وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأب عريضة يشارك في مؤتمر حول السلام في الأرض المقدسة

نشر بتاريخ: 16/02/2012 ( آخر تحديث: 16/02/2012 الساعة: 15:18 )
رام الله- معا- يشارك الأب فراس عريضة، كاهن رعية القديس يوسف في بلدة جفنا، قضاء رام الله، في المؤتمر الدولي الذي يعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن، تحت عنوان "من التداعيات إلى التأثير: تفعيل المجتمعات الدينية الأمريكية من أجل السلام في الأرض المقدسة".

ويشارك في هذا المؤتمر، الذي يعقد من السابع ولغاية التاسع من شباط، حشد من الشخصيات المسيحية البارزة، من مختلف الكنائس، وشخصيات يهودية وإسلامية، إضافة إلى نخبة من السياسيين، لاسيما أعضاء في الكونغرس الأمريكي، ودبلوماسيين وحقوقيين وأكاديميين.

ويتناول المؤتمر في جلساته الأوضاع السياسية في الأراضي المقدسة والوجود المسيحي فيها، والسياسية الأمريكية تجاه الأوضاع، إضافة إلى مفاهيم السلام والعدالة وكرامة الإنسان وكيفية تدعيمها، والدور الذي لعبته وتلعبه مختلف الكنائس في تعزيز هذه المفاهيم الأساسية.

وفيما يلي النص الكامل لكلمة الأب فراس عريضة خلال مشاركته في أعمال المؤتمر:

أود أن أشكركم لمنحي شرف التحدث إليكم عن وضع الجماعة المسيحية في الأراضي المقدسة.

أُدعى الأب فراس عريضة من الأردن، أنا كاهن في البطريركية اللاتينية في القدس، والتي تخدم في كل من إسرائيل، الأردن، الأراضي الفلسطينية وقبرص.

تأسست كنيستنا منذ يوم العنصرة (حلول الروح القدس على التلاميذ)، بداية على أيدي التلاميذ، حيث قادها القديس بطرس وبعد ذلك تم اختيار القديس يعقوب، تلميذ السيد المسيح، أول أسقف للمدينة المقدسة، فالجماعة المسيحية في الأرض المقدسة متصلة بشكل ثابت مع حياة السيد المسيح، موته وقيامته، وأسسوا مع بعضهم أول كنيسة لهم؛ والذي جاء وصفها في سفر أعمال الرسل : "وكانوا يواظبون على تعليم الرسل... وصار خوف في كل نفس وكانت عجائب وآيات كثيرة تجرى... وجميع الذين امنوا كانوا معا وكان عندهم كل شيء مشترك... وببساطة قلب واحد" (أعمال الرسل 2: 42-46)، هذه هي الكنيسة الأم في القدس، وهذه هي الأراضي المقدسة.

إنها مكان جميل، ومختلفة إلى حد ما عن جمال العاصمة واشنطن، إلا أنها لا تزال مكاناً جميلاً مع أناس طيبين. إنها أرض مقدسة بالنسبة للمسيحيين، واليهود والمسلمين؛ فهذه الأديان المؤمنة الثلاث تواجدت فيها منذ قرون. فقد كانت تاريخياً وطناً لعدد من الشعوب، والآن، في الوقت الحالي، إنها موطن الفلسطينيين والإسرائيليين. أرض واحدة، شعبان، وثلاثة أديان؛ كل منها متأصل في القناعة والحماسة من أجل القدس، وكل منهم يحتاج لأن يتذكر بأنه لا يمكن أن يكون هنالك ادعاء حصري يمكن تقبله.

ما كان يدور في ذهني عندما قدمت للخدمة في القدس، كان توجيه طاقتي لأداء "المهام الاعتيادية" لكاهن رعية - العناية باحتياجات الإيمان المسيحي والجماعة ككل. لقد كانت هنالك، في غمرة "وظائفي الاعتيادية"، عندما أصبحت رغماً عني منجذباً إلى هذا الصراع المستمر. فلم تكن نواياي أبداً التورط في السياسة - وأنا لا أزال مصمماً على ترك السياسة للسياسيين - إلا أن تركيزي هو على الأشخاص، ومن خلال تقديمي الخدمة للناس تعاملت مع الاحتلال، والذي رافقه مصادرة الأراضي وتدمير المنازل، والذي تبعه بناء جدار الفصل تحت مسمى الأمن، حيث ترافق مع بناء هذا الجدار تدمير أراضي الزيتون. لقد كانت هذه "الوظائف الاعتيادية" لكاهن رعية متألمة بشكل خاص في فلسطين.

أشجار الزيتون هي المصدر الأول لرزق الفلسطينيين، حيث يتم استخدامها لاستخراج منتجات أخرى مثل: زيت الزيتون، والصابون، والأعمال الحرفية الخشبية. لقد شكلت هذه الأشجار مصدر عيش لآلاف السنين، والتي انتقلت من جيل لآخر، فهذه البساتين تشكل شريان الحياة، ناهيك عن أهميتها الكبيرة، وقيمتها في ثقافتنا.

في أعقاب ارتفاع الجدار الذي يصل إلى 26 قدماً والذي يحيط الآن بمعظم مناطق الضفة الغربية مع تطبيق الحدود الجديدة، لا يستطيع الناس الذهاب لمزارعهم. أصبحت العائلات مقسمة، العديد فقدوا وظائفهم أو أصبحوا محرومين من تلقي الرعاية الصحية في المستشفيات الإسرائيلية المتطورة.

ككاهن، يرعى النفوس، ضميري ودعوتي يدفعاني لأن أكون "صوتاً للأشخاص الذين لا صوت لهم، ومدافعاً عن الضعفاء والمظلومين" (البطريرك ميشيل صباح، السعي للسلام 1988)، كيف يمكنني ألا أقول شيئاً وهذه المأساة تصيب الأشخاص الذين أخدمهم؟ كيف لي أن أبقى صامتاً عندما يختفي المجتمع المسيحي الذي أخدمه بسبب هذا الاحتلال؟.

الوضع الراهن الذي نواجهه الآن هو كالتالي: اليوم لدينا عدد أقل من المسيحيين في الأرض المقدسة مما كان عليه في عام 1947 حيث انخفض من 8% 1.6% في عام 2000. حينما كنا في فترة من الفترات نبلغ 27.000 مسيحي في القدس، أصبح وجودنا مهدّد، وإذا استمر هذا الاتجاه فإن مستقبلنا يتجه نحو الانقراض. وهذا نتج عن حقيقة أن هناك أكثر من 550000 مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية وشرقي القدس. الكثير من قرانا تحت الاحتلال العسكري، وهناك قيود مفروضة على التنقل من قرية إلى أخرى، مما يعني أن هناك أُسر أصبحت منفصلة عن بعضها البعض. لا تزال أراضينا تُصادر في كل مكان حولنا من أجل بناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية أو من أجل توسيع المستوطنات الموجودة بالفعل. ومؤخراً صادرت إسرائيل حوالي ثلاثة آلاف فدان من 59 عائلة مسيحية في بيت جالا للاستمرار في توسيع مستوطنة جيلو وجدار الفصل.

إن التطورات الأخيرة المتعلقة بالصدامات بين المستوطنين والسلطات المدنية الإسرائيلية هي دليل على أن المستوطنات أصبحت ظاهرة تنمو بشكل لم تعد قابلة للسيطرة الإسرائيلية. ينتهكون القوانين التي وُضعت لحمايتهم، ومما لا شك فيه أنهم يهددون السلام والأمن في المنطقة. كما يقول سفر الأمثال: "عندما لا يكون هناك أي أمل، الناس تهلك" - جيل كامل من الإسرائيليين والفلسطينيين نما وهو يشاهد ويتعرض للعنف والاحتلال والفصل والكراهية. تتضاءل الفرص أكثر وأكثر للتفاعل. وهناك خوف وشك متزايد من كلا الجانبين، لهذا يشعر شعبنا شعوراً عميقاً باليأس والقنوط.

لذلك الآن يقع على عاتقنا واجب بألا نستسلم للفرص الضائعة لحكوماتنا، وألا نلعب لعبة اللوم. فبدلاً من ذلك، يقع على عاتقنا أن نتكلم ونُذكّر الجميع بالحقيقة الموضوعية. في كلمات البطريرك فؤاد طوال "في نهاية المطاف، الإسرائيليون والفلسطينيون... يجب أن يعملوا على تسوية خلافاتهم بطريقة عادلة وصحيحة، بطرق تتطلب تنازلات مؤلمة". نحن الجماعة المسيحية في الأرض المقدسة، شعب الجلجلة، لن نسمح لآمالنا بأن تموت، ولن نسمح للآخرين باستخدام صوتنا. لن نقف عند تفسير أصولي للكتاب المقدس يسعى لإضفاء شرعية الاعتداء على الحقوق الفلسطينية. لدينا رسالة مسيحية موحدة، ولدينا القدرة والإرادة لتقديمها للعالم. يمكن العثور على هذه الرسالة في وثيقة كايروس فلسطين. نحن مفكرون، نحن لاهوتيون، نحن فلاسفة، نحن معلمون، ونحن مؤمنون بالكتاب المقدس وبيسوع المسيح الذي "فسر لتلاميذه من عمواس ما ورد عنه في جميع الكتب" (لوقا 24 :27)، ونحن نشمر عن سواعدنا ونحدث تغييراً عن طريق تسليط الضوء على الأوضاع المتردية.

وجدت الكنيسة في الواقع وسائل لمنح الناس الأمل وإعطائهم فرصة لمستقبل أفضل. مثال على ذلك، الكنيسة الكاثوليكية هي أكبر مربية خاصة تخدم في المنطقة، مع وجود 70000 طفل في أكثر من 100 مدرسة تُديرها مؤسسات مختلفة تابعة للكنيسة. نحن ندير أكثر من 14 مستشفى و3 جامعات. نحن نخدم أفقر الفقراء من خلال دور الأيتام ومنازل التمريض ومراكز الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ومراكز الخدمات الرعوية من العائلات والشباب.

نحن ندير مجموعات من الشباب والكشافة ونوفر مكاناً آمناً للأطفال من أجل اللعب. نحن نقوم بدورنا في توفير فرص تعليم لشبابنا الذين يمثلون المستقبل، نحن نعتقد بأنه إذا لعب الأطفال المسيحيون والمسلمون واليهود مع بعضهم البعض، فإنهم سيصبحون أصدقاء - في تلك اللحظة، وتلك اللحظة فقط، سيكون لدينا أمل بسلام دائم. من المحزن، في وسط هذا الصراع، أن هناك القليل من الناس يعملون على خدمة البشرية؛ القليلون يرون وجوه الأطفال والأمهات والآباء وكبار السن المعنفين بالقمع والعنف. نحن نرى هذه الوجوه وندرك أننا لا نستطيع القيام بهذا لوحدنا.

الآن، إن الأمر يقع على عاتقكم بأن تدركوا أن حكوماتنا في إسرائيل وفلسطين "غير قادرتان على عمل التسويات الضرورية" دون تدخل خارجي" والسبب في ذلك: هناك علاقة سلطة غير متكافئة، هناك غياب للثقة في الحلفاء السياسيين الموجودين لدى كلا الطرفين، قوى التطرف تتنامى وتحصل على أتباع ومؤيدين، أحداث الربيع العربي الأخيرة هي ظاهرة أدت إلى اضطراب كبير وعدم استقرار في المنطقة. هذا اضطراب لا أحد محصن أمامه (حتى إسرائيل) واحتمالات التوصل إلى حل عادل تتدهور بشكل سريع.

لقد فشلت الحكومة المحلية والتدخل الدولي (بما فيها الولايات المتحدة) لفترة طويلة في القيام بما هو مطلوب. ومن الضروري جداً أن تدرك هذه الإدارة بأن الوقت لم يعد لصالحنا وأن الإجراءات المتخذة لتحقيق السلام الذي يخدم طرفاً دون الآخر (أو يصب في صالح أحد الأطراف) لن يؤدي بنا إلى أي مكان. إن إطالة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيخدم فقط المتطرفين في كلا الجانبين، وسيضعف مؤيدي السلام في كلا الجانبين. إذا تدخلتم يمكنكم أن تنقذوا الأمل بتحقيق السلام، قبل أن يتم إخماده بواسطة التطرف والعنف.

في مدارسنا يتعلم الأطفال ويمارسون التجربة الإنسانية، على كل حال هذا ما علمنا إياه المسيح: أن نحب أعدائنا، أن نسامح من يؤذينا، أن نكون صانعي سلام، أن نعزز الحوار ونشجع المصالحة. المسيحيون في فلسطين عددهم قليل، لكننا نقوم بدورنا للعمل من أجل إيجاد مستقبل أفضل لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. ودائماً نرى الشباب الذين تخرجوا من مدارسنا وجامعاتنا أو أولئك المنتفعين من عمل مؤسساتنا - يغادرون بعقلية متغيرة. على الرغم من اليأس والعنف في المجتمع، إلا أنهم لا يزالوا يؤمنون بالقدرة على تغيير العالم، وبذلك يصبحون قادة من أجل تحقيق العدالة والسلام والتسامح بدلاً من تلاميذ يعملون للموت والدمار

يعجبني أولئك المتفائلين، الذين يعتقدون بالفعل أن الفلسطينيين والإسرائيليين يستطيعون العيش مع بعضهم البعض. ففي الأردن نشأنا على فكرة قبول الآخر، مسيحي أو مسلم، من الشمال أو من الجنوب، ونحن جميعاً منتمين لبلد واحد، وملك واحد "الملك عبدالله الثاني"، والذي يعمل دائماً من أجل المنفعة المتبادلة للجميع. هذا الاعتقاد ليس غريباً عن الشرق الأوسط، ولكن حتى نجعله حقيقة واقعة، على كل طرف أن يعترف بكرامة الآخر، وأن يكون مستعداً بلا قيد أو شرط بأن يقبل الآخر، من أجل البشرية. بحماسة وشجاعة عظيمة، علينا أن نبذل جهوداً متجددة وحقيقية لتعزيز السلام ونمد أيدينا لجميع الأديان والشعوب الذين يشاركوننا السعي لتحقيق السلام والعدالة والحرية.

لهذا أنا أقف أمامكم اليوم. في قَسَم الولاء للولايات المتحدة، تقفون جميعاً شامخين أمام علم بلادكم وتقرؤون الأساس الذي جعل من أمريكا دولة عظيمة: "أمة واحدة في ظل الله مع الحرية والعدالة للجميع". يجب أن ينتهي الاحتلال لأنه مخالف لما أمر به الله. يجب أن يتوقف الإرهاب والعنف. يجب ألا يتم بناء المزيد من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. إن وجودنا المسيحي لا بد من دعمه ورعايته. يجب أن تدعموا جهود المؤسسات التي تعمل من أجل خدمة الإنسانية. استخدم صوتك وتأثيرك من أجل أن تعيد أفاق السلام مرة أخرى. إذا لم تفعل ذلك، فمن سيفعل؟ أعطونا الفرصة لنقف إلى جانبكم يوماً واحداً ونقول: أمتين في ظل الله، مع السلام والحرية والعدالة للجميع!.

باسم كافة المسيحيين في الأراضي المقدسة، وباسمنا جميعاً في البطريركية اللاتينية في القدس نتقدم لكم بالشكر على وقتكم وكرمكم ودعمكم.
باسم غبطة البطريرك فؤاد طوال وباسم الرئيس محمود عباس أبو مازن، أدعوكم لزيارة الأرض المقدسة كحجاج، لتكونوا حاضرين في حياتنا وأن تصلوا معنا من أجلنا، وأن تدعموا مشاريعنا، حتى نستطيع أن نصل معاً في يوم ما إلى الهدف الذي نسعى له جميعاً – السلام.