![]() |
غزة.. حين تصبح التضحية سياسة والثمن باهظاً!
نشر بتاريخ: 30/07/2025 ( آخر تحديث: 30/07/2025 الساعة: 09:36 )
![]()
عبد الباري فياض
في قلب المعاناة التي تنزف بها غزة كل يوم، تنكشف فصول مأساة إنسانية غير مسبوقة، لا يمكن تحميلها فقط على آلة الحرب الإسرائيلية، وإن كانت هي المسبب الرئيسي للدمار والموت. فالحديث عن القيادات، وعن صناع القرار في هذا الواقع المرير، بات ضرورة ملحة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بشخصيات بحجم عز الدين الحداد، الذي يجد نفسه في عين العاصفة، ليس فقط بصفته رمزاً للمقاومة، بل أيضاً كلاعب أساسي في ديناميكية الصراع، وبالتالي، في تحديد مصير مليوني إنسان يرزحون تحت وطأة الحصار والقصف والتجويع. إن منصب الحداد القيادي في حركة حماس يمنحه سلطة هائلة، وفي المقابل، يلقي على عاتقه مسؤولية لا تقل ضخامة. فما يحدث في القطاع، من تدهور كارثي في الأوضاع الإنسانية، وارتفاع جنوني في تكاليف المعيشة، وتدمير منهجي لكل مقومات الحياة، ليس قدراً محتوماً، بل هو نتاج قرارات سياسية تُتخذ في غرف مغلقة، أو تُفرض على الأرض بفعل سياسات معينة. لا يمكن فصل الواقع اليومي المأساوي للمواطن الغزي عن القرارات التي يتخذها قادة بحجم الحداد، الذين يملكون النفوذ الكافي لتغيير مسار الأمور، أو على الأقل، للتخفيف من وطأة هذا الجحيم. من هذا المنطلق، يصبح رفض حماس توقيع اتفاق يُنهي القتال، أو حتى يُخفف من حدته، مسألة تحتاج إلى وقفة تأمل عميقة. هل الأهداف السياسية، أياً كانت نبلها، تستحق هذا القدر من التضحية البشرية؟ هل المبادئ، وإن بدت بعيدة المنال، تُبرر استمرار النزيف اليومي لأطفال ونساء ورجال، تُهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، وتُسرق منهم أحلامهم، وتُدفن كرامتهم تحت الأنقاض؟ إن السؤال هنا ليس عن شرعية المقاومة، بل عن فعاليتها وجدواها في ظل هذا السياق الكارثي، وعن التكلفة البشرية الباهظة التي يدفعها الشعب الفلسطيني. لقد وصل الوضع في غزة إلى نقطة اللاعودة. المستشفيات باتت مقابر جماعية، المدارس دُمرت، البنية التحتية انهارت بالكامل، والأمن الغذائي والمائي في أدنى مستوياته على الإطلاق. مشاهد الأطفال وهم يموتون جوعاً أو بسبب نقص الرعاية الطبية، أصبحت أمراً يومياً. وفي ظل هذا المشهد المروع، يتساءل الكثيرون: إلى متى ستستمر هذه المعاناة؟ وإلى متى سيُدفع الثمن من دماء الأبرياء باسم "الصمود" و"المقاومة" دون رؤية أفق حقيقي للحل؟. إن الوقت قد حان لكي يستخدم قادة مثل عز الدين الحداد نفوذهم وسلطتهم ليس فقط في إدارة الصراع، بل في إيجاد مخرج له، فليس من المعقول أن يبقى سكان غزة رهينة لصراع سياسي تتكفل به أرواحهم ومستقبلهم. إن التوصل إلى حل، أي حل يُنهي القتال ويُوقف المجازر ويُدخل المساعدات الإنسانية ويُعيد بعضاً من الحياة إلى غزة، يجب أن يكون الأولوية القصوى. هذا لا يعني التنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولكنه يعني إعادة تقييم الأولويات في ظل واقع كارثي لا يُبقي ولا يذر. في الوقت الذي تتوالى فيه المحاولات الدولية والإقليمية للتوصل إلى هدنة أو اتفاق شامل، يبقى التساؤل معلقاً: هل تدرك القيادة الفلسطينية في غزة حجم الكارثة؟ وهل هي مستعدة لتقديم التنازلات اللازمة، ليس من باب الضعف، بل من باب المسؤولية الأخلاقية تجاه شعبها؟ فالهدف الأسمى لأي قيادة يجب أن يكون حماية شعبها وتأمين مستقبله، وليس التضحية به على مذبح مبادئ قد تبدو نبيلة في جوهرها، ولكنها في الواقع الحالي، تقود إلى المزيد من الدمار والخراب. إن مستقبل غزة، ومعه مستقبل القضية الفلسطينية برمتها، يتوقف إلى حد كبير على القرارات التي ستُتخذ. فهل سيُبادر قادة مثل الحداد إلى تغيير المسار، أم أنهم سيستمرون في سياسة التضحية التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من اليأس والإحباط؟ الإجابة على هذا السؤال ستحسم مصير الملايين، وستُكتب في صفحات التاريخ، إما كشهادة على صمود الأبطال، أو كوصمة عار على جبين قيادات فضّلت المبادئ على حياة شعبها. إن سكان غزة يستحقون أن يعيشوا بكرامة وأمن وأمل في مستقبل أفضل، وهذا ليس قدراً، بل قرارًا. |