نشر بتاريخ: 03/08/2025 ( آخر تحديث: 03/08/2025 الساعة: 14:20 )
مزيونة،
قاتلت الموت أكثر من مرة،
راوغته،
صفعته بمسبحتها،
طردته من على عتبة البيت كما تطرد أم فلسطينية ضابطا من أحلام ابنها.
قال لها الأطباء:
انتهى الأمر.
فابتسمت وقالت:
ما زال لي ابن في السجن،
قلبي يدق،لم يتوقف،
قال لها الليل:
نامي، أنتِ مُنهكة.
فأجابت:
ابني لم ينم منذ ثلاثين عامًا، فكيف أنام؟
حتى الموت،
كان يأتيها مثل السجّان،
مرعوبًا من صلابتها،
يقدّم نفسه بخجل،
كأنه متطفل على حكاية لم تنتهِ بعد.
لكنها ذهبت...
فجأة، بهدوء يشبه الاستسلام.
من مثل مزيونة ينهزم؟
من مثلها، حين يتوقف عن القتال،
يشعر العالم كله بالهزيمة؟
نحن تركناها تموت.
نحن،
الذين أرهقناها بالأمل،
وحاصرناها بالأخبار والوعود المؤجلة،
وقلنا لها إن الحرية قاب قوسين،
وإن ناصر سيعود غدًا...
ثم تأخّر الغد ،وكان الموت،
نحن من تأخر كثيرا
وليس الوقت.
لماذا تركناها؟
في المخيم،
في الزاوية التي تقرأ فيها الرسائل الباهتة،
خلف جدار تملاه الصور،
وفي الكلام الذي لا يأتي بصوت،
لماذا تركناها تموت وحدها
وفي السجن ظلّ منها؟
ظلّ أمٍّ كانت تدفئ زنزانة كاملة
في ليلة برد وخوف،
وتبعث في ناصر شمسًا كل صباح،
وهو لا يرى سوى الجدران.
أين السّلام؟
هل مات في حرب الابادة،
الحديد والقنابل والقصف
لا تصهر الجدران،
بل تصهر الإنسان؟
ثلاثون عاما واكثر،
لم تنكسر الدائرة،
الصاروخ يدخل من النافذة،
وعزة تشتعل في الذاكرة،
ناصر في السجن،
مزيونة في المقبرة
مابين الزنزانة والتابوت كان الانتظار اقسى من القيود،
في شوارع المخيم حملناها،
صلاة صامتة،
حجارة غاضبة ،
دهشة ووجع واسئلة،
مزيونة ماتت،
فكيف تدخلون المخيم الان؟
وفي ايديك حديد ونكبة متجددة ،
ام ناصر ليست موجودة كما هي غزة،
مزيونة حية ونحن الميتون،
هي من تشيعنا،نحن الاحياء بلا ارادة،
مزيونة صرخة المقهورين في وجه العدالة:
من يكسر القيد؟
من يسقط المؤبد؟
يا مزيونة سامحينا،
كما مشغولين بإحصاء الشهداء،
وجمع الطحين من الدم،
فنسينا من ينتظرون بين الحياة والموت.
ملاحظة:
تعلن الحاجة مزيونة عن استقبال المعزين في المقبرة الواقعة بين جباليا وجنين، هناك حيث الوطن كله نعش مفتوح