وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من دون رومانسية .. تموت الثورة في صدور الرجال

نشر بتاريخ: 14/03/2012 ( آخر تحديث: 17/03/2012 الساعة: 21:21 )
من دون رومانسية .. تموت الثورة في صدور الرجال
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - اذا فقد الثائر رومانسيته .. تموت الثورة في صدور الرجال ... فالثورة حالة عشق طوباوية جميلة ، تفاعل كيميائي داخل النفس البشرية يعيد اليها هندستها التلقائية ويتّحد فيها الثائر مع فكرة الثورة بشكل " غير عقلاني " ، وبينما يقول العقل لصاحبه ان القوة الاخرى اقوى منه واكثر نفوذا وان السلامة الفردية تتطلب منه ان يسكت ويقبل وينصاع ويخلد للراحة بدل العذاب والمقاومة ، يقول الثائر الرومانسي لنفسه الا يصدق عقله بل يتبع اهواءه واحزانه وعواطفه في اتجاه حركته ... ومن هنا نجد ان الرومانسية هي البديل العاطفي عن الظلم ، نفي الواقع والبحث عن حلم افضل ، وكانت الحركة الرومانسية الثورية انتشرت في اوروبا ( امريكا خارج اللعبة هذه المرة واخر من يفهم الرومانسية ) ضد حكم الكنيسة ، واعتمدت التلقائية في التعبير والتفكير، وإطلاق النفس على سجيتها، والاستجابة لأهوائها. وهو مذهب متحرر من قيود العقل الكنسي ، لذلك اشاعت الكنيسة الاوروبية ان الرومانسية ملحدة وغير مؤمنة ، لانها ارادت ان يبقى الناس تحت رحمتها وسطوتها ويستخدمون " عقولهم " في الانصياع لحكمها . ولهذا وجدنا ان محمود درويش كتب في بيروت ( وحدهم العاشقون يظنّون ان النهر مرايا فينتحرون ) . لان العاشق لفلسطين والثورة لم يحسب ميزان القوة بعقله واكتشف ان اسرائيل سادس اقوى جيش في العالم ولم يحاربها ، بل فكرّ الفدائي المحاصر حينها بقلبه وعشقه وقرر القتال والموت شرفا من اجل فلسطين .

وعن صلاح التعمري ، والذي كان لي الشرف ان استمع الى قصصه الكثيرة حول الثورة منذ معركة الكرامة وحتى اليوم ، ان قال لي بحسرة ( اذا فقدت الثورة رومانسيتها ستموت الثورة في صدور الرجال ) . وكنا نتحدث عن ضرورة المحافظة على الرومانسية ، ونتساءل لماذا يصرّ الثوار في مصر على اجراء محاكمة للعجوز حسني مبارك وهو في قفص السجن ذليلا ومهانا .. ونقارن مع الثائر الرومانسي الاول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وكيف لحق رؤيا النبوة ورفض عقلية الجاهلية ، وحين عاد الى مكة منتصرا ، ظلّ رومانسيا وقال لاخوته الاعداء الذين حاربوه بالسيف وقاتلوه وطردوه من بيته :
ماذا ترون انّي فاعل بكم ؟ قالوا اخ كريم وبن اخ كريم . قال : اذهبوا فانتم الطلقاء .
ما الذي يقلق صلاح التعمري ؟ فقال لي حين يتحوّل الثائر الى وزير او مسؤول او مدير ويبحث عن سيارة وبطاقة V I P ووظيفة ينتقل من رومانسية الثائر الى عقلية المدير الذي يفكر بعقله ومصلحته .

وحول معركة غزة الاخيرة ، اعتقد ان على الثوار والفدائيين ان يعيدوا النظر في العديد من المفاهيم التالية وفق قاموس الرومانسية الثورية ، وبدلا من ان يسارع المقاتلون " للاحتفال بالنصر " ، عليهم ان يذكرونا من جديد ان الثورة لم تكن ولن تكون معركة ربح وخسارة ، لان المفهوم الثوري للنصر قد يكون في الخسارة نفسها ، فيما يخسر الاحتلال حتى لو كسب !!

والثورة لا تؤمن بالاغتيالات السياسية لانها تعتبر الامر من صفات الحكومات الظالمة واجهزة البوليس واعوان الاحتلال ، وفي حين باهى الرئيس اوباما باغتيال اسامة بن لادن ، وفاخر شارون باغتيال احمد ياسين وازبهلّ نتانياهو طربا لانه اغتال زهير القيسي ، نجد ان الزعيم عرفات شجب قيام الفدائيين باغتيال رحبعام زئيفي !!! وذلك لان الثورة الفلسطينية قررت منذ فترة رئيسة وزراء اسرائيل غولدا مئير في بداية السبعينات ان تتوقف عن استخدام الاغتيالات وخطف الطائرات ، وان تعتمد بدلا من ذلك على مفهوم الثورة الشعبية . ورغم ان الثورة الفلسطينية تعرف اين يقيم قادة اسرائيل واين يأكلون واين يسكن الطيارون الا انها لم تحاول ولن تحاول اغتيالهم ، فهي ثورة وليست مافيا للانتقام ، هي قكرة قبل ان تكون رصاصة .

ومهما فعل الاحتلال ، لن تجد اي ثائر فلسطيني يدعو الى قتل الاطفال ، او النساء ، او المدنيين ، وان كان الاحتلال في كثير من الاحيان اجبر الثورة على اللجوء الى هذه الوسيلة الا ان فصائل المقاومة وبالتشاور مع كل اصدقاء فلسطين في العالم قررت الكف عن تفجير الاسواق والحافلات في المدن الاسرائيلية , لان الثورة حالة تسامي ولحظة عز سرمدية .

كما ان الثائر يفرق بين العنف والعنفوان ، فهو يستخدم العنف بشكل جميل وشهامة للدفاع عن النفس وليس بشكل وحشي للانتقام من خصومه ، وهذا يذكّرنا بالشهيد مجدي ابو جامع عام 1986 حين اختطف حافلة اسرائيلية في عسقلان وذهب بها الى غزة ، وفي تلك اللحظة كانت سيدة يهودية تبكي وعرف الشهيد انها حامل وتخاف على جنينها ، فاوقف الحافلة وسمح لها بالنزول ، وهي قامت باعطاء المخابرات الاسرائيلية كل اسرار الخاطفين فجرى اعتقال الشهيد ابو جامع وقام قادة اسرائيل بقتله بواسطة حجر وهو على قيد الحياة ومكبّل اليدين . وهذا هو الفرق بين الثائر وبين ضابط الاحتلال ... فالثائر لا يموت لانه باع روحه لفكرة الثورة وقايضها بمفهوم لا متناهي من الحرية المطلقة ، اما ضباط الاحتلال وان كانوا يعيشون طويلا فانهم ميتون ، وهذا هو اسم كتاب من تأليف غوغول ( النفوس الميتة ) يروي حكاية قادة اليهود في اوروبا .. والغريب انني منذ عشر سنوات ابحث عن هذا الكتاب في جميع المكتبات العربية والفلسطينية ولا أجده .. ولا اعرف كيف جرى سحبه من سوق الكتب في العالم كلّه واختفى !!!