وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كفى نرفع البنايات العالية ... حان وقت نرفع رأس المواطن

نشر بتاريخ: 09/04/2012 ( آخر تحديث: 16/04/2012 الساعة: 09:18 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - كانت الاراضي الفلسطينية تعاني من عدم وجود بنية تحتية حين رحل الاحتلال جزئيا عن المدن الفلسطينية في منتصف التسعينيات ، وقد امرت القيادة بتحويل نهر من اموال لبناء وتجديد المدن ، حد وصل الامر الى ما نحن عليه الان ، بنايات شاهقة وشوارع تضاهي المدن الغربية ومقاهي يصل فنجان القهوة فيها الى 5 دولارات . واعتقد ان الامر يكفي عند هذا الحد .

والمطلوب الان توجيه كل الطاقات لاقامة مشاريع زراعية وصناعية ، لان الاستمرار في سياسة القروض من البنوك من دون استراتيجية للسوق ستؤدي الى تكرار تجربة اليونان والبرتغال وغيرها من الدول التي وصلت الى طريق مسدود ، فالمواطن الذي يستطيع ان يبني غرفة واحدة اعتقد واهما ان بامكانه ان يعمّر شقة كبيرة في ظل القرض الميسر من البنك ، والمواطن الذي بامكانه ان يبني شقة واحدة اعتقد في ظل وجود القروض ان بامكانه ان يبني برجا عاليا ، لكنه يكتشف سريعا انه لا يستطيع استكمال البناء او التشطيب فيسارع الى صرف الشيكات من الصيارفة ويقع في الديون وصولا الى التورط بقرض ثان لانقاذ القرض الاول ، او قرض ثالث لانقاذ القرض الثاني وهكذا .

ولا انسى اننا نحن معشر الصحافيين الذين ضغطنا بشكل مباشر وغير مباشر على القيادة لتضغط بدورها على البنوك لتسهيل القروض للمواطن والموظف ، ولكن اية قروض ستؤدي الدور الاستهلاكي فقط ولن تتحول الى حالة الانتاج الا اذا راعت الدولة من خلال سياستها المالية وجود سياسة تنموية وتطويرية للسوق بشكل عام .

لم يعد العالم منقسما الى اخيار واشرار ، او شمال وجنوب ، او شيوعية وامبريالية ، او فقراء واغنياء ، وانما صار العالم هذه الايام ينقسم الى مستهلك ومنتج ، فهناك شعوب منتجة حتى لو كان استهلاكها كبيرا ، وهناك شعوب مستهلكة حتى لو انتجت كثيرا ، ولو قرأنا نسبة المستهلكين في المجتمعات العربية والانظمة المالية العربية لوجدناها في اعلى الدرجات ، فنحن نستهلك كل شئ تقريبا من ابرة الخياطة الى الملابس الداخلية الى الاي فون ولكن نادرا ما ننتج اي شئ ، وباستثناء البترول الذي حبانا الله به لا ينتج العرب سوى السياسيين والصحافيين الذي يمضون حياتهم في " ادارة " حياة الاخرين فحسب .

ان الاقتصاد الفلسطيني قد تحوّل في السنوات العشر الماضية الى اقتصاد مستهلك ، بل مستهلك جدا ، فترى ان 99% من ابناء الشعب الفلسطيني يحملون احدث اجهزة الهاتف النقال ، وترى ان اجهزة الاي فون والاي باد واللاب توب واجهزة اللمس والهمس صارت جزء اساسيا من حياة الاسرة الفلسطينية ، كمان ان اقتناء السيارات الخاصة وارتفاع سعر الوقود جعل من راتب الاسرة مجرد رقم لا يصمد حتى اول اسبوع في الشهر .في حين تتراجع المواصلات العامة الى الحضيض ، ومقارنة مع الدول المنتجة التي تشتثمر اكثر في القطارات والترام والحافلات العامة ترى المجتمعات المستهلكة تميل تلقائيا الى شراء سيارات الدفع الرباعي وجيبات الهامر كحالة تعبير عن التباهي الفارغ بالنزعة الاستهلاكية التي تتحول رويدا رويدا الى مؤثر مباشر لرفع الاسعار ورفع البنايات الشاهقة بالتزامن مع انخفاض رأس المواطن وانحناء ظهره تحت القروض .

سلوكيا ، يتعرف موظف شاب على موظفة شابة ، ومن دون تخطيط اقتصادي يشترط اهل الفتاة على العريس السكن في شقة منفردة وكبيرة ، ويسارع العريسان فورا الى تحقيق " حلم تلفزيوني " ويقومان بشراء شقة في حي راق في رام الله بدل المنزل المتواضع في القرية وهنا تدخل الديون حساب الاسرة الشابة ونادرا ما تخرج . ومن ينج من فقر الشقة لم ينج من فقر السيارة ومن ينج من فقر السيارة لن ينج من فقر المدارس الخاصة الراقية والغالية التي تحوّلت الى " شرط " من شروط " السعادة الزوجية" الحديثة !!!!!

خلاصة القول ان كل جوانب حياتنا تتحول الى الاستهلاك ، في حين يصبح الانتاج نادرا ، فترى 20% من الشعب يعمل ويعيل 80% عاطلون عن العمل لا يفكرون سوى في الحصول على قروض والمزيد من الاستهلاك . وكل هذا تعبير عن فشل في سياسة الحكومات المالية التي تدفع المواطن الى اللهاث وراء المزيد من الاستهلاك .وهي مسألة وقت فقط لتنهار الانظمة المالية للسلطة وتتحول الى نموذج فاشل يدرسه طلبة الاقتصاد في عاوصم العالم .

لا تأنيب ولا مناكفات ولا مزاودات سياسية ، المطلوب وفورا خطط علاجية لتأسيس المزيد من فرص العمل والانتاج ، والاولوية للمشاريع الزراعية والحيوانية والصناعية الصغيرة ... يكفي بنايات وابراج سيارات فارهة ، وحال المواطن في الضفة ليس بأفضل من حاله في قطاع غزة ، ويكفي ان نصدق ما يقوله نتانياهو في كل محافل العالم ( انا ساعدت الفلسطينيين ان يشتروا سيارات جديدة ويشتروا اجهزة تلفاز ملونة ) .
نعم لدينا سيارات جديدة ، واثاث وشقق مستأجرة او مرهونة للبنوك ، لكننا نحني ظهورنا ورؤوسنا تحت الديون .