وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بعد ماخلفته الالة الاسرائيلية العسكرية من دمار :عودة النازحون اللبنانيون الى اللامكان

نشر بتاريخ: 26/08/2006 ( آخر تحديث: 26/08/2006 الساعة: 08:32 )
بيت لحم -معا- فور اعلان وقف اطلاق النار، عاد النازحون من الضاحية الجنوبية الى احيائهم التي هجروها خلال الاعتداءات الاسرائيلية، عودة شكلت بالنسبة الى الكثيرين منهم، العودة الى لا مكان.

وفي هذا الجانب يروي الصحفي الفرنسي جيروم انكونينا المتضامن مع اهل الجنوب اللبناني في تقرير خاص بوكالة "معا" صوراً عن بشاعة الدمار الذي خلفته الالة العسكرية الاسرائيلية في قرى جنوب لبنان ويبدأ بوصف الدمار والمكان قائلاً:

ان القنبلة المعروفة بالقنبلة الفراغية تنشر مع انفجارها ضبابا من الهيدروكربون يحترق خلال جزئية من الثانية مشعلا المحيط، باعثا حرارة خانقة، ومحدثا فراغا هوائيا يؤدي، كما يقول الخبراء، الى حرق الاشخاص ويقلبهم كما يقلب القفاز.

هذه القنبلة تؤدي الى انهيار مبنى بكامله على نفسه تماما كما ينهار قصر من الورق. في معوض، تلال صغيرة لا يتجاوز علوها الخمسة امتار، تنتشر في الطرقات. هذه التلال هي ما تبقى من بناية مؤلفة من عشر طوابق انهارت بالتتابع فوق بعضها البعض وعلى جانبيها بقيت بنايتين منتصبتين تبدو وكأنها مشدوها مما حصل، نصعد فوق احدى هذه التلال فنجد اننا نقف فعليا فوق سطح البناية الذي اتخذ الشكل الدائري للحطام الذي نتج عن الانفجار.هوائيات اجهزة التلفاز لا زالت منتصبة فوق الركام.

فوق سطح المبنى المنهار، غرفة الخدمات الصغيرة الواقعة في نهاية الدرج لا زالت سليمة هي ايضا، لو ان شخصا سيء الحظ كان نائما فيها عند حدوث الانفجار لاستيقظ ليجد نفسه في اسفل العشر طبقات دون ان يدرك ما حدث.

تنحني رانيا، راسها بين الركام و سروالها ملطخ بطبقة سميكة من الغبار الرمادي اللون الذي يغلف المكان.

تغرس رانيا يديها في الركام تنتشل كتبها، ثلاثة كتب من منهاج الجامعة الاميركية في بيروت وحقيبة ممزقة تحتوي على فضيات احمر لونها جراء الانفجار. رانيا كانت تسكن الطابق العاشر.

"نقف الان فوق غرفة نومي" تقول رانيا، بالفعل وسط الباطون نرى راس سرير من الخشب تلتف حوله اجزاء من فرشة. ضجيج الجرافات التي ترفع الان، دون تفرقة، الركام و التراب و الذكريات لا تهبط من عزيمة رانيا، تستمر في البحث عن اوراق ، وثائق ثبوتية، تبحث عن العودة بأي شيء ليس من شك تقول، اننا الان نمشي فوق غرفة نومي، مشيرة الى صورة بريدية لهنجاريا كانت قد علقتها على جدار الغرفة.

اما ابراهيم فيسكن البناية المجاورة، تلك التي لا زالت واقفة مستغربة ما حدث لزميلتها. على الادراج مئات الصراصير مستلقية على ظهرها ارجلها مرفوعة في الهواء، مغطاة بالغبار، كان الاعتقاد ان السلاح الذري لا يؤثر بها و لكن يبدو ان الاسرائيليين اقوى من الذرة.

على امتداد الطوابق التي ينقسم فيها كل طابق الى شقتين، الابواب مدمرة ولكن داخلها سليم ومغطى بهذا الغبار المنتشر في كل مكان، فقط الزجاج المنثور على الارض لم يستطع مقاومة الانفجار. الحرارة والسكون يغلفان هذا العالم البائس.

ابراهيم ينادي من الشرفة وعلى وجهه ابتسامة ساخرة. عندما ينظر من الشرفة الى الاسفل ، تختفي الطوابق السفلى عن النظر، فالبناية تميل الى الامام تماما كما تفعل في "برج بيزا" .

لقد مر شهر على فرار سكان معوض من احيائهم. عاد الكثيرون منذ يومين، فور الاعلان عن وقف اطلاق النار، تاركين الملاجئ التي لاذوا اليها من مدارس وحدائق عامة في بيروت. الاكثر حظا فيهم سيجدون شققهم، اثاثهم و ممتلكاتهم التي تركوها منذ اول يوم من الاعتداءات الاسرائيلية.

شهر كامل تركت فيه الشقق والمحلات التجارية والدكاكين مشرعة الابواب في احياء خلت من السكان. شهر لم تحدث فيه اية سرقة او اي نهب.ان "ارهابيي" الضاحية الجنوبية ليس لديهم ذات قيم "الديمقراطيين" في نيو اورلينز التي غمرتها المياه.

قبل ايام خاطب حسن نصر الله كل الذين فقدوا كل شيء حزب الله سيقوم، كما فعل عام 1996 بعد الدمار الذي خلفته الاعتداءات الاسرائيلية، بوضع كافة موارده بتصرف الــ 15000 عائلة شيعية و سنية ومسيحية الذين فقدوا كل شيء مقدما ما قيمته ايجار مسكن لسنة بانتظار اعادة اعمار المساكن.

لكل الاخرين اعلن زعيم المقاومة الاسلامية عن قيام الحزب بمنحهم مبالغ "معقولة" للتعويض عن الاثاث وممتلكات اخرى ضاعت جراء القصف.