وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ازدياد العنف في الساحة الفلسطينية!!

نشر بتاريخ: 28/07/2005 ( آخر تحديث: 28/07/2005 الساعة: 11:27 )
بقلم: بلال بدوان

معا- لعلنا عانينا من تراكمات و انتكاسات عدة جراء انتفاضة الأقصى التي قامت أصلا ضد الاحتلال الإسرائيلي, ولعل من ابرز هذه التراكمات هو العنف, الذي يمكنني في هذا المقام أن أصفه بالظاهرة التي تسود قطاعات المجتمع الفلسطيني بكافة شرائحه نظراً للمشاكل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والاحتلالية, هذه الظاهرة التي أصبحت ثقافة مستقلة بحد ذاتها "ثقافة العنف"وليس اي عنف بل العنف الموجه -وبشكل عكسي- إلى الداخل الفلسطيني.

فقد أصبحت ثقافة العنف هي اللغة الوحيدة التي يتعامل بها أبناء شعبنا ويتفاهمون بين بعضهم البعض فهي تستخدم في المدرسة بين الطلاب والمعلمين وفي البيت بين الرجل وزوجتة, في السوق بين التجار وفي الشارع بين العائلات والفصائل والأحزاب.

من المسؤول عن انحراف الشباب الفلسطيني نحو العنف..... هل هي الانتفاضة ومتطلبات الجناح العسكري لحركة كذا وكذا....أم متطلبات الدفاع عن العائلة والثأر لها....أم تماشياً لأوامر الآباء لأبنائهم بأن يأخذوا حقهم بيدهم؟ إن من أهم أسباب ازدياد العنف والجريمة ورفض القانون في مجتمعنا تبدأ بالتربية الأسرية وتنتهي بالخطاب التنظيمي التعبوي الذي اغفل الدروس الأخلاقية والسلوكية وضرورة الاحتكام للقانون ولم ينسى الخطابات العسكرية الرنانة التي تفتقر للتنظيم, وهذا لايعني خلو الساحة الفلسطينية من العمل المنظم, ولكن منذ بداية الانتفاضة حدثت احتقانات وتوجيهات خارجة عن إطار العمل الوطني - كما حدث في مراحل سابقة- و التي بدورها أدت إلى هذا الفلتان والفوضى التي تشهدها الساحة الفلسطينية في الوقت الراهن.


لا يمكن لأحد أن ينكر ضرورة وواجب مقاومة المحتل بشتى الوسائل المتاحة العسكرية منها والسلمية ولكن لا نريد أن تنحرف مقاصد هذا الهدف النبيل إلى الداخل الفلسطيني على شكل عنف من دون قصد ولكن جراء الاندفاع وراء التعصب واستخدام القوة لفرض رأي أو قانون ما " فمن شأن السحر أن ينقلب على الساحر". أن عدد ضحايا هذه الأحداث- اى الفوضى الحاصلة نتيجة العنف وانتشار الأسلحة- بلغ (515) فلسطينياً، في قطاع غزة خلال الفترة الممتدة من 1/1/2003 وحتى 11/6/2005 فقط، سقطوا بين قتيل وجريح. والجدير ذكره أنه ومنذ بداية العام الحالي سقط 15 قتيلا وحوالي (165) جريحا ضحايا لحالة الانفلات الأمني وانتشار السلاح.

يجب الوقوف على هذا التجاوزات ومعرفة نشأتها ومسبباتها وأن نعرف مالنا وما علينا من مستحقات تتطلبها المرحلة الحرجة الحالية, قد تكفيك جولة واحدة في الشارع لترى شتى ألوان وأشكال العنف والتصرفات الخشنة التي يمارسها العامة أطفالاً وكباراً, فالصغار يلعبون بألعاب ذات طابع خشن وألفاظ بذيئة, والكبار الذين يمارسون العنف اليومي تجاه زوجاتهم في المنزل على مرآى ومسمع اولئك الأطفال.

فالعنف قد طال المرافق والممتلكات العامة والخاصة, فنرى مشاهد تكسير وتخريب يومية للمرافق الخدماتية التي يقدمها المجتمع, فالطفل يصحو باكراً يفكر ملياً بالنقود التي في سقاطته ليشتري مفرقعات أو حتى ال" كوع" لاخافة الأطفال الآخرون.....!!! من أين جاء بفكرة أخذ القانون باليد؟؟ اعتقد إننا نحن الذين ساعدنا أطفالنا على استيعاب ثقافة العنف وتغلغلها في مجتمعنا تغلغل السم في الجسد.

كنت في المدرسة على رأس عملي في السنة الثانية من الانتفاضة, فإذا بمعلم تغيب عن إحدى الحصص لطلاب الصف الثالث, فأخذت مكانه في تلك الحصة التي كانت "رسم حر" فقلت لهم ارسموا ما تريدون ولكن يكون شيء معبر....وقبل انتهاء الحصة بخمس دقائق أخذت جولةً تفقدية للإطلاع على رسومات الاطفال فرأيت العجب العاجب احدهم رسم دبابة والآخر مدفع وطائرة وصاروخ وجندي وملثم وأعلام فصائل وجنازات...وهكذا دواليك, فهل فكرنا يوماً بهذا الطفل الغر الذي لا يعرف ما الذي يرسمه ولا يعرف اهدافة وأساليبه إننا أخطأنا في حق أطفالنا كثيراً.

فلا تستغرب حين اذكر لك عزيزي القارئ أن العنف قد دخل مستشفياتنا العامة أيضا و التي نالت الحظ الأوفر من العبث و الفوضى, فنرى كيف يقوم فلان بضرب طبيب ما بدعوى إهماله وعدم مبالاة طبيب آخر بمرضاه ومراجعيه, واستهتار ممرض آخر بدقة عمله والطبيب في جراحته فقد شهدت ذات يوم حدثا يسترعي الانتباه جاء احد المرضى للمستشفى وكان يعرج على قدمه وكانت مكسورة ومجبصة ولكنه تحمل عناء المجيء إلى المستشفى في وقت صاحب اجتياحاً إسرائيليا دموياً في منطقة الشجاعية فإذا بأحد المسؤولين بالمشفى يقول له" اذهب...إحنا فاضين لك الحين...مش شايف الحالات التي بتيجي..؟ هل هذا هو الإرث الذي خرجنا به من الانتفاضة"؟؟؟

هل هذا ما جنيناه من هذه الانتفاضة....هل هكذا يدافع المرء عن وطنه ؟؟ يجب أن لا ننسى إننا قمنا بالانتفاضة من اجل دحر الاحتلال الذي أذاقنا وما يزال يذيقنا كل أنواع العنف والإرهاب فكيف بنا ننساق الى براثن العنف والفوضى.