![]() |
قال: إنسانية… قال!
نشر بتاريخ: 16/07/2025 ( آخر تحديث: 16/07/2025 الساعة: 08:38 )
![]() بقلم: د. صبري صيدم ما من شك أن عجلة الأحداث تتدحرج بسرعة غير مسبوقة، تزامنا مع ضغط متزايد تمارسه الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب، في محاولة لصناعة «قصة نجاح» تعينه على نيل جائزة نوبل للسلام، بعد أن يفتح له باب التطبيع العربي الإسرائيلي من جديد وعلى مصراعيه. الزعماء العرب الذين يمارس ترامب ضغطه عليهم للانضمام للتطبيع هذه الأيام، يعبرون عن ضيقهم من أن التطبيع في ظل الحرب على فلسطين، لن يكون قابلا للترويج له داخل مجتمعاتهم الموجوعة على جراحات فلسطين والفلسطينيين، طالما بقيت الحرب مستمرة. وعليه يضغط ترامب على نتنياهو أن يسرع في وقف النار. نتنياهو بالمقابل، يبحث عن انتصارات وهمية تعينه على الظهور بموقع «البطل» والبقاء في الحكم والهروب من المحاكمة المقبلة. وبين هذا وذاك فإن الحقيقة الوحيدة الراسخة، التي لا تراجع عنها بين الرجلين، تتمحور حول تنفيذ مشروع تهجير الفلسطينيين، ما يشكل بدوره جوهر الحملة الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، لا مجرد عملية عسكرية تنتهي بوقف النار، بل عملية تحقق رؤية عدوانية مستفحلة. التهجير وحده، لا شيء سواه، هو البند المركزي الذي يسعى نتنياهو وترامب لتحقيقه، تحت ذرائع أمنية وإنسانية جوفاء. فعلى طريق تحقيق هذا الهدف، يقدم نتنياهو على تنفيذ ما يسمى بالـ»المدينة الإنسانية»، وهو الذي رأى العالم نتاج «إنسانيته» المزعومة، مع استحدث ما سمي بـ»مؤسسة غزة الإنسانية»، التي تحولت إلى حلبة علنية لإعدام الفلسطينيين الجوعى. فعن أي «إنسانية» يتحدث نتيناهو، خاصة بعد كل ما رآه العالم في غزة والضفة الغربية؟ «مدينة الإنسانية» المزعومة التي تقاتل حكومة نتنياهو لتنفيذها في رفح، لن تكون مدينة خيام لبقاء السكان فيها تمهيدا لإعمار غزة، وإنما منصة مؤقتة لترحيل الفلسطينيين، تارة عبر استخدامهم للضغط بهم على مصر لفتح حدودها، إما بالإذعان أو بالتظاهر والاحتجاج، أو عبر رحلات منظمة تمر بمعبر كرم أبو سالم ومنه إلى مطار رامون للخروج إلى دول تستوعبهم، بحجة العلاج فيما يصطلح على تسميته بالتهجير العلاجي. أيا كانت الطريقة فإن مدينة «الإنسانية» تماما كما «مؤسسة غزة الإنسانية» مشروعان منزوعا الآدمية والإنسانية والضمير. فعن أي إنسانية يتحدث نتنياهو وحلفاؤه؟ في العمق، هناك خداع سياسي متبادل بين ترامب ونتنياهو قائم على معركة مصلحية بحتة، إذ لا تعني أيّا منهما مصلحة الفلسطينيين، أو حقهم في الحياة والكرامة، بل هو أقرب إلى صفقات المقايضة القائمة على مفهوم: أعطني هدنة أعطك تطبيعا! المضحك أن نتنياهو اليوم وبعد دعوات ترامب لإعفائه من المحاكمة ووعده له بتطبيع أوسع، بات يطلق التصريح تلو الآخر مشددا على التزامه المزعوم بتحرير الرهائن في غزة، بينما هو من فّعل «بروتوكول هاني بعل» في بداية الحرب، ليضحي بالرهائن من أول الطريق، ليعود اليوم ليتاجر بقضيتهم من جديد. وهو ما يجعل كل خطوة يخطوها مفضوحة أمام الإسرائيليين، كونها تنبع من حاجة سياسية للبقاء في السلطة، وسط تحالفات هشة وضغوط متزايدة، ومصير قانوني قد يطرقه العالم عبر بوابة المحكمة الجنائية الدولية. نتنياهو لن يكون يوما معنيا إلا بمصلحته طبعا ولن يكون مطلقا مهتما بإقامة دولة فلسطينية، لا في غزة ولا في أي مكان في فلسطين، بل يسعى لإحكام السيطرة الأمنية، وفرض معادلة الخنق الكامل على غزة والضفة الغربية، تماما كما كان الحال الذي عاشه الفلسطينيون قبل الحرب وبعدها. في ظل هذا الواقع، يرى البعض أن ظهور مشاريع تحمل عناوين إنسانية مزعومة كغطاء سياسي بات أمرا متوقعا، لكن مدينة نتنياهو العنصرية، ليست إلا وجها آخر لعملية ممنهجة تهدف إلى قتل الحلم الفلسطيني عبر حصر الناس في رقعة محروقة، وتقديمهم للعالم كمحتاجين بلا وطن. وبينما تتكالب الأجندات وتختلط الأوراق، ما يريده الفلسطينيون واضح ومعروف: وقف فوري للحرب، عدم استئنافها، تدفق المساعدات، إنهاء مشروع التهجير، والشروع في إعادة الإعمار طويلة وقصيرة الأمد، إضافة إلى تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية المقبلة، والعمل على تطبيقه فورا لوأد مساعي إسرائيل لتكرار حروبها على الشعب الفلسطيني. ليس خافيا أن إسرائيل استغلت فترات التهدئة الماضية لإعادة رسم هجماتها المقبلة، بما في ذلك تحديث بيانات الذكاء الاصطناعي، واستغلال صور الأقمار الصناعية لتحديد الأهداف المقبلة، وتوسيع عمليتها العسكرية، خاصة بعد أن أوجعها إصرار مئات الآلاف من شعبنا الفلسطيني في غزة على العودة إلى بيوتهم المدمرة ورفض التهجير. وسط كل هذا، تبرز أهمية صمود أهلنا وثباتهم على أرضهم، ليجهز على مخططات حكومة الاحتلال، إضافة لإفشاله لمشروع «الريفيرا» وسيحقق إعادة ربط الجغرافيا الفلسطينية بين الضفة وغزة. الصمود مفتاح الرد الفلسطيني الحقيقي، فالقضية لم تعد مجرد وقف إطلاق نار أو هدنة محدودة، بل صراع وجودي في معركة هوية. كما أن التلاحم الفلسطيني ضرورة ملحة تستوجب الإنجاز، من خلال رؤية واحدة موحدة ترتبط بمستقبل فلسطين، ووفق برنامج وطني جامع يتصدى لخطة نحر الهوية الفلسطينية ويحبط السرطان الاستيطاني المتنامي باعتباره مشروعا إحلاليا فاقعا ويحقق الدولة الوليدة وفق القانون الدولي. إن الطريق لم يُغلق أبدا، رغم عثرات الحوار الفلسطيني، لذلك لا بد من إنعاش هذا المنحى ومتابعته وتحملنا جميعا لمسؤولية تنفيذه. في السياسة، لا صديق دائم ولا عدو دائم، هناك مصالح دائمة. هذا ما تحكمه معادلة «حكلي تحكلك» بين نتنياهو وترامب. لكن ما يجب أن يحكمنا نحن هو مصلحة شعبنا حتى تصبح فلسطين دولة مستقلة.. حقيقة رغم أنف تجار الإنسانية المزعومة، فهل يهزم العالم هذا الزعم وأصحابه وتنتصر فلسطين؟ ننتظر ونرى! |