![]() |
التجويع كـ”سلاح إبادة”: تفكيك البنية الإسرائيليّة للهيمنة على غزة
نشر بتاريخ: 23/07/2025 ( آخر تحديث: 23/07/2025 الساعة: 12:39 )
![]()
في سياق حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، لا يمكن قراءة سياسة الحصار والمجاعة بوصفها نتيجة جانبية للحرب، بل باعتبارها أداة أساسية من أدواتها. فالتجويع ليس مجرد أثر عرضي، بل أسلوب ممنهج يُستخدم لتفكيك المجتمع الفلسطيني، وإخضاعه، وكسره نفسياً وجسدياً. وقف إطلاق النار لا يضع حداً لهذه السياسات؛ فحتى في غياب القصف، تواصل إسرائيل التحكم بالمنافذ والمعابر والمواد الحيوية، ما يجعل أي وقف لإطلاق النار سطحياً وغير كافٍ. الحرب الحقيقية ليست فقط في الطائرات والدبابات، بل في سياسات الإفقار المتعمَّد، والموت البطيء، وتفكيك القدرة الجماعية على البقاء. الإبادة لا تحتاج إلى قنابل، بل يكفيها التحكم بالحياة اليومية للفرد: الطعام، الماء، الرعاية الصحية، والمأوى. المفارقة المؤلمة أن هذا كله يحصل في ظل صمت دولي فاضح، وانفصال أخلاقي لدى كثيرين ممن يتابعون الحرب من خارج غزة. في مقاهٍ مكيّفة، أو فنادق ومكاتب أنيقة، يعقد بعضهم الصفقات ويُصدرون البيانات، وكأن ما يحدث في غزة مشهد بعيد لا يعنيهم. البعض، من داخل العالم العربي نفسه، يراقب الحرب كما لو كانت نشرة أسعار عقارية، أو فرصة لإعادة الإعمار، لا كارثة إنسانية وأخلاقية شاملة. أما الإعلام الغربي، وحتى داخل إسرائيل نفسها، فقد بدأ أخيراً في انتقاد ما يسميه “أخطاء الحكومة اليمينية المتطرفة”، لكنه قبل أسابيع فقط كان يشارك في تقديم “نصائح استراتيجية” لكيفية حسم الحرب. تحوّل خطاب الحرب إلى مسألة إدارية داخلية، لا تتناول جوهر المشروع الاستعماري القائم على الإبادة والسيطرة. فالمسألة، في جوهرها، ليست حربًا ضد تنظيم مسلح أو ردًا على تهديد عسكري، بل تعبير عن عقيدة صهيونية قديمة: تطهير الأرض من “المشكلة الفلسطينية”. هذا المشروع لا يميّز بين فصيل سياسي وسكان مدنيين. كل غزة، ككيان ومجتمع ومساحة، تُعامل باعتبارها عدوًا. كل فلسطيني يصبح هدفًا محتملاً، وكل بنية مدنية تُصنَّف على أنها بنية تهديد. يتداخل المفهوم الأمني بالهوية القومية، بحيث تصبح الحرب امتدادًا لسياسات الهوية، لا لسياسات الأمن. ولهذا، فإن قتل الفلسطينيين لا يُعد جريمة، بل ضرورة. وأي محاولة لفصل حركة حماس عن غزة تُعتبر تهديدًا لاستراتيجية الإبادة ذاتها. هكذا يتحوّل الموت إلى أداء جماعي مقدس، ويُنتزع من سياقه السياسي. في المقابل، يُعامل موت الفلسطينيين كمعلومة فنية، أو كأضرار جانبية لا تستحق الذكر. إنها مساواة في التشييء: موت مُبجَّل هنا، وموت صامت هناك. لذلك، فإن أي حديث عن وقف إطلاق النار لا معنى له إن لم يقترن بتفكيك أدوات الهيمنة، ورفع الحصار بشكل كامل، وعودة السيطرة الفلسطينية على توزيع المساعدات، ومحاسبة من استخدم الجوع كسلاح.
|