وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

صرخة موظف ... فهل من مجيب؟!!

نشر بتاريخ: 20/11/2006 ( آخر تحديث: 20/11/2006 الساعة: 17:48 )
بيت لحم -معا- وصلتنا في ادارة التحرير الرسالة التالية والتي تفطر القلب بقلم : ناصر عطا الله فآثرنا ان ننشرها علها تصل الى السادة المسؤولين

في الطريق إلى البيت، أكثر من مطبّ يصادفك، أكثر من مشكلة تحتاج إلى حلّ منك، وحلها ليس بيدك، ولكن أنت الأول والأخير المسؤول عن حلها...

في الطريق إلى البيت ، أولاد ينتظرونك من أجل أن تروي ظمأهم أو تطرد عنهم جوعهم، وهم متفهمون جدا أن هذه المرحلة ليست مرحلة تنزههم ولا إشباع رغباتهم من العاب وحلوى ومكملات ليست ضرورية، وحتى الفواكه التي يشاهدونها على العربات وبسطات البيع وهم عائدون من مدارسهم ليست ذات معنى لهم الآن، فأنت موظف يتّصدق عليك كل أربعين يوما أو أكثر بسلفة ، وما ادخرته من أيام بيضاء أكلتها الأشهر السوداء ، ولم تبقَ لهم و لك ما يسندك ويسندهم، هؤلاء الأولاد الذين قضوا عيدهم بلا بهجة ولا ملابس جديدة، ولا زيارات تفصيلية لأرحامهم، تحمّلوا أيضا من أجلك نقصان متعتهم التي تأتي في العام مرة واحدة و مرتين، رغم أنك وعدتهم كما وعدك كبار المسؤولين بأن سلفة قبل العيد ستكون لك، ولكن ذهب العيد وما بعد العيد بشهر ولم يصدق الكبار، وتحمل أولادك منك كما تتحمل أنت من الكبار الذين يظهرون يوميا على شاشات التلفاز مبتسمين.

وهنا لا اعرف على ماذا يبتسم هؤلاء، على زيادة عدد المعتقلين في السجون الإسرائيلية، أم على مجزرة بيت حانون التي أدمت عيون العفة والقلوب القاسية، أم على الجدار الذي أكل الأرض والإنسان ، أم على الطائرات الحربية التي تتسكع ليل نهار فوقنا وتدمر بإنذار غبي كل صغير وكبير في بلدنا؟

على ماذا يبتسم هؤلاء، يلبسون الجميل من بدلاتهم ويتعطرون بالثمين من الروائح، ويضعون قدما فوق قدم، ويثرثرون بالساعات الطوال عبر شاشات التلفاز، ومنهم من يقود مسيرات تجوب الأرض ورصاصهم يملأ السماء، ومنهم من يسافر ويحضر الملايين المخفية باسمك، ومنهم من يعدك ويتوعّد الفقر بقطع رقبته، ومنهم من يقرر عشاءك صبرا وملبسك صبرا وحياتك صبرا، وهو لا يتحمل الصبر يوما واحدا عن كرسيه في وزارته أو سفارته أو مجلسه؟

يا أيها الموظف إلى متى ستبقى مأكول الحيلة قليل الحركة مكسوفا من أولادك وأهل بيتك؟

إلى متى ستبقى صامتا عن عجزك وصومك وحقوقك التي تتسربل من أربطة عنق السادة الشرفاء، وهم يختلفون عليك لا من أجلك؟

في كل ديرة ما يشغلها بعيدا عن الحنطة ولقمة العيش لان هذا مقدس ومحرم المساس به، إلا في ديرتنا لا مقدس لدينا ولا محرم يمكن احترامه!
عجبي
عجبي على ما وصلنا إليه يا أيها الموظف!!!!!
ان قلتَ:" راتبي" !!
أصبحت معارضا خبيثا للحكومة والقيادة،
وان صرختَ: " لقمتي" صرتَ مهزوما مهزوزا رمتك طنجرة الطعام ،واسقطت من يديك المبادئ التي ناضل من أجلها الشهداء والمعتقلون والجرحى ومن هدمت بيوتهم!
وإن خرجتَ تسعى في شارع من شوارع البلد تطالب بحقوقك، هجمت عليك قوى الخير والأيادي الطاهرة، لتخلص الأرض من الضعفاء أمثالك!!!
وان جلستَ في بيتك قامعا عيشتك واجهتك عيون أولادك بحياء
وأن اطفأت شمعة وغطست العتمة في رموشك بكتك حسرة عليك، حتى الظلمة شعرت بك وهؤلاء الذين يختلفون على الحقائب وينسون المصائب، لا يعتبرون لك وأنت عندهم عددا في سجلات الوظيفة، ورقما في كتب القرار، لست كما أنت أب لأطفال و زوج لامرأة أو صاحب بيت، و قائد ومربي، لا يهمهم تفاصيلك الآن، أو أنها ليست حاضرة أمامهم عندما يختلفون على وزير هنا أو هناك، أو منصب هنا أو هناك! لست حاضرا، طبيبا كنت أم مدرسا، عسكريا كنت أم مدنيا، مديرا كنت أم خفيرا، كل ما هو حاضر الآن اسكاتك لحين القسمة، أو ما بعد القسمة، عليك أنت ايضا أن تغيبهم الآن عن حياتك وتبحث لك عن كيس طحين، او "كابونة" إغاثة لتصمد في بحر مزجياتهم وأمواج رغباتهم.

هؤلاء الذين يأخذون الأرض سفرا، طيرانا وركبانا، لديهم مشاغلهم عنك وان كان اسمك محركهم وقضيتك طاقتهم التي يشتغلون عليها, ولكن الحق يقال، انك محذوفٌ من مفكرتهم كاسم وأب ورب أسرة ومربي أنت منسيٌّ كالماء الذي تشفطه الآبار الإسرائيلية من أرضنا بمضخاتها العملاقة كالجرحى الذين يموتون مع كل ليل وهم ينتظرون سفرهم للعلاج, كالتجار الذين كسدت تجارتهم بإغلاق متواصل للمعابر
أنت منسيٌّ كالدواء الذي يعجز الوصول إلى مستودعات الأدوية، والخضار التي أخذت راحتها في علو أسعارها.

أنت منسيٌّ كالقانون المعطل في المحاكم ، والقضايا المتراكمة في الجنايات والمخالفات والآداب العامة, أنت منسيٌّ كالفلتان الأمني والعائلي الذي وصل حد الخرافة وطرابيش النيام, أنت منسيٌّ كالثقافة المسحوبة من أصالاتها إلى خارج السرب والتي تتعثر عن التعريف والمعرفة.

أنت منسيٌّ كالمدارس التي تدخل في الشتاء من غير ترميم ولا صيانة
أنت منسيٌّ كالشوارع المرصوصة" بالكركار" منذ سنة ولم يغلفها الإسفلت وأصبحت متاهة لا نجاة فيها.

أنت منسيّ كالضحكة والمزحة والتعايش السلمي والمجتمعي، أنت منسيّ كالأمام، الذي ضاعت معالمه وانكسرت قبله إبرة البوصلة إليه, أنت منسيّ كأيّ شيء كان لنا وفقدناه.

يا أيها الموظف ليس لدي ما أقوله لك ولا أعيده عليك، ولا وصفة سحرية تخفف عنك، أو ترطب قلبك بأمل ممكن، هم يجتمعون منذ ما قبل مجزرة بيت حانون ، وقلنا قد تكون دماء الأبرياء دافعا يجتمعون عليه ويتركون المختلف فيه، لوجه الله ورسوله وسائر المؤمنين، واستبشرنا خيرا بجمعهم واجتماعاتهم المكررة، وأصبح خبر أن الرئيس في غزة، عيد ننتظر منه النور والحلوى، ومغادرة الرئيس من غزة بدون جدوى ندبا ومأتما نرمي عليه كيل أحزاننا، وطالت سلسلة الحكايا بين الذهاب والإياب والاختلاف والاتفاق، حتى السأم أرخى خصائله على وجوهنا،وبدأنا نتنكر لكل بشرى خير قد تصلنا، وكل هذا يا صديقي الموظف ،وبيتك خاو يغرق يوما بعد يوم في حرمانه، ومن هم دونك تكشفتْ عوراتهم، وانزاح الحياء عنهم في طلب المساعدة والمعونة، وانكشفت عنهم أمور حتى غطت حميدهم وألبستهم عيوبا لم يختاروها إلا جبرا وقسرا.

نعم يا أيها الموظف قد تكون أنت واحدا ممن نجا من الكشف والتعري حد التسول ،والسرقة، وتعلم حيل النصابين، واللصوص، من أجل أن تأكل ويأكل أولادك، أو تستر حريمك، وأن قيل لك أن البعض استهتر بكل ما هو محرم من أجل لقمة العيش وأحسن تدبيرا في ستر نفسه وممارسة الرذيلة بالخفاء، صدقه ، ليخرج علينا ناضحاً ويقول: لم نسمع في البلد عن واحد مات من الجوع!.

لا احد يموت من الجوع في بلدنا يا هذا، ولكن أشياء كثيرة تموت لا جنائز لها ولا عزاء فيها، تدفن ومقابرها النفس، النفس التي كُسرت وخَرجت من عفتها إلى ما اضطرت إليه، يا أيها الموظف لا زيادة عندي لكي أزيد عليك ولا قول في الحاشية ليوضح رسالتي، قل للذين يجتمعون ليل نهار : كفى . . .اننا ننهار.