المخيمات.وهذا هو السيناريو المحتمل خاصة وأنه لا يوجد للفلسطينيين من يحميهم أويدعمهم أو يقف معهم من الدول العظمى أو حتى الدول العربية أو الإسلامية. وقد بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياً بوضع البوابات الحديدية والسواترالترابية، بالإضافة لأكثر من 900 حاجز عسكري، تمهيدا لتشديد الخناق علىقرى ومدن الضفة الغربية وأحياء القدس الشرقية وحصارها وتطويقها بكنتوناتونظام فصل عنصري وجدار فاصل وأسلاك شائكة وربما أيضا يذهب إلىتجويع هذه التجمعات والسعي الجدّي لتهجيرها. وقد لا يستطيع الفلسطينيينقريباً التحرك من أي مدينة أو قرية إلى أخرى إلا بتصاريح من الإدارة المدنية الاحتلالية أو التمكن من عبور حواجز عديدة تحت تهديد وعربدة المستوطنينوتصبح الحركة والتنقل خطر جدا على حياة اهل الضفة والقدس.

الرفض الإسرائيلي للدولة الفلسطينية

ومع استمرار العمل الدؤوب للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بالضغط علىالحكومة الإسرائيلية لتحقيق حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967،من خلال العمل الدبلوماسي والمناشدات الدولية واللجوء إلى المحاكم الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، إلا انه لا يوجد اليوم، ومن غير المتوقّع في المستقبلالقريب، وجود أي قيادي اسرائيلي يقبل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة لا علىحدود 67 ولا على أية حدود أخرى. فمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية مرفوض كليا من جميع القيادة الإسرائيليية بلا استثناء. وقد عبّروا عن ذلك بكل وضوح بما فيهم نتانياهو وغانتس ولبيد وبينيت وليبرمان.

الرفض الفلسطيني للحكم الذاتي

وما يعرضه الإسرائيليون اليوم على القيادة الفلسطينية هو حكم ذاتي محدود الصلاحيات، بحيث تبقى السيطرة الأمنية على الأرض والجو وكافة المعابر للجيش الإسرائيلي. وقد يكون حتى أقل من ذلك، على شكل روابط قرى أو كيان عميل تابع للجيش الإسرائيلي، كما هو حاصل مع ميليشيا المدعو ياسر أبو شباب في غزة. ومن المتوقع ألا يجد الإسرائيليون قائدا فلسطينيا واحداً يقبلبذلك. فلم يكن الحكم الذاتي يوماً طلباً فلسطينياً أو الحلم الذي تمناه الشعب الفلسطيني وطمح إليه طيلة عقود طويلة وقام بالتضحية لأجله بالغالي والنفيس وقدم مئات الآلاف من الشهداء والجرحى من فلذات أكباده.

وبين الرفض الفلسطيني للحكم الذاتي وبين الرفض الإسرائيلي للدولة الفلسطينية، لن يبقى للشعب الفلسطيني من خيارات إلا استمرار الأمر الواقع من عدوان صهيوني استعماري يزداد شراسة كل يوم على الضفة الغربية وقطاع غزة. فهل نرفض فقط ونشجب ونستنكر ونصدر البيانات ونشكو إلى الله نكبتنا ونكستنا وإبادتنا وذبحنا وقتلنا وهدم بيوتنا واعتقال شبابنا، أم أنّ هناك ما يجب فعله من أجل وقف الإجرام الصهيوني ووقف هذا النزيف من شعبنا وأرضنا. هل سيكون الرفض هو الحل واستمرار الوضع الكارثي المتدهور فيالضفة وغزة. أم ان هناك خيارات أخرى ما بين رفض الإسرائيلين للدولةالفلسطينية وما بين رفض الفلسطينيين للحكم الذاتي؟

بالتأكيد، هناك ما يمكن فعله. فلا يكفي فقط الرفض، بينما يستمر ذبح الشعب الفلسطيني من الوريد إلى الوريد. فسياسة الانتظار التي تم اتباعها حتى الآن أودت بالشعب الفلسطيني إلى الهاوية. الانتظار يعني قضم مزيد من الأرض واعتقال مزيد من الشباب، وقتل مزيد من الفلسطينيين، وإعطاء مزيد من الوقت للمستوطنين لتنفيذ مخططاتهم للاستيلاء على الضفة الغربية والقدسومزيد من الوقت للجيش الإسرائيلي لمسح غزة عن الوجود. لذلك يجب العمل فوراً على رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وإنقاذه من القتل والابادةوالتهجير. دم الفلسطيني لا يجب ان يكون رخيصا بحيث يعتاد العالم على مشاهدة قتل مائة فلسطيني كل يوم على شاشات التلفزيون، كما يحصل هذه الأيام في غزة. لذلك ما هي الاستعدادات للمرحلة المقبلة؟ وماذا ستفعل القيادات الفلسطينية؟ حتى لو أن الشعب الفلسطيني هو الطرف الأضعفعسكريا ويواجه أقوى دولة عسكرية في الشرق الأوسط، بالتأكيد هناك ما يمكن فعله غير الانتظار والرفض.

مطلوب التفكير بطريقة مختلفة والعمل بطريقة مختلفة وخلّاقة. فقد يكون المخرج هو هدنة طويلة الأمد لعشرة أو عشرين سنة، وقد يكون حلّاً آخر. لكن الأكيد أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم ويرفع الراية البيضاء بعد كل هذا النضال والتضحيات ويترك الأرض للمستعمر ويهاجر أو يقبل أن تستمر الإبادة في غزة أو يسمح بتكرار الإبادة في الضفة الغربية. فإن كانت الهدنة – أو أي حلّاً آخر - ستحقن دماء الشعب الفلسطيني، وتحفظ الأرض الفلسطينية وتلجم المستوطنين الفاشيين وجيش الاحتلال وتزيل الحواجز الاحتلالية وتصل الأرض الفلسطينية بعضها ببعض، فلتكن هدنة طويلة الأمد. ولتستمر السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بكل أجهزتها السياسية والدبلوماسية والقانونية بالعمل بالتوازي مع المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف. إنّ استمرار الوضع الحالي يعني استمرار معاناة الشعب الفلسطيني، والانتظار قاتل، لذلك يجب القيام بمبادرة تنجز ما أمكن من حقوق الشعب الفلسطيني وترفع الظلم عنه إلى حين تحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى أراضيهم ومدنهم التي تم تهجيرهم منها.

أخيراً، يجدر الذلكر أنّ السلطة الفلسطينية لم تتوقف عن طلب الحماية للشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال، وحالياً تطالب كافة الفصائل عقد هدنة في قطاع غزة لوقف حرب الإبادة والتهجير، فلماذا لا تمتد الهدنة والحماية للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في الضفة الغربية والقدس وغزة !