![]() |
التجويع وسيلة فتاكة للإبادة… والأولوية الفلسطينية للانقاذ ومنع التهجير
نشر بتاريخ: 22/07/2025 ( آخر تحديث: 22/07/2025 الساعة: 08:34 )
![]() يُعتبر التجويع وسيلة إجرامية من وسائل الإبادة الجماعية، وقد تم تصنيفه كذلك في القانون الدولي. استخدام التجويع كأداة حرب ضد السكان المدنيين ليس فقط جريمة حرب، بل فإنه يرقى إلى جريمة إبادة جماعية إذا كان الهدف منه هو تدمير جماعة قومية أو عرقية أو دينية أو إثنية بشكل كلي أو جزئي. ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) في المادة 8 (2)(ب)(xxv) على أن “تجويع المدنيين عمدًا كأسلوب من أساليب الحرب” يُعد جريمة حرب. كما أن المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية (1948) تتضمن الأفعال التي تهدف إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، ومن ضمنها إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُقصد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا. وهذا يمكن أن يشمل الحصار الشامل، أو منع وصول الغذاء والماء، أو استهداف المنشآت الحيوية مثل المزارع والمخازن ومحطات المياه. التجويع كسلاح في غزة: جريمة مستمرة في السياق الفلسطيني، تشير كثير من التقارير الحقوقية الدولية (بما فيها تقارير من الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق إنسان مستقلة) إلى أن الحصار المفروض على غزة، خاصة بعد 7 أكتوبر 2023، واستخدام التجويع كسلاح، يرقى إلى جريمة إبادة جماعية، خاصة مع التصريحات العلنية لبعض المسؤولين الإسرائيليين التي تدعو صراحة إلى منع الغذاء والماء عن السكان. وقد أصبحت هذه الجريمة المتصلة بالتجويع، منذ التاسع من آذار/مارس الماضي، الوسيلة الأكثر فتكًا بالمدنيين الفلسطينيين، لا سيما الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن، حيث اخترقت إسرائيل اتفاق يناير، بدعم غير مسبوق من إدارة ترامب، في شراكة واضحة مع فاشيي تل أبيب بمواصلة الإبادة الجماعية. “مؤسسة غزة الإنسانية”: أداة إضافية للإبادة ولم تتمكن واشنطن من التغطية على هذه الجريمة الأشد خطورة، رغم تشغيل ما يسمى بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، التي باتت وسيلة إضافية لحرب الإبادة، حيث تحولت إلى مصائد للموت في أبشع صور استخدام حاجة الناس للطعام والتجويع الذي يتعرضون له. أولوية غزة: وقف القتل وضمان الكرامة ومع ذلك، فأهل غزة، ورغم حاجتهم لإعلاء الصوت ضد التجويع والإبادة، فإن أولويتهم تتركز في وقف القتل الذي يحيط بهم من كل حدب وصوب، وضمان وصول الطعام والمساعدات الإغاثية المنقذة للحياة بطريقة تحفظ إنسانيتهم وكرامتهم المستباحة. وهم يدركون أن ذلك لن يتحقق ما لم تصبح هذه الأولوية مسؤولية الجميع دون استثناء، والأهم تحرير حياتهم ومعاناتهم من الحسابات السياسية الداخلية، كي يُوضَع الجميع أمام مسؤولياته في مواجهة ما تخطط له حكومة تل أبيب الفاشية، لا سيما لجهة مخططاتها لاستكمال نكبة 1948 بتهجير الناس خارج فلسطين. ما العمل؟ وما هي السياسة المطلوبة فلسطينيًا؟ منذ الشهور الأولى للعدوان على غزة، والسلطة تعلن استعدادها لتولي مسؤولياتها في القطاع. ولكن التعبير عن الاستعداد ليس بالضرورة أن يعني القدرة على الاضطلاع بمثل هذه المسؤوليات. فما الذي قامت به السلطة حتى تكون قادرة على ذلك؟ كما هو معلوم، فإن مفتاح هذه القدرة والمرتكز الأساسي لها هو تمكين السلطة سياسيًا من القيام بما هو مطلوب. الأمر الذي لم يتحقق ولن يتحقق دون لمّ الشمل الفلسطيني على قاعدة ما تم التوافق عليه وطنيًا من قبل كافة الفصائل، وخاصة ما اتُّفق عليه قبل عام في بكين. هذا من الناحية السياسية. وأما لجهة القدرة على ممارسة هذا الدور عمليًا لجهة الإغاثة والإعمار ومداواة جروح الناس وآلامهم، فليس من الواضح كيف يمكن أن تمتلك السلطة مثل هذه القدرة، في الوقت الذي تتصاعد فيه سياسات الاحتلال التي أدت إلى مزيد من إضعافها، مما أدى إلى تدهور حاد في قدرتها على القيام بمسؤولياتها حتى على صعيد الضفة الغربية، كما عبّر عن ذلك البيان الأخير لحكومة السلطة بهذا الشأن. فكيف سيكون الحال لمثل هذه القدرة، والجميع يعلم طبيعة التحديات الكبرى الناجمة عن الإبادة المستمرة في قطاع غزة؟ ألم يحن الوقت، على خلفية ذلك كله، للإقلاع مرة وإلى الأبد عن الوهم بأن “سياسة ملاحقة العيار لباب الدار” لن تجدي نفعًا؟ لا، بل من المؤكد أنها تقذف بقضيتنا إلى وبال محتوم. هذا بالإضافة إلى أن استراتيجية حكومة تل أبيب ماضية في تفكيك السلطة ذاتها، بينما تواصل ضم الأرض . في المقابل، هل تعتقد حماس أن الوقت يعمل لصالحها؟ وأن حصولها على ضمانات أمريكية سيمنع نتنياهو من العودة للقتال، إن كان ذلك ما يخطط له؟ ومن المؤكد أنه يخطط لذلك. ولكن ذلك لا يُلغي أن ترامب يقف إلى جانب إسرائيل لتصفية المقاومة وسلاحها، تمهيدًا لمزيد من استباحة غزة وأهلها بالتهجير. نحو إجابة فلسطينية موحدة لليوم التالي السؤال الجوهري هنا هو: هل يكفي موقف حماس بترداد أنها منفتحة على وحدة الموقف، سواء ما يسمى بلجنة الإسناد المجتمعي أو حكومة توافق، مقدمةً الأولى على الثانية رغم أنها لا تحظى بذات الإجماع، وذلك يأتي في سياق انتظاري، وكأن تحقيقه مسؤولية أطراف مجهولة؟ أو تستمر في تعليق عدم إنجازها على مشجب نأي السلطة بنفسها عن كل ما يجري؟ حكومة وفاق وطني: مفتاح استعادة القرار الفلسطيني قد يقول البعض إن قيادة السلطة، التي نأت بنفسها حتى الآن، لا تريد ذلك، إلا أن إعلان حماس، بالتوازي مع ما سوف يتم التوصل إليه من اتفاق انتقالي، بأن تضع مسؤولية استكمال التفاوض وفق الإجماع الوطني في عهدة حكومة وفاق وطني، من شأنه أن يُعيد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم المباشرة، بل وأن يُخرج التفاوض ومستقبل القضية الفلسطينية من دهاليز مخططات التصفية، بما في ذلك للمقاومة وسلاحها، إلى ما يجمع عليه الشعب الفلسطيني، تمهيدًا للذهاب المتعافي نحو انتخابات عامة شاملة، لا انتخابات تُجرى في غياب التوافق الوطني، كما ورد في بيان الجبهة الديمقراطية. ذلك أن انتخابات من هذا النوع لن تؤدي، في غياب التوافق، سوى إلى مزيد من تقويض مكانة منظمة التحرير، التي يُفترض أن تكون جبهة وطنية متحدة لقيادة النضال الوطني، لا أن تتحول إلى محط خلاف داخلي، كما أضحت، بدلًا من أن تكون البيت الجامع للفلسطينيين كافة، كما يجب أن تكون. |