وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

سهى عرفات تتحدث عن علاقتها بالرئيس الراحل ابو عمار

نشر بتاريخ: 09/11/2009 ( آخر تحديث: 09/11/2009 الساعة: 21:38 )
مالطا-معا- بارعة علم الدين-في 11 تشرين الثاني الجاري تصادف الذكرى الخامسة لاستشهاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات...زوجته سهى وابنته الوحيدة زهوة تعيشان ومنذ عامين في مالطا الى جانب شقيق سهى السفير الفلسطيني في مالطا، غابي الطويل وعائلته، ومع سهى والدتها ريموندا، وشقيقاتها ديانا وهالة وليلى يزورانها باستمرار.

وسهى التي كانت منفتحة على الاعلام قبل وفاة زوجها، آثرت الابتعاد عنه، ولم تدخل خلال السنوات الخمس الماضية الا بحديثين واحد لجريدة «الحياة» وآخر لجريدة «الصنداي تايمز» اللندنية، وكان حوار تلفزيوني واحد حصلت عليه قناة العربية.

وقبل ايام وافقت سهى على اجراء الحديث الصريح التالي مع مجلة «هي» وفيما يلي نصه:

يرسمون لك صوراً مختلفة ومتناقضة، فكيف ترسمين شخصيتك، من هي سهى الطويل عرفات الحقيقية؟

-انا امرأة فلسطينية، ولدت في القدس وترعرت فيها وفي نابلس ورام الله، حيث تلقيت علومي الابتدائية والثانونية ثم ذهبت الى جامعة السوربون في فرنسا لاتمام علومي الجامعية العليا. والدي داوود الطويل كان والداً محباً، وقد درس الاقتصاد في جامعة اوكسفورد العريقة، ثم عاد ليؤسس البنك العثماني في اربد ونابلس، والدتي ريموندا حوا الكاتبة والاعلامية المناضلة ريموندا حوا، سجنها الاسرائيليون مرات عديدة، وقد ارضعتنا حليب النضال منذ طفولتنا، وانا لم اعرف وطني من دون الاحتلال منذ ولادتي، امضيت شبابي ورفيقاتي نقاوم الاحتلال بالمظاهرات والاعتصامات.

هويتي رسمت معالم حياتي، وكذلك زواجي من ابو عمار، وانا بطبعي مقبلة على الحياة، احب الناس، واتعامل مع شؤون وشجون الحياة بالعزيمة والايمان.

ما هي الصورة التي بنيتها في مخيلتك لياسر عرفات قبل لقائك الاول به؟

-كان عمري خمس سنوات عندما سمعت اسمه، وكنت مختبئة مع العائلة في احد الملاجىء في نابلس، وكنا نسمع الطلقات النارية والصرخات البشرية، كان موشيه دايان يقتحم نابلس، والناس تصرخ «سلم نفسك يا ابو عمار».

وكيف كان اللقاء الاول؟

-شعرت بالرهبة والخوف، فقليلون هم الرجال الذين يملكون الجاذبية وهيبة السلطة مثله، ولكنني شعرت ايضاً بطيبته وحسن استقباله لنا، انا ووالدتي واخوتي، وهو قال لي لاحقاً لقد احببتك من اول نظرة.

وانت من احببت رجل السلطة والنضال، ام الانسان؟

-انت تتحدثين عن شخص واحد هو ابو عمار، لقد كنت مشدودة في البدء الى قائد الثورة الى رمز القضية، الى ذلك الرجل المؤتمن على حلم شعب بكامله، وبعد معرفتي به، احببت فيه الشهامة والبطولة. والرجولة والعقل الراجح، احببت عطفه وحنانه ورومانسيته.

احببته لانني وجدت فيه قائداً لا يفرط بحقوق شعبه، ولا يهادن عدوه، انا فخورة بأن اكون زوجة من وضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية. ذلك الذي اطلق العلم والنشيد الوطني الفلسطيني. لقد امضيت مع ابو عمار 20 عاماً مليئة بالاحلام والاهداف والحقوق والمآسي، لقد عاش ابو عمار شاهقاً كالرمح ومات كذلك، سرقني ابو عمار وانا فتاة شابة حالمة، اخذني الى عالمه المليء بالعنفوان والثورة والايمان بالله والوطن.

والواقع انني شعرت انه بحاجة الى امرأة الى جانبه تهتم به، وانا لم اغير في ابو عمار شيء، بل هو الذي غيرني وقلب حياتي رأساً على عقب، عندما تزوجت ابو عمار كانت اعلم ما انه مقبلة عليه، كنت اعلم ان حبيبته الاولى هي فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. بل شرف لي انني كنت الحبيبة الثانية بعد فلسطين.

تقولين ان ابو عمار كان رومانسيا..؟

- نعم.. نعم، من يعرف ابو عمار عن قرب كان يعرف انه انسان ودود يهوى الشعر، والموسيقى وفيروز واغنية زهرة المدائن، كان عطوفا منتبها لأدق تفاصيل حياتي عندما تسنح له الفرصة والوقت.. وهو ايضا رقيق وشفاف تبكيه معاناة الارامل والاطفال من ابناء شعبه، ويؤرقه حرمانهم من ابسط حقوق الانسان.

وماذا عن الذي قرأناه حول خلافات زوجية وجفاء بينك وبين ابو عمار؟

- لقد فوجئت ولم يفاجأ ابو عمر بالهجمة الاعلامية الاسرائيلية الغربية، والعربية الى حد ما على عائلة ابو عمار، وكان يقول لي :«يا سهى انت لست المقصودة، بل انا، فهم يريدون اغتيال شخصيتي وحياتي الخاصة لانهم لا يستطيعون قتلي، وانا لو تزوجت قديسة فهي ستنال نفس المصير». كان يردد رحمه الله :«المقصود هو انا والقضية، لا تزعلي، ويا جبل ما يهزك ريح، المهم انا اعرف من انت». واذكر جيدا انه كان يكرر لو غسلت هذه المجلات والجرائد لزالت حبرا اسودا. لقد عشت مع ابو عمار حياة مليئة بالمفاجآت والتكهنات والظروف الصعبة وكذلك الظلم، وكان اشدها طبعا من ذوي القربى، الذين ظلموني في حياته وبعد مماته.

وماذا عن التقارير الصحفية التي تحدثت عن الثروة التي تركها لك ابو عمار؟وكم منزلا تمتلكين؟

- نعم لقد ترك لي ابو عمار اكبر ثروة هي ابنتي زهوة، وتاريخه الحافل المحفور في قلب وعقل كل فلسطيني ومحب للحرية. ولم يترك لي ابو عمار ولا لزهوة لا منزلا ولا ثروة، واحيانا عندما تشتد صعاب الحياة علينا، اغضب وابكي واترحم عليه.

لماذا تعيشين في مالطا؟

- بعد ان تركنا تونس، جئت مع والدتي وزهوة لزيارة شقيقي، واعجبت بهذا البلد الشرقي الطابع، العربي الهوا، وزهوت احبت الحياة في هذا البلد الصغير المضياف في كنف العائلة.

زهوة تشبه والدها، فهل ورثت طباعه ايضا؟

- هي مثله في عنادها واحساسها، وحبها للموسيقى، وهي ايضا دؤوبة وتهتم بالتفاصيل.

ما هي وصية ابو عمار لزهوة؟

- كان يوصيها دوما بالقضية الفلسطينية ويحدثها عنها، يحدثها عن اطفال فلسطين، يوصيها بقراءة القرآن وتعلم اللغة العربية. وهل تنفذ وصية الوالد؟

زهوة مؤمنة ولقد زارت مكة المكرمة معي وادت فريضة العمرة، وهي تقرأ وتكتب وتتحدث اللغة العربية بطلاقة، وكأي فتاة فلسطينية، تتابع اخبار فلسطين، خلال حرب غزة جمعت المال من اصدقائها، وبعثت بالمساعدات لاطفال غزة. وانا من جهتي اردد على مسمعها دوما مسيرة حياة والدها، واقول لها ان والدها كان يردد دوما ما اوصاني به في اخر ايامه، ان الثوابت لا يمكن التخلي عنها، القدس واللاجئين.. كان يقول لي، قولي لزهوة.. :«يا سهى ان اسرائيل لا تريد السلام وهذا صراع الاجيال، وانا بعيد عنها لانني لا اريد ان تقول زهوة ورفاق جيلها انني تخليت عن الثوابت.

وخنت القضية، انا اعلم ان التاريخ سينصفني»

وكيف كانت علاقة زهوة بوالدها؟

- كانت علاقة حلوة وعاطفية جدا، خاصة وان مشاغله كانت تأخذه، كانت تنام بيننا في الكثير من الاوقات، وكان عندما يدخل المنزل يقول اين امي، يعني ابنته زهوة التي تحمل اسم والدته، كان يصر على اطعامها العسل، علمها استعمال المسدس، والصلاة معه، كان يفخر انها تشبه والدته، يقول: «هي بيضاء اللون وجسمها نحيل وطويل مثل عائلتك يا سهى ولكن ملامحها تشبه والدتي». وعندما تركنا غزة كان يحاول التحدث معها يوميا عبر الهاتف اينما كان.

هل تتحدث زهوة كثيرا عن والدها؟

- لا تتحدث عنه امام الناس، ولكنها تمطرني بالاسئلة عنه، تقرأ عنه بالكتب وعلى صفحات الانترنت، ويؤلمها مشاهدة احداث فلسطين علي شاشات التلفزيون، حين تشاهد صوره على الجدران ومحمولة من قبل ابناء شعبه.

وهل تطلب العودة الى فلسطين؟

- نعم. ولكنها تخاف من الحرب، وامل ان نعود انا وزهوة لنعيش بين اهلنا في القدس الشريف بعد ان تنقل جثمان ابو عمار من المقاطعة حيث يرقد، فهذه كانت وصيته.

اذكر في حوار لي معك العام 1997 قولك لي اذا غاب ابو عمار فستكون هناك حرب مدمرة بين الفلسطينيين انفسهم، لانهم سيجدون صعوبة في ان يتقبلوا بديلا عن ابو عمار، فهل كان هذا رأيه هو؟

- لا، لم يقل لي ابو عمار هذا، ولكنني اعلم ان هذا ما كان يخشاه، انا حزينة جدا وقلقة الى ابعد الحدود من حالة الفرقة والحقد والانقسام الفلسطيني اصلي دائما لعودة اللحمة بين ابناء الشعب الواحد. ومن دون الوحدة ستضيع القضية.

طالما كنت تتحدثين في الامور السياسية، واليوم تبدين بعيدة عنها لماذا؟

- انا متابعة للشؤون السياسية الفلسطينية لحظة بلحظة، ولكنني همي الاول اليوم هو تربية زهوة وتعويضها حنان الاب، وهي اليوم في سن تحتاج فيه لكل رعايتي وحناني، كما انني اتابع العديد من القضايا الانسانية، واحاول تقديم المساعدة لابناء شعبنا بكل الوسائل المتاحة لي. والمرأة الفلسطينية كانت دوما وما زالت جزءا هاما من وطنها، فهي الفدائية، والشهيدة والوزيرة والمزارعة.

خلال وجودك في غزة اسست جمعيات خيرية عديدة تعليمية وطبية وغيرها، هل انت قادرة اليوم على ادارة هذه الجمعيات من مالطا؟

- لقد دمرت حروب اسرائيل الكثير مما بنينا ومساعداتي اليوم تتم عن طريق مديرة مكتبي نادية واجد هذه طريقة فعالة جدا. من المعروف ان المراكز السياسية تجذب الاصدقاء، فما بقي لسهى من صداقات فترة حملها لقب سيدة فلسطين الاولى؟

اولا، هذا اللقب لم يعن لي شيئا سوى الواجب لمساعدة زوجي والانسان الفلسطيني اينما وجد. وكنت اشعر دوما ان هذه المناصب فارغة وزائلة. وهي لم تغريني او تشدني يوما، كل المظاهر التي ترافقها.

ما حصل مع غيري في انفضاض الناس من حول الزعيم او زوجته، حصل لي، ولكن هناك صداقات حقيقية بقيت، فصداقتي مع الاميرة الجوهرة البراهيم حرم الملك الراحل فهد ابن عبد العزيز قوية، وصامدة وكذلك مع حرم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الاميرة حصة الشعلان، وسيدة مصر الاولى سوزان مبارك التي لن انسى وقفتها هي والرئيس المبارك والشعب المصري معي خلال مرض ابو عمار، وكذلك جهودهم واستقبالهم لجثمانه في القاهرة واقامة المأتم المهيب الذي حضره زعماء العالم وسونيا غادي والراحلة بنازير بوتو، واخرين .. وهنا اريد ان اقول ان علاقتي مع العديد من الاميرات السعوديات، اظهرت لي على مدى السنين ان لهذه العائلة مكانة في سيرة حياتها واخلاصها وليس باللقب فقط بل بالفعل. وانا اتابع تطور المرأة العربية اينما كانت، والاحظ القفزات الكبيرة التي تقوم بها المرأة السعودية، نحو مشاركتها في نمو وتطور مجتمعها.

واسمحي لي عبر مجلة «هي» ان ابارك للشعب السعودي الصرح العلمي الذي اطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالقرب من جده، «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية». خاصة وانه الاول من نوعه وقد خصصت له الرعاية الكافية ليحتوي على احدث الادوات العلمية والاكثر تطورا، مما سيحدث نقله نوعية علميا في مستقبل الاجيال السعودية والعربية والعالمية، والواقع انني آمل ان تسنح لي الفرصة لزيارة هذا الصرح عندما نذهب انا وزهوة لتأدية فريضة الحج.

هل انت من هواة القراءة ام التلفزيون؟.

-انا قارئة نهمة، أقرأ الصحف على الانترنت فمعظمها لا يصل الى مالطا. احب قراءة كتب التاريخ والسياسة والشعر الى جانب سريري كتب لشعراء احبهم، ابرزهم الشاعر والاديب الدكتورغازي القصيبي، كتابه «شقة الحرية» قرأته ثلاث مرات واشاهد البرامج التلفزيونية الاخبارية.

والموسيقى؟

-احب السماع لعمالقة الغناء العربي، وانا مثل ابو عمار تطربني فيروز، اتذكرين عندما طلب منك ابو عمار ان تخبري صديقتك فيروز دعوته لها الى القدس، لتغني لفلسطين. ربما استطيع انا او زهوة تحقيق هذا الحلم.

قيل الكثير حول حقيقية ما جرى في الايام الاخيرة من حياة ابو عمار، ما هي الحقيقية؟.

-كنت مفعمة بالامل عند وصولنا الى المستشفى، وقد شجعني وساعدني وقوف الشعب الفلسطيني الى جانب زوجي، وكنت ارى العديد من الفلسطينيين والعرب والاجانب خارج المستشفى يصلون له، وكنت اتضرع الى الله عز وجل ان يعطي ابو عمار القدرة على هزيمة الموت، وهو الذي هزمه مرات عديدة.

وعند دخوله الغيبوبة التي بقي فيها 15 يوما، استنجدت بالاطباء متعلقة بخيوط الامل، فقالوا لي، كرري على مسمعه ما يحب ان يسمعه او ما يكرهه. وهكذا كنت اسمعه ومن معه في جناح غرفة العناية الفائقة آيات من القرآن الكريم وصلوات التراويح وخاصة سورتي ياسين والبقرة بصوت الشيخ بعد الباسط عبد الصمد. وكنت اقول له: «قم يا ابو عمار، الا تريد ان ترى زهوة عروسا. قم يا ابو عمار لتهزم عدوك شارون» ولكن ارادة الله ومشيئته كانت ان يرحل ابو عمار في ليلة القدر يوم 27 رمضان الى جنة الخلد انشاء الله.

واخر حوار لك مع ابو عمار؟

-في اخر ايامه كان يتحدث عن والدته والقدس كثيرا. وتذكرت اخر ايام والدي الذي كان يتحدث ايضا عن والدته، وقبل دخوله الغيبوبة طلب مني انا ومدير مكتبه الوفي رمزي خوري والذي كان الى جانبه حين توفي، الاتصال بوزير المالي حينها، الدكتور سلام فياض، والذي يكن له كل احترام ومحبة، خاصة وان الدكتور فياض لم يقبل ان يترك ابوعمار خلال حصاره في المقاطعة، بل تحمل نفس الظروف وعندما اتصلنا بالدكتور فياض، تحدث معه ابو عمار قائلا: «يا حبيبي يا ابو خالد، لازم تدفع المعاشات للموظفين فنحن في الايام العشرة الاخيرة لرمضان، ولا تنسى اللاجئين في المخيمات اللبنانية دول اهلي وحبايبي» كان هذا آخر حوار لابو عمار مع مسؤول فلسطيني، وقد تحدث وابو عمار يقارب الغيبوبة الدائمة.

كيف ترى سهى مستقبلها ومستقبل زهوة؟

-امل ان تنهي زهوة دراستها الثانوية والجامعية لتعود لخدمة بلدنا ومستقبلنا كمستقبل اي عائلة فلسطينية مرتبطة بمصير قضيتنا ودولتنا.

محطات من حياتها مع ابو عمار

«اخيرا وجدت المرأة التي قبلت بي زوجا، رغم معرفتها بمنط حياتي، ليكون الله في عون سهى. انا في الواقع ارثي لحالها، فمهمتها شبه مستحيلة» عندما رد الرئيس الراحل ياسر عرفات ممازحا. على سؤال حول زواجه من سهى الطويل، لم يخطر ببالي ابدا ان تثبت السنين القادمة بلاغة ودقة هذا الجواب، خاصة وانه جاء ضمن حوار اجريته معه، عشية انتقاله من تونس الى غزة ليبدأ مسيرة سلام اوسلو الضائع، حياة سهى الطويل، المنتمية الى عائلة فلسطينية ثرية، مع الرئيس ياسر عرفات، لم تكن نمطية في اي من مقوماتها. مراحلها او عناصرها. بل ان فصولها مزيج من الثورة والنضال، من الحب والتشرد والقلق، من الشهادة والالم. قصة سهى وياسر، كانت بدايتها عندما التقت شابة 24 عاما جميلة، طيبة، متعلمة، مفعمة بالفرح والاهداف المستقبلية للعمل وبناء اسرة سعيدة، بياسر في عمان، وهو ياسر عرفات. 59 عاما زعيما، مناضلا، مقاتلا مشردا، نذر حياته للقضية الفلسطينية، يقع ياسر البطل الحنون، الذي فقد والديه وهو طفل بحب سهى منذ النظرة الاولى. يقاوم حبه وحقه في حياة اسرية، كأي انسان خوفا على حبيبته الذي يعلم انه سيظلمها منذ البداية، لانه يعلم جيدا ان حبه واخلاصه للقضية الفلسطينية يفوق كل المشاعر وهو الاسمى والاعرق.

وبادلته سهى الحب، وكونها فلسطينية تفهم النضال، شعر ياسر ان سهى على قدر التضحيات الجسام، فقرر ان يكمل دينه ويستسلم لحبيبته الثانية.

اهل سهى رفضوا هذا الزواج خوفا عليها من سنواته المتقدمة وثورته الجامحة واهدافها الصعبة المنال، خوفا عليها من حياة مليئة بعدم الاستقرار والتقشف والخطر الجامح.

الزواج تم من دون معرفة اسرة سهى في تونس في عام 1989م.

وبقي سرا لفترة وجيزة. بانتظار الفرصة السانحة لاعلانه كما كان يقول ابو عمار، وقد دام 20 عاما حتى استشهد ابو عمار في مستشفى «بيرسي» العسكرية القريبة من باريس. وكانت ثمرته زهوه 14 عاما، فتاة كالحلم، تعشق الرسم والموسيقى والشعر.

قد تبدو قصة سهى وياسر. حتى في تعقيداتها بسيطة او عادية، ففي البدء عاشت سهى في كنف زوجها في تونس يتشاركان على الدهر في شقة بسيطة مكونة من غرفتين واحدة للنوم واخرى للاستقبال، والمنزل هذا احتل الطابق الثاني في بناية متواضعة في احد احياء تونس.

وشغل مكتب الرئيس طابقه الاول، وهذا كان سر سعادة سهى حيث سمحت ظروف عمل ياسر مشاركتها اياه الوجبات اليومية. وان شاركهم في حياتهم اليومية المرافقون ورفاق الدرب والزوار، هذا طبعا سوى ساعات قليلة حميمة قضتها سهى معه عندما كان يسمح لنفسه ببضع ساعات من الراحة والتي لم تتجاوز خمس او ست ساعات يوميا.

وحتى هذه الساعات القليلة، اثارت غيرة بعض الرفاق والمحسوبين على ابو عمار.

فتنكروا على المناضل ابسط حقوقه في الدنيا، التي كانوا يتمتعون بها جميعا. وبرزت انتقادات من هنا وهناك، وشائعات حول مسيرة الزواج وحاله.

وكانت اسرائيل العدو اللدود للراحل ابو عمار مترصدة به ايضا. وكانت هجمتها اشرس واكثر الحاحا. فاطلقت فيما اطلقت الالة الاعلامية المدمرة التي اشتهرت بها. لتنهش ما استطاعت من حياة سهى وياسر العائلية والشخصية.

وصورة سهى التي رسمتها الالة الاعلامية الاسرائيلية، لا تشبهها بشيء، فحسب هذه الصورة فان سهى مبذرة تتنقل في الاسواق التجارية غير مبالية. سيدة اعمال، قاسية، صاحبة ثروة لا تعد ولا تحصى.

والذين يعرفون سهى يشهدون لها بالطيبة، والعراقة والكرم والصفاء، حياتها بسيطة متواضعة بعيدة كل البعد عن الرخاء الذي تتمتع به زميلاتها من زوجات الزعماء والرؤساء الحاليين والسابقين.

بعد العودة الى غزة في عام 1994، تغيرت ظروف حياة سهى وياسر والطفلة زهوة في العديد من الجوانب. وبقي المنزل متواضعا تنقصه المياه وتتنزه به الفئران، واذا خافت سهى على زهوة من الحشرات والفئران. كان ابو عمار يهدىء من روعها ويذكرها بظروف النضال. والزوج الذي كانت تشاركه وجباته الغذائية اليومية وبعض الواجبات الاجتماعية، منعتها ظروف ووجود مكان عمله في منطقة اخرى غير المنزل الموجود فيها من ذلك، واصبحت سهى ترى ياسر دقائق عابرة. اذ كان يزور منزله في ساعات الصباح الاولى، ليأخذ قسطا من الراحة ثم يرحل. وعندما نقضت اسرائيل بنود اتفاقية اوسلو، قرر ابو عمار القيام بانتفاضة الاقصى المشهورة، وضربت اسرائيل منزل الرئيس ونجت عائلته. وعندها طلب من سهى ان تذهب مع زهوة لزيارة اهلها في باريس.

ثلاثة سنوات مرت قبل استشهاد ابو عمار، وسهى وزهوة تتنقلان من باريس الى تونس الى القاهرة حيث اخت ابو عمار، ام ناصر المريضة، وحيث توفيت.

كان ابو عمار يعاني ظروف الحصار، وكلما طلبت سهى العودة مع ابنتها. يطلب منها التأجيل ليتدبر امره.

خلال تلك السنوات كانت سهى وزهوة تلتقيان ابو عمار اثناء رحلاته في المطارات او الفنادق او السفارات.

بعد ان اشتد المرض على ابو عمار في المقاطعة، في رام الله، هرولت سهى الى جانبه. واقنعته بالسفر الى فرنسا للعلاج.

اكثر من اسبوعين قضاهما يحارب الموت. وسهى الى جانبه متفائلة دوما ان ياسر عرفات الذي هزم الموت، مرات كثيرة سيهزمه هذه المرة، ولكن صلواتها وصلوات الملايين من الفلسطينيين والمخلصين للقضية الفلسطينية لم تستطيع انقاذ «الختيار».

* امل ان نعود انا وزهوة لنعيش بين اهلنا في القدس الشريف بعد ان ينقل جثمان ابو عمار من المقاطعة حيث يرقد فهذه كانت وصيته.

* انا لم اغير في ابو عمار شيء بل هو الذي غيرني وقلب حياتي رأسا على عقب وشرف لي انني كنت الحبيبية الثانية بعد فلسطين.