وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بعد 6 سنوات على الانقسام -الصحافيون اكثر توترا والسياسيون اكثر احترافا

نشر بتاريخ: 06/05/2012 ( آخر تحديث: 08/05/2012 الساعة: 18:26 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - يعيش المجتمع الفلسطيني حالة من النضج الاعلامي الذي يمكن للشعب ان يفتخر بها ، وتعتبر التجربة الصحافية الفلسطينية تجربة عريقة تطوّرت من رحم العلوم الانسانية والاجتماعية خطوة بخطوة ، وقد ساهم المجتمع والاهالي والتنظيمات والمنظمات الاهلية والجامعات والحركة الاسيرة والحركة الطلابية والقيادة والفقراء والاغنياء في الداخل المحتل والمهجر ، ساهموا جميعا في صقل التجربة واعلاء قيمتها وشأنها الى المستوى الذي وصلنا اليه .

ويحق لكل صحافي فلسطيني الان ان يفخر باساتذته والمثقفين الاوائل الذين شقّوا الطريق بالصمود والصبر وعبّدوه بالتضحيات الجسام ، ولولا الاساتذة والمثقفين الذين سبقونا وامسكوا بالقلم والفرشاة وعانوا كثيرا وحرموا انفسهم من ملذات الحياة والعيش الهانئ تحت ظل شجرة السلامة الفردية ، لولا تضحياتهم لما كنا في هذا المقام الرفيع بين الامم . ويكفينا شرفا ان كبار القادة والمثقفين في العالم يقولون علانية ان فلسطين تشتهر اليوم بكبار الصحافيين على مستوى العالم . وليس سرا ان الصحافي الفلسطيني يقود او يشارك في قيادة اهم قنوات الاعلام في الشرق الاوسط .

وحين التقينا برئيس وزراء تركيا اردوغان وقف والقى علينا من اشعار محمود درويش ، اما وزير خارجية تركيا فقال لوزير خارجيتنا انني اغبطكم على ان اشهر صحافيي الثورات والتغيير والنضال هم صحافيون من فلسطين ، بل راح الى القول " تشتهر فلسطين بالمثقفين والصحافيين المحترفين " . اما شارون فقال على منصة الكنيست انني اغار من حب المثقف الفلسطيني لوطنه وكيف يكتبون الشعر من اجل فلسطين وتمنى لو ان محمود درويش ليس فلسطينيا !!!

ازهو بوطني ، واكبر بزملائي وانا اكتب هذا الكلام ، وانحني تواضعا امام اساتذتي في الصحافة والذين علمونا فك طلاسم الحرف السياسي ، وشربوا معنا من كأس العذاب على طريق الكلمة الحرة ، وانحني امام رواد الفكر والحرية امثال ادوارد سعيد وغسان كنفاني وماجد ابو شرار وعبد اللطيف عقل وعز الدين مناصرة وعشرات مثلهم .

وصولا الى مرحلة الانقسام فقد فشل معظم الصحافيين في تجاوز الازمة ، وانقسموا مثل قطعة بسكويت ، ولكن رويدا رويدا غلب العقل الانفعال ، وعالج الصحافيون انفسهم او هكذا اعتقدنا ، حتى جرت انتخابات النقابة الشهر الماضي فاتضح ان الجرح عميق وان الصحافيين المحسوبين على التيارات الاسلامية ووائل الاعلام المناصرة لها في غزة سارعت لتأسيس نقابة موازية للنقابة في رام الله ، فوقعت الفأس في الرأس مرة اخرى . ليس بسبب الانقسام بل بسبب ان المثقف يجب ان يكون اخر من يتخلى عن مفاهيم الوحدة ، ولو ان باقي النقابات انقسمت لكان الامر اخف وطأة من انقسام اتحاد الكتاب او نقابة الصحافيين ، لان المفروض ان تكون هذه النقابات طوق نجاة للمجتمع من ازماته وليس ثقلا على كاهله كما هو الان .

وبعد ست سنوات على الانقسام ، يتضح ان الصحافيين اكثر انفعالا واقل مسؤولية في هذا العام ، اكثر عملا واقل انتاجا ، اكثر تصريحات من تغطية الاخبار نفسها ، وبدلا من ان يقوم الصحافي بتغطية اخبار المجتمع وتحليل افاقها تراه هو نفسه اصبح ينافس السياسيين في التصريحات والمواقف السياسية ، بل يسبقه في ذلك احيانا .

وفي العشر سنوات الماضية تخرّج من كليات الاعلام في الجامعات الحلية والخارجية الاف من الصحافيين والطاقات الجديدة ، وارتفع عدد الصحافيين في فلسطين من 500 صحافي الى 5000 صحافي وهو امر حميد وطيب ولكن .....

يجب ان نعمل على تحويل الكم الصحافي الى نوع منتج ومبدع عن طريق خطة عمل جماعي ، فالنجاحات الفردية مجرد انعكاس للنجاح الجماعي ، فالصحافة كحركة فكر ثمرة جهد عقلاني اجتماعي حضاري تربوي لا يمكن ولا بأي شكل من الاشكال ان تكون حكرا على صناعة النجوم او تلميع الوجوه على الشاشات . فالنجم هو ثمرة عطاء وطني وليس العكس .

يجب ان يتقدم الاقدر على التحمّل والاكثر على الاستشراف والابداع الى صفوف قيادة مواقع التواصل الاجتماعي حتى ننهض بالاشكال الجديدة للاعلام من دائرة الثرثرة والمناكفة والتحامل الى دائرة الانتاج الادبي والثقافي والاقتصادي والاخلاقي للمجتمع .

ان محاولة بعض الصحافيين تحويل ذعرهم من الحقيقة برهانا عمليا على فشل الاخرين وفشل الثورة ، كما ان فشل البعض في التصالح مع نفسه وبالتالي قضاء كل ايامهم في لوم المجتمع والزملاء والتاريخ والتنظيمات انهم هم السبب في فشله هو ان بحث بعض الصحافيين عن مفاهيم بديلة لمفهوم الوطن بوحدته وشموليته كقيمة عليا سيؤدي كسر اجنحتهم عاجلا او اجلا ، لان التمسك بالموقف الضيّق ومحاولتهم اللعب على التناقض بين فتح وحماس لن يفيدهم على المستوى الاستراتيجي ، كما ان محاولة التقرب من حماس نكاية بفتح او التقرّب من فتح نكاية بحماس امر ممجوج ومفضوح لا طائل منه . فقادة التنظيمات يظهرون نضوجا واحترافا في العمل السياسي اكثر من غالبية المراسلين والمؤسسات الاعلامية التي تعمل بشكل منفرد بحثا عن السلامة الفردية .

لدينا جيل ذكي وشاب ، لدينا جيش من الصحافيين الاكفاء المتعلمين ، والاهم لدينا قضية عادلة ومشرّفة لكل من يدافع عنها .... وعلينا ان نشاهد ما الذي يحدث في العواصم العربية ونصل الى نتيجة واحدة مفادها : علينا ان نعرف ماذا نريد وان ننضبط لثقافتنا ووطننا وان ندافع عن سلطتنا وقادتنا وتنظيماتنا ورموزنا وعائلاتنا وعشائرنا من دون اي خجل ، ومهما كانت رواتب الوكالات الاجنبية مغرية الا ان كرامة نقابتنا وسمعتنا الوطنية اهم بكثير من ملذات عابرة ...

على الرسام ان يرسم ، وعلى الكاتب ان يكتب والمصوّر ان يصور والصحافي ان يغطي الاخبار وعلى النحات ان ينحت والراوي ان يقص علينا الحكايا الجميلة وعلى المغني ان يغني ونحمي وطننا بالنثر والشعر والرسم والقول والفعل والتجلّي في حضرة التاريخ الذي يحملنا ويمضي بنا كقطار الى ان نصل المحطة القادمة فنسلم الراية لاولادنا .