وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رؤية ثالثة: التداعيات السياسية والاجتماعية للانتخابات

نشر بتاريخ: 28/06/2005 ( آخر تحديث: 28/06/2005 الساعة: 17:15 )
بقلـم :صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
(1)
أظهرت الـمرحلة الثانية من انتخابات الـمجالس الـمحلية، كما الـمرحلة الأولى، اتجاهاً واسعاً لدى الـمواطنين للتغيير، وهو ما ظهر في النسبة العالية من الـمقترعين، حيث وصلت نسبة الـمقترعين من عدد الناخبين الـمسجلين في السجل الانتخابي إلى 86 % في الضفة وقطاع غزة، وفي كل منهما، بينما بلغت نسبة الـمقترعين الـمسجلين في السجل الـمدني 31 % في الضفة الغربية، وارتفعت في غزة إلى 37 %، وبلغت النسبة الإجمالية للاقتراع بشكل عام 68 %، وتميزت الـمرحلة الثانية عن الأولى في أنها جرت في عدد أوسع وأكثر من الـمناطق عن الـمرحلة الأولى وفي مدن رئيسية، كرفح والبريج وبيت لاهيا، وبيت لحم وسلفيت وقلقيلية.
ولكن إجراء الانتخابات على أساس قانون انتخابات قائم على الأكثرية العددية لـم تعكس في نتائجها التغيير الـمنشود وتمثيله لواقع القوى على الأرض، بل قاد إلى نتائج مشوّهة لا تجسد التعددية القائمة على الساحة الفلسطينية، وزاد من حدة القطبية الثنائية الضارة بين حركتي فتح وحماس، ولـم يكن هذا الاستقطاب الثنائي وليد اتساع نفوذ الطرفين وحده، بل كان أيضاً وليد نظام سياسي متخلف، ولـم تبذل الجهود الكافية، وحتى اللحظة، لتطويره وإخراجه من دائرته الـمغلقة لصالح الدائرة الأوسع، من خلال قوانين انتخابية عادلة ومنسجمة مع الـمعايير الديمقراطية والحاجات الوطنية.
والسبب أن درس الانتخابات الـمحلية في الـمرحلة الأولى لـم يستوعب، بسبب استمرار نزعات التفرد والاحتكار والصراع على النفوذ داخل فتح ونزعتها الثأرية للرد على نتائج الـمرحلة الأولى من الانتخابات الـمحلية. وبحكم ارتياح حماس إلى قوانين الأغلبية البسيطة، والتي تكرس بناء الثنائية.
أما القوى الديمقراطية، التي تعرضت مع غيرها من القوى إلى الإقصاء في قطاع غزة والتهميش في الضفة، لـم تستفد من عبر الـمرحلة الأولى للانتخابات الـمحلية، ولـم تخض هذه الانتخابات بقوائم موحدة، واستمرت حالة التشتت والتمزق التي تعاني منها وهو أحد عوامل تهميشها أو إقصائها.
إن تزايد نفوذ حماس على حساب تراجع نفوذ فتح لا ينتقص من هذه الخلاصة، بل وبغض النظر عن النوايا فإن الاستمرار في هذه القوانين الانتخابية الانقسامية سيقود إلى ازدواجية وشلل، خاصةً إذا تمت الانتخابات التشريعية وفق القانون القديم أو وفق القراءة الثالثة للـمجلس التشريعي، وبكل الآثار الـمؤذية في وقتٍ ما زال شعبنا يقبع تحت نهب الاستيطان والتوسع والاحتلال.

(2)
لقد شاركت جميع القوى والفصائل وألوان الطيف السياسي الفلسطيني في انتخابات الـمجالس الـمحلية، وقد كان واضحاً الطابع السياسي والفصائلي للانتخابات البلدية، خاصةً في قطاع غزة مع تنوع أوسع بما فيها مشاركة العائلات والـمستقلين في الضفة، وساعد على إخفاء الـمواقف والانتماءات، طبيعة الظروف الأمنية.
ورغم طبيعة مهام واختصاص وصلاحيات الـمجالس الـمحلية باعتبارها خدماتية بالدرجة الأولى وبعيدة عن العمل السياسي الـمباشر، فلقد أدت نتائج الانتخابات وفق القوانين الإقصائية والتناحرية القائمة على أغـلبية الصوت الواحد إلى تفاقم حدة الاستقطاب الثنائي، وتراجع الـمضامين الديمقراطية لهذه الانتخابات، وكذلك التعددية السياسية.
ومما زاد من حدة التنافس والصراع وطغيان طابعها السياسي هو الافتراض بأن الـمرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والقروية، ستجري على أبواب الانتخابات التشريعية في 17/7 والتي تأجل موعدها.
ولعل من أبرز التداعيات السياسية لانتخابات الـمجالس الـمحلية، خاصةً في مرحلتها الثانية، هو ذلك التوتر والاحتقان الذي شهده قطاع غزة خاصةً في الفترة التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات، وهو ما ولّد أزمة وعمّق الانقسام وزاد من مشكلة النظام السياسي بدلاً من أن يشكل مخرجاً لها.
وقد استدعى ذلك تدخلاً مصريا إيجابيا لحل الأزمة، وقد حصل التوتر بعد أن أصدر القضاء حكماً بإعادة الانتخابات الجزئية في ثلاث دوائر (رفح، البريج، بيت لاهيا)، ومطالبة حركة حماس بضمانات من أجل نزاهة الانتخابات الجزئية. وبين احترام قرارات القضاء وتوفر الضمانات لنزاهة الانتخابات لـم تنفرج الأزمة إلا بعد تدخل وإجماع وطني على إرجاء موعد إعادة الانتخابات الجزئية إلى أجل غير مسمى. والحل الأنسب والـمعقول هو أن تلحق انتخابات الـمجالس الـمحلية الثلاثة بالـمرحلة الثالثة من الانتخابات الـمحلية وبعد إقرار القانون الانتخابي الجديد.
وبغض النظر عن مغزى قرار القضاء وجوهره السياسي. فإنه ومما لا شك فيه واستناداً إلى تقارير مراكز حقوق الإنسان الـمحايدة، فقد مورست وبلا ضوابط كل الأساليب واستخدمت كل الإمكانيات الـمتوفرة لدى الطرفين في هذه الـمعركة الانتخابية ودون وجود أي سقف مالي يقيد ذلك. حيث استخدمت إمكانيات مادية ضخمة في الـمعركة الانتخابية، والتي تراوحت بين توزيع الأموال والـمواد الغذائية كرشوات، والاستناد إلى إمكانيات السلطة بإغرائها وترهيبها، وتجيير التقديمات الخدمية الهائلة وتسخير الدين والجوامع، لخدمة الأغراض الانتخابية.
وقد انعكس ذلك على ضخامة زخم الحملات الدعاوية للطرفين وتعبئة الـمتطوعين وتفريغ النشطاء، كما حصلت خروقات واسعة ومتعددة للقانون الانتخابي؛ فإضافةً إلى مـا أصدره القضاء، فقد استمرت الدعاية الانتخابية في يوم الانتخابات، وتم جمع بطاقات الهوية من الـمواطنين، لضمان انتخابهم لقائمة معينة، ومورس استخدام سيئ واستغلال لـمرافقي الأميين وذوي الاحتياجات الخاصة، واللعب بأصواتهم، وعدم التدقيق الكافي ببطاقات الهوية لبعض الـمنقبات، إضافة إلـى مظاهر فوضى الدعاية الانتخابية في ساحات الـمراكز الانتخابية، ناهيك عن سلبيات استخدام السجل الـمدني الـمتعددة.
ومن الـمؤكد انه لو جرت الانتخابات على أساس قرارات القاهرة لقامت الـمنافسة على أسس جديدة ولشاهدنا فوزاً من نوع مختلف يفتح الباب لصيغ من الائتلاف الوطني والوحدة القائمة على التعددية السياسية، بدل التناحر والانقسام والإلغاء.
لقد أدى تجاهل الـمجلس التشريعي لقرارات إعلان القاهرة إلى إبقاء نظام الانتخابات الـمحلية على تخلفه، وطبيعته الاستئثارية بذريعة الأقلية الأغلبية، ووجدنا قطاع غزة يدخل في تجاذبات حادة، كادت تهدد باللجوء إلى السلاح وتحويل سلاح الـمقاومة إلى سلاح ميليشاوي يستخدم في تصفية الخلافات، كما أتى تأجيل الانتخابات التشريعية ليزيد الطين بلة نظراً لـمماطلة الـمجلس التشريعي في إقرار قانون انتخابات تشريعية على أساس التمثيل النسبي الكامل أو الـمناصفة بين التمثيل النسبي والدوائر حسب الأغلبية، وهو ما تتحمل مسؤوليته فتح وكتلتها في الـمجلس التشريعي، ولا شك في أن هذا أسهم في تأخير عمل اللجنة الخاصة بتفعيل وتطوير م. ت. ف. حيث إن إصلاح السلطة، خاصة إجراء الانتخابات التشريعية، هو الـمدخل لبناء مجلس وطني منتخب، من الداخل والخارج.

(3)
الـمسألة الإيجابية في الانتخابات الـمحلية في مرحلتيها هي نجاح الـمرأة وفوزها بـ 17 % في الـمرحلة الأولى و18 % من إجمالي مقاعد الـمجالس الـمحلية في الـمرحلة الثانية. وتشكل هذه النسبة خطوة متقدمة قياساً بالتعميم الصادر عن وزير الحكم الـمحلي العام 1998 بتعيين امرأة واحدة على الأقل في جميع الـمجالس الـمحلية الـمعينة، حيث تم التعامل مع هذا التعميم بمزاجية، فلـم تكن صيغته ملزمة. وبالـمحصلة فقد تم تعيين 68 سيدة أي بنسبة 8ر1 % في الـمجالس الـمعينة؛ ولكن في مرحلتي الانتخابات الـمحلية فقد كان إقبال النساء ملحوظاً، ترشيحاً وانتخاباً، وبلغ تصويت النساء 50 % من إجمالي الـمقترعين من السجل الانتخابي و30 % من إجمالي الـمقترعين من السجل الـمدني، إضافةً إلى العدد الواسع من الـمرشحات.
لقد جاء هذا الإقبال والإنجاز ليظهر خطأ وجهات نظر بعض أعضاء الـمجلس التشريعي الـمعارضين للكوتا، تحت ذريعة الخشية من عدم وجود مرشحات أصلاً.
الـمسألة الأخرى، ورغم الطابع السياسي والفصائلي الطاغي على انتخابات الـمجالس الـمحلية في مرحلتيها، فقد كرست بثغرات قانون العشائرية والعائلية وحتى الجهوية، ولقد كان هذا بارزاً في طبيعة معظم الأشخاص الـمرشحين، وفي محاولة بعض الأطراف السياسية للضغط على العائلة الـموالية حتى لا ترشح أكثر من مرشح واحد منها ضماناً لعدم تشتت أصوات العائلة، كما في تصويت بعض العائلات لأبنائها بغض النظر عن انتماءاتهم، وأيضاً في حجب التصويت عن أفراد خرجوا على إرادة زعماء العائلة، لقد تحكمت العائلة، إلى حدٍّ كبير، في ترشيح أفرادها؛ فقد قوي النفوذ العائلي في ظل تراجع مؤسسات السلطة وهيبة القانون، وغيرها من العوامل، وتقوية دور العشيرة وقانونها وقضائها كان على حساب مؤسسة القانون والقضاء. وهنا برز الـموقف التقليدي السلبي للعشيرة من الـمرأة، فقد قامت بعض العائلات برفع الغطاء العائلي عنها، وحرمانها من أصواتها. إن العلاقة عكسية بين نفوذ العائلة ونفوذ القوى والأحزاب والـمؤسسات الـمجتمعية.

(4)
في مؤتمر الحوار في القاهرة (من 15/3/2005 إلى 17/3/2005) سبق وتنبهت القيادات الفلسطينية إلى طبيعة النظام السياسي والحاجة الـماسة لإصلاحه وتطويره، بطريقة ديمقراطية، تنبذ التعيين؛ فدعت إلى ذلك من خلال الـمداخل الانتخابية، خاصة إصلاح أو تغيير الأنظمة الانتخابية كسبيل لإصلاح النظام السياسي، حيث إن القانون الانتخابي يسهم إلى حد كبير في تحديد بنية الـمؤسسات وطبيعتها، وهذا ما برز في نتائج قانون انتخابات العام 1995، وعجز الـمجلس التشريعي عن الاضطلاع بالأعباء الـملقاة عليه، وعمّق من ذلك هيمنة كتلة نيابية من حزب واحد (فتح) على حياة الـمجلس.
كما أدى النظام الانتخابي القائم على الأغلبية إلى هدر عالٍ للأصوات، فالناجحون في الـمرحلتين الأولى والثانية للانتخابات الـمحلية لـم يحصلوا على أكثر من 45 % من الأصوات، وفي بعض القراءات أقل من ذلك، وذهبت باقي الأصوات هدراً؛ ولذلك دعت القيادات الفلسطينية التي تحاورت في القاهرة وعبرت عن إجماع وطني إلى قانون انتخابي جديد للـمجالس الـمحلية يقوم على اعتماد التمثيل النسبي الكامل وإلى اعتماد أيضاً قانون جديد للـمجلس التشريعي يقوم على مبدأ الـمناصفة بين نظام الدوائر ونظام التمثيل النسبي.
إن هذا هو طريق الشراكة في القرار والوحدة الوطنية، وإعادة بناء مؤسسات الـمجتمع النقابية والـمهنية والطلابية والجماهيرية... إلخ، ووضع شعار "شراكة في الـدم شراكة في القرار" موضع التطبيق ولكن لجميع القوى ومؤسسات الـمجتمع.
إن الأنظمة الانتخابية القائمة على التمثيل النسبي الكـامل هي الأكثر عدلاً وإنصافاً، ودقة في التعبير عن اتجاهات جمهور الناخبين، وهي سبيل التنمية السياسية وتكريس التعددية والديمقراطية، كما أنها في الانتخابات التشريعية مثلاً هي إحدى الوسائل الأساسية لتعزيز الوحدة الإقليمية للأرض الفلسطينية في مواجهة محاولات تجزئتها إلى بانتوستانات منعزلة، وفقاً لخطة فك الارتباط الإسرائيلية.
إن التمثيل النسبي هو السبيل لتجاوز تحكم العشائرية في النتائج، وضم النساء للقوائم، واعتمادها على أساس الكفاءة والقدرة، والقبول بالـمناصفة في انتخابات الـمجلس التشريعي أتت من موقع التوافق الوطني.
التجربة تدلل على أن الطريق إلى تطبيق قرارات الإجماع الوطني في القاهرة ليس معبداً ونزهة، بل هو معركة سياسية لا بد من خوضها على كل الـمستويات.
وهنا يتحمل الأخ الرئيس أبو مازن مسؤولية مميزة في صون قرارات إعلان القاهرة وتطبيقها. وكلنا أمل كما اتفقنا في اجتماع لجنة الـمتابعة معه أن يحيل بمرسوم رئاسي إلى الـمجلس التشريعي قانوني الانتخابات التشريعية والـمحلية على أساس التمثيل النسبي الكامل للانتخابات الـمحلية والتشريعية أو الـمناصفة بالنسبة للتشريعي، والعمل على تحديد موعد عاجل لإجراء الـمرحلة الثالثة للانتخابات الـمحلية، وموعد قريب لإجراء الانتخابات التشريعية.
ولا شك في أن لحركة فتح هي الأخرى مسؤولية خاصة في صون قرارات القاهرة، فهي التي تمسك بمفتاح الـمجلس التشريعي، وهي الـمعنية بإلزام كتلتها البرلـمانية بإصدار القوانين الانتخابية حسب قراراتها.
طبعاً القوى الديمقراطية تتحمل مسؤولية تاريخية في الدفاع عن قرارات القاهرة انطلاقاً من أن هذه القرارات منسجمة مع رؤيتها للـمستقبل وإصلاح الـمؤسسة. وهو ما يعني خوض التحدي لهذه الـمعركة على كافة الـمستويات، والنجاح في هذه الفرصة التاريخية التي تقف أمامها.
القوى السياسية الإسلامية تتحمل مسؤولية أساسية في الـموقف من الـمؤسسة الرسمية (السلطة + م. ت. ف). ونعتقد أن دخولها الـمؤسسة الرسمية بات ضرورة وطنية لا مفر منها، وغير ذلك ليس لـمصلحة التقدّم بمسيرتنا الوطنية.
لقد اتخذت قرارات القاهرة لتجد طريقها للتنفيذ ولتحول الانتخابات إلى فرصة لإعادة بناء الائتلاف والشراكة، وليس لـجرّ الـمجتمع إلى مربع الانقسام والتناحر، وهذه فرصة ثمينة ينبغي ألا تضيع كما ضاع غيرها من الفرص0